في التقرير الذي قدّمه جيانغ تسه مين إلى المؤتمر الوطني الـسادس عشر للحزب الشيوعي الصيني كانت هناك إشارات واضحة إلى أهمية الثقافة وصناعة الثقافة في المشروع التنموي الكبير الذي تدشنه بكين.
وأكد جيانغ تسه في حديثه ذلك، ضرورة « تطوير قضية الثقافة وصناعة الثقافة بنشاط، (محددا أنه) يجب على الدولة أن تدعم المرافق الثقافية العامة وتضمنها، كما تشجعها على تقوية حيويتها الذاتية في التطور، من أجل إكمال وتحسين السياسات بشأن صناعة الثقافة، ودعم تطور صناعة الثقافة وزيادة القوة الشاملة والقدرة التنافسية لصناعة الثقافة الصينية».
وعلى مقربة من بكين، وفي هونغ كونغ تحديدا، هناك معرض دوري يطلق عليه «معرض هونغ كونغ لصناعة الثقافة» تقف وراءه، بالإضافة إلى الدولة، أكثر من 5 آلاف شركة ثقافية تزاول أعمال النشر والطباعة والتصميم. وهذه الشركات توفر أكثر من 50 ألف فرصة عمل لأهالي هونغ كونغ وتحقق 33.7 مليار دولار هونغ كونغي من اجمالي قيمة الانتاج سنويا.
يذكر ان الهدف من اقامة ذلك المعرض هو دفع تنمية صناعة الثقافة في هونغ كونغ وتحويلها إلى أحد مراكز صناعة الثقافة في آسيا من خلال سلسلة نشاطات تشتمل على تعميم صناعة الثقافة ونشر أقراص الفيديو المدمجة عن صناعة الثقافة واقامة المعارض.
ويذكر أن هونغ كونغ تعد من أكبر مراكز الطباعة العالمية الأربعة وكذلك هي أحد مراكز النشر والتصميم الثلاثة الكبرى باللغة الصينية في العالم.
هذه شذرات وأمثلة من ظاهرة عالمية أصبحت تعرف اليوم بصناعة الثقافة، تمتلك معايير محددة وتخضع لأنظمة تقييس تضعها في خانة مختلفة عن الحديث عن الثقافة كمفهوم على النحو المتداول في الأدبيات العربية.
وقبل الحديث عن صناعة الثقافة لابد من الاعتراف بان آراء المفكرين والباحثين قد تباينت، بل وفي أحيان كثيرة تضاربت عند تحديد تحديد مفهوم الثقافة ذاتها. لكن هناك ما يشبه الاتفاق العام على أن الثقافة، في إطارها العام الشامل هي ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البيئة، ومعبّر عنها ومواصل لتقاليدها في هذا الميدان أو ذاك. وهذا التعريف هو الذي يستخدمه د. حسين مؤنس في الكثير من كتاباته حول موضوع الثقافة.
وإذا ما اتفقنا على أن الثقافة هي نشاط إنساني. فإن أول ما يعني ذلك هو أن للبيئة التي تحيط بشعب ما، يعيش تحت ظروف تلك البيئة، الدور الأساسي في توليد ثقافة مختلفة بقدر يتسع أو يضيق عن ثقافة أخرى ولدها وبناها شعب آخر، يعيش تحت ظروف بيئية مختلفة. هذا العامل هو الذي يخرج الثقافة من رحم الخصوصيات الثقافية التي يتمتع بها شعب من دون سواه، وفقا للظروف التي يعيشها ذلك الشعب وأسلوب تفكيره، وموقفه من الحياة. وهذا الأمر هو يجعل الثقافة في وجه من وجوهها تمثل المحيط الفكري الذي يعيش فيه الناس وفقا لأنماط نابعة من ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، والبيئة الجغرافية التي تتيح انتقالا نوعيا بالفكر والسلوك، وتقود للتطورات التاريخية التي تشهدها المجتمعات البشرية.
وطالما أننا بصدد الحديث عن صناعة الثقافة فمن الطبيعي أن ننتقل منها، بعد أن وضعنا الإطار العام لمفهوم الثقافة، إلى المنتج الثقافي. وأفضل من يعرف المنتج الثقافي هو جون ديوي، الذي يعتبره «محصلة التفاعل بين الإنسان وبيئته، فثقافة شعب ما، هي جماع المعارف الإنسانية لذلك الشعب في محاولته للوصول إلى حالة من التوازن مع الظروف الحياتية التي يحياها، وهي إبداع حالة تكيّف مثلي مع الشروط التي تفرضها البيئة المحلية والعلاقات المتشكلة مع الشعوب ذات الثقافات الأخرى».
هذا يحوّل الثقافة ومعها المنتج الثقافي إلى حالة من الجدل الحيوي الذي يدور ويتطور ويتنامى بين الشعوب وبيئتهم على صعيد معين، وبين فئات الشعوب نفسها على صعيد آخر، الأمر الذي يدفع هذه الفئات إلى العمل لابتكار ما يتصل بحياة شعوبها ويجعلها أكثر قدرة على تأكيد كياناتها بامتلاك خصائص مستقلة تميزها عن سواها من الكيانات القريبة أو البعيدة بعلم أو بغير علم.
باختصار شديد إن ثقافة الأمة هي علمها غير الواعي الذي تتوارثه الأجيال وتسيّر به شئون حياتها، أي هي طريقتها في الحياة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1586 - الإثنين 08 يناير 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1427هـ