العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ

قرار محافظ المحرق سلمان بن هندي... وقفة مساءلة

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

إذا عُرف السبب حينها يمكن تفّهم بل تثمين ما يكرره محافظ المحرق سلمان بن هندي مؤكدا وفي كل تصريح بما يفيد بعده عن الطائفية، وأنه لا يفرّق بين سني وشيعي وعربي وعجمي من أهالي المحرّق، وذلك على خلفية قراره الأخير الذي قصر فيه تداول عقارات المحرّق على أهاليها فقط. فالدخان ما زال يتصاعد من نار الفتنة بعد إخمادها، والتي أشعلها البعض فيما مضى حين زعموا بوجود مؤامرة لتملك أراضي وعقارات المحرق بواسطة فئة معينة من الشعب لحساب دولة مجاورة. غير أن حسن نية المحافظ لا تكفي لقبول قراره هذا، فهو قرار غير شرعي ومخالف للقانون، فضلا عن التخبط الملموس من خلال الأهداف التي حدّدها المحافظ من وراء قراره والتي لا يحققها القرار أصلا.

قرار مخالف للعهد الدولي هذا القرار غير القانوني وغير الشرعي، يجعل من البحرين أكثر من بلد، وتحتوي على أكثر من صنف ونوع من المواطنين، ومن يتخذ مثل هذا القرار يتهم بالعنصرية في البلدان الديمقراطية العريقة، ويكفي لإثبات عدم شرعيته أنه مخالف بكل صراحة لمواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي وقعته المملكة حديثا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء في المادة (12): لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته. ومواد هذا العهد الدولي غير قابلة للتأويل خلاف ما أجمعت عليه الأسرة الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان كما تشير لهذا المعنى المواد 5، 46، و47. وفضلا عن عدم وجود قانون يستند له في قراره، لا يجوز للمحافظ الاستناد على أي قانون حتى لو وُجد مادام مخالفا للعهد الدولي، لأن الاتفاقات الدولية تلغي كل القوانين المحلية السابقة المخالفة لها وحتى القوانين اللاحقة يُعد إصدارها في حكم البطلان إذا تعارضت مع الاتفاق الدولي مادامت الدولة لم تسحب عضويتها منها أو لم تتحفظ على بنود معينة تسمح بمثل هذا القرار. والإصرار على هذا القرار يشعرنا بعدم فائدة مثل هذه العهود الدولية في بلدنا، وإنها لا تفرق عن بقية دول العالم الثالث المتخلفة في هذا المضمار. ومن الغريب أن يكرر المحافظ كلمة «المواطن» وحمايته من المضاربات، بينما هو يقصد أهالي المحرق فقط بتكراره كلمة «المواطن» الذي سيحميه من مواطنين آخرين! فمنذ متى أصبح للمحرق مواطنون خاصون بها؟ والأغرب هو إدعاء الحفاظ على النسيج الخاص بالمحرق قدر الإمكان، فهل مازلنا في عصر ما قبل النهضة العلمية وعصر الإقطاع حيث تتمايز الطبقات في النظام الاجتماعي الغربي، لدرجة أن «العائلة المالكة في روما، لا تسمح لغير أفرادها بلبس الملابس الحمراء، والعائلة المالكة في انجلترا كانت لا تسمح في القرن السادس عشر لغير نسائها بلبس الملابس المخاطة بالذهب والفضة»، كما يذكر المؤرخون؟

هل رجعنا إلى عصر الإقطاع الذي انتشى في أوروبا بالذات بعد الغزو الجرماني للإمبراطورية الرومانية الغربية فصار كل قائد في الجيش يحكم منطقة ويدافع عنها ويمنع المواطنين الآخرين من الاقتراب منها ولو كانوا من أبناء الإمبراطورية نفسها؟

قرار لا يستند إلى دراسات هذا من جهة قانونية، ومن جهة أخرى، لنناقش بعض الذرائع التي ساقها المحافظ بن هندي لتسويغ قراره هذا، فحين يزعم المحافظ أن العقارات التي تستأجرها العمالة الأجنبية بكل ممارساتها وعاداتها مؤجرة من مستثمرين من خارج المحرق، فهل توجد دراسة لدى المحافظ تدلل على كلامه هذا، وانه اتخذ قراره على ضوء هذه الدراسة؟ وإن المؤجرين ليسوا محرقيين سكنوا المدن الحديثة وهجروا بيوتهم ومناطقهم القديمة ذات الأزقة الضيقة لعدم ملائمتها لمتطلبات العصر؟ وأعجب ما في الأمر، حين يتحدث المحافظ عن مضاربات المستثمرين من المواطنين من خارج المحرق (وليس من خارج البحرين) الذين تسبّبوا في رفع أسعار العقار والشقق والمنازل المؤجرة، فحرموا الأهالي من السكن في مناطقهم، وانه يهدف بقراره تخفيض الأسعار من أجل إرجاع الأهالي لمناطقهم. هنا يجدر تذكير سعادته بأن الدولة سمحت للأجانب بتملك العقارات وسمحت منذ أمد بعيد للخليجيين بالتملك والاستثمار كيفما أرادوا وأينما شاءوا، ومنافسة المواطنين على البيع والشراء. وضرب المحافظ طويلا على وتر العمالة الأجنبية التي تسكن المناطق القديمة، وساق الكثير من التهم الكبيرة لها، بدءا من «كثرة الجرائم والسرقات وغيرها من الأجانب...»، وأنهم «يشيعون الفساد والعادات السيئة»، وإن وجودهم قاد لفقدان الأمن الاجتماعي، وحصلت تعديات منهم على أولاد وبنات المنطقة... إلخ. ولكن هل تتم معالجة مشكلة سكن الأجانب بقرار يفتقد للدراسة العلمية بهذا الخصوص ومن ثم السعي لتبريره بسوق هذا الكم الهائل من التهم للأجانب، خصوصا وإن أكثر هؤلاء من الفقراء الذين يعيشون الاضطهاد والظلم، بل إن بعضهم يعيش ظروفا أقرب إلى الرقّ من قبل أرباب العمل؟ إن المشكلات التي حدثت قبل سنة ونصف السنة في المنامة، نتيجة تحويل بعض البيوت المؤجرة للأجانب محالا لصناعة الخمر ومواخير تنتعش فيها سوق الدعارة، مازالت ماثلة أمام أنظارنا، لذلك لا أحد ينكر صحة قدر كبير مما ساقه المحافظ من الآثار السلبية للعمالة الأجنبية، ولكن مثل هذه المشاكل الكبيرة لا يمكن أن تحل من خلال القرار الذي أصره المحافظ، ومن ثم التذرّع بها لحرمان فئات الشعب الأخرى من تداول العقار في منطقة معينة أو الحيلولة دون تملكهم والانتقال للسكن فيها. تبريرات غير منطقية

يمكن حصر أهداف المحافظ بن هندي من وراء قراره منع تداول عقارات المحرق إلاّ في أهلها، في هدفين رئيسيين، الأول: منع المضاربات التي تقود لارتفاع الأسعار على أهل المحرق ومن ثم يضطرون لهجرة محافظتهم، والثاني منع أو تحجيم أعداد العمالة الأجنبية التي تقوم باستئجار الشقق والمنازل. ولو افترضنا صحة قرار بن هندي من ناحية قانونية والتمسنا له العذر في أهدافه، فهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها من خلال هذا القرار الخاطئ، لسبب بسيط، فلأن القرار لا يمنع استئجار مواطن لشقة يسكنها في المحرق، ومن ثم يعتبر هذا الشخص من المحرق بحسب تغيير العنوان في بطاقته السكانية وبالتالي بإمكانه شراء العقارات في المحرق وتأجيرها على من يشاء من أجانب وغيرهم، وهذا يعني عدم تحقق الهدف من وراء القرار، إلاّ إذا كان لدى المحافظ معايير أخرى وطرق وأشياء أخرى وقوانين لا نعرفها، كأن يمنع شراء أكثر من عقار للمواطن... إلخ. هذا إذا كان ملتفا لهذه الإثارة أصلا. كذلك، هل سيمتنع الملاك من أهل المحرق عن التأجير للأجانب؟ هذا إذا لم تكن الأملاك الحالية أكثرها لهم، وهل إذا انحصر التملك في أهل المحرق فإنهم سيخفضون الإيجارات على المحرقاويين؟ واضح أنه لا تبرير منطقي لقرار المحافظ. أخيرا... الذي يبدو هو أن المحافظ اتخذ قراره، وفيما بعد قدّم مبرراته وحججه الكثيرة التي عرضنا بعضها، ويكفي أن كل حجة قدّمها المحافظ لبعض الصحف المحلية تحتاج إلى بحث موضوعي يقوم به متخصصون ويشتمل على أهداف ودراسة جدوى وخطة عمل، والواضح أن قرار المحافظ لم يأت على ضوء دراسات علمية، لهذا من الشجاعة التراجع سريعا عن قراره الخاطئ، لأن الاستمرار في تقديم ذرائع دفاعية بمثابة من وقع في الرمال المتحركة، لا يزيده تحرّكه سوى الغوص في أعماق الرمال.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً