العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ

لبنان في منطقة الاستهداف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أعلنت مراجع مقربة من «قوى 8 آذار» المعتصمة منذ 39 يوما في الوسط التجاري في بيروت أن تيارات المعارضة توصلت إلى قناعة بأن الاعتصام السلمي في العاصمة استنفد أغراضه ولم يعد يعطي النتائج المرجوة للضغط على حكومة فؤاد السنيورة. وأدت هذه القناعة إلى إعادة التفكير في تطوير أساليب الضغط ونقلها من إطارها الدستوري إلى درجة أعلى قد تصل إلى العصيان المدني وربما استخدام العنف للسيطرة على بعض المرافق الحيوية كالمصارف والمطار والمرفأ أو احتلال بعض الطرقات والمعابر لتعطيل حركة المرور ومنع المواطنين من الوصول إلى بيوتهم وأشغالهم ومراكز عملهم.

هذا التفكير كما يبدو لم يلقَ الإجماع من «قوى 8 آذار». فهناك فريق متشدد (الجنرال ميشال عون وبعض المجموعات الحزبية الضعيفة) يريد دفع التعارض إلى منطقة خطرة تؤدي إلى نوع من الفوضى الأمنية من دون اكتراث للطرف المستفيد من سياسة زعزعة الاستقرار في دولة مجاورة لـ «إسرائيل». وهناك فريق أقل تشددا (حزب الله وحركة أمل) يتخوف من سلبيات دفع الأزمة إلى طور الانقسام حتى لا تنقلب الأمور وتتجه نحو حالات من الاستنفار الأهلي وما يرافقه من استقطابات طائفية ومذهبية.

الفريق الأول من «8 آذار» لا يقرأ السياسة في إطارها الإقليمي وأبعادها الدولية إلا ضمن كيفية تنسجم كثيرا مع قناعات ضيقة لا تكترث كثيرا للمصب النهائي لسياسة التوتير في وقت تمر به المنطقة بلحظات دقيقة قد تتعرض خلالها لعواصف دولية.

الفريق الثاني من «8 آذار» أكثر حكمة في تقديره الظروف الإقليمية والدولية ويرى أن الحنكة السياسية تقتضي عدم دفع التصعيد إلى حال من التشنج الطائفي/ المذهبي؛ لأن البلد يعيش حالات من القلق المتأتي من مخاطر عدة ليست بعيدة عن أجواء الانقسامات الأهلية أو السياسية التي تخيم على العراق أو فلسطين.

هذا التعارض بين الفريقين لا يعني أن العلاقة وصلت إلى مرحلة التناقض فهناك الكثير من المناطق المحايدة التي يمكن أن تغلب الاتفاق على الاختلاف. وهذا ما يمكن ملاحظته من لجوء الطرفين إلى الاتحاد العمالي العام كقوة نقابية للتحرك على الأرض والضغط على الحكومة كطرف ثالث انطلاقا من مطالب معيشية وحياتية.

دخول الاتحاد العمالي على خط التوتر الأهلي سيبدأ غدا (الثلثاء) في منطقة المتحف التي تفصل بين بيروت الشرقية (المسيحية) وبيروت الغربية (المسلمة). وهذا يعني أن «8 آذار» أعطت لتحركها صبغة عمالية ترفع شعاراتٍ اقتصادية ومطلبية بعد أن اقتصر نشاطها الاعتصامي في وسط بيروت على «الثلث» الحكومي «المعطل» أو «الضامن» أو «المشارك» وبعض الشعارات السياسية العامة التي تحدثت مرة عن «حقوق المسيحيين» ثم عن حكومة «وحدة وطنية» ثم عن «حكومة وطنية».

هذا التحول من شعار إلى آخر، ومن موضوع إلى آخر، يكشف في الخاتمة أو قبل الخاتمة عن وجود أزمة بدأت تستحكم في أطراف المعارضة نتيجة ضبابية الأفكار وعدم اتفاقها على سياسة موحدة أو «نظام أولويات» يحدد ما جوهر المشكلة؟ وأين تكمن المعضلة الأساس؟

فعلا بات السؤال يدور حول «ماذا تريد أطراف 8 آذار من المعارضة؟» فهل المعارضة من أجل المعارضة أم إثارة للفوضى أو دفع القوى السياسية نحو فتنة أهلية أم زرع الاضطراب الأمني والاقتصادي في وقت لم يعلن رسميا وقف إطلاق النار مع «إسرائيل»؟

هذه الأسئلة نجحت أطراف الحكومة و «قوى 14 آذار» في إثارتها وتحويلها إلى سلسلة اتهامات للاتجاهات التي تقول إنها تريد تقوية الدولة وتعزيز مواقعها الاقتصادية وتصليب أركان الممانعة لمواجهة المخطط الصهيوني ومشروع التقويض الأميركي.

المضحك/ المبكي في الموضوع أن الأدوار انقلبت الآن. وبات من كان يتهم الحكومة بالتعامل مع السفير الأميركي (فلتمان) والاتصال بجهات إسرائيلية وحثها وتشجيعها على الاعتداء على لبنان، في موقع الدفاع ويرد على اتهامات الحكومة التي توجه السهام وتشكك في أهداف الاعتصام. فأطراف «14 آذار» أخذت لا تتردد في الآونة الأخيرة في استخدام السلاح السياسي نفسه من خلال تركيزها على أن خطة الفوضى الأمنية وزعزعة الاستقرار وضرب الاقتصاد وتعطيل المساعدات وتأخير دفع التعويضات وتأجيل إعادة الإعمار وتناسي مزارع شبعا والأسرى كلها نقاط تصب في مصلحة المخطط الصهيوني وتلبي سياسة التقويض التي تقودها إدارة جورج بوش.

هذا الانزلاق نحو مواقع لا تنسجم كثيرا مع القناعات الايديولوجية يدل على أن الأزمة في لبنان مفتعلة ويراد لها أن تستمر في سياق لا وظيفة له سوى بعثرة القوى ودفعها نحو اصطفافات غير سياسية. وحين تستنفر الأطراف المعنية بالأزمة وتنجر إلى مواقع غير صحيحة تتراجع السياسة إلى حدودها الدنيا وتتقدم تلك الآليات التي تنتج معسكراتٍ مذهبية وطائفية كما هو حاصل الآن في شوارع بيروت ومختلف المناطق اللبنانية.

مطالب نقابية

دخول الاتحاد العمالي على خط المواجهة في وقت أعلن فيه الجنرال المتهور انتهاء فترة «هدنة الأعياد» قد يسهم بداية في التخفيف من لهجات التسعير المذهبية والطائفية إلا أنه لن يكون بعيدا عن تلك الآليات التي تعيد رسم المشهد ونقله مجددا من إطاره النقابي إلى تشنجاته الأهلية. فالاتحاد العمالي ليس هيئة مستوردة من أوروبا وإنما هو نتاج واقع اجتماعي تتحكم في قوانينه النقابية اتجاهات تشد الأطراف إلى جهات طائفية ومذهبية.

هذا جانب من الموضوع. الجانب الآخر يبقى يتحرك في سياق الأفق الذي تريد أن تصل إليه «قوى 8 آذار». فما الهدف من التحرك؟ وما الرسالة التي تريد أن تقولها للشعب (الطائفي/ المذهبي/ المناطقي) وللدول العربية والإقليمية وأخيرا لأوروبا والعالم؟ مثلا حكومة السنيورة خائنة وأنها تعاملت مع العدو الصهيوني خلال فترة الحرب. حكومة السنيورة متخاذلة وضعيفة وغير قادرة على تحمل مسئولياتها لا في الحرب ولا في السلم. حكومة السنيورة تسرق المال العام وتتردد في سياسة الإعمار وتتهرب من طلب المساعدات لإعادة ما دمره العدو في العدوان. حكومة السنيورة ليست شرعية وغير ميثاقية وضد الدستور وتتخذ قراراتٍ بمعزل عن مشاركة طائفة مركزية في لبنان. حكومة السنيورة غير عادلة في توازنها التمثيلي ولابد من إعادة تشكيلها لتمثيل «تيار المردة» أو «تيار الجنرال». حكومة السنيورة لا تكترث بالمحرومين وغير قادرة على حل مشكلات الكهرباء والإسكان والضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية أو محاربة الفساد ومعالجة مسألة الديون... إلخ.

كل هذه العناوين العامة شكلت على امتداد 39 يوما شعاراتٍ رفعتها «قوى 8 آذار» منذ بدء اعتصامها في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي في وسط بيروت. وأية قراءة سريعة للعناوين الفضفاضة تكشف عن خلل بنيوي تعانيه تلك الأطراف على تعدد أنواعها وفرقها. فالشعارات عمومية ولزجة وتذهب باتجاه أفقي وليس عموديا. وحين تكثر «المعارضة» من شعاراتها ومطالبها وتخلط الوطني بالاجتماعي بالنقابي بالطائفي والمذهبي تفقد الكثير من قوتها وزخمها وتماسكها. وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى انتزاع تلك الصدقية المطلوبة لنجاح أي تحرك، ويخفف من واقعية «المعارضة» وعقلانيتها. وينتقص من جدّيتها.

بدأ التحرك تحت شعار الاتهام بالخيانة والعمالة والتعامل مع الأجنبي والعدو الصهيوني، ثم انتقل إلى مطلب المشاركة الدستورية وحكومة «الاتحاد الوطني» وأخيرا أصبح في موقع نقابي يسجل اعتراضاتٍ على ورقة إصلاح اقتصادي وافقت عليها الحكومة وقررت رفعها إلى مؤتمر «باريس 3» بقصد جلب العون المالي لإنقاذ الليرة من التخثر والاقتصاد من الانهيار وطلب المساعدة العربية والدولية لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب خلال عدوان 12 يوليو/ تموز الماضي. هذا التمدد الأفقي للمطالب أعطى صورة مضادة لتلك التحركات التي تغير أهدافها بين أسبوع وآخر... وهو أمر عزز من قوة الحكومة التي تسلحت بالدعمين العربي والدولي لتأكيد «نظرية المؤامرة» ودور القوى المحلية التي تسير في فلك إقليمي لا يتجانس مع مصالح لبنان ودوره وموقعه.

غدا تنتهي مهلة الأعياد كما قال الجنرال الأهوج. ومع نهاية «الفرصة» سيبدأ الاتحاد العمالي تحركه في منطقة تفصل بين البيروتين تحت شعارات نقابية تبدي اعتراضها على ورقة إصلاح اقتصادية. وهذا الخلط بين السياسي والنقابي، الوطني والاجتماعي، الطائفي والدستوري سيؤدي مجددا إلى اختلاط الأوراق وبعثرتها في زوايا ضيقة تكشف بوضوح عن أن البلد دخل حقل ألغام وبات في منطقة خطرة ومستهدفة. وحين يدخل البلد «حقل ألغام» تصبح لحظة الانفجار غير مستبعدة وتنتظر فقط ذاك الخطأ المحكوم بالمصادفة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1585 - الأحد 07 يناير 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً