العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ

العتاب على قدر المحبة... يا سلمان بن هندي

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

الذين يعرفون محافظ المحرق سلمان عيسى بن هندي، يعرفون بأنه محرقي أصيل دمث الأخلاق، بشوش الوجه يرحب بالجميع ويفتح مكتبه ومجلسه لاستقبال كل من يطرق باب المحافظة، أو حتى مجلسه الذي يعتبر أحد أعرق مجالس المحرق. وأنا شخصيا من الذين لا يشكون في نوايا أبو عيسى ورغبته في التواصل مع الجميع وسعيه لزرع بذور المحبة والخير بين المواطنين.

لقد رأيناه مشاركا في غالبية المناسبات التي تمر على أهل المحرق شيعة وسنة من دون تفريق، موجودا في الأفراح والأتراح، كما لا ننسى له وجوده وتواصله الدائم أيام عاشوراء، ومساعيه من أجل تذليل كل العقبات التي تعترض طريق المواكب الحسينية في عموم محافظة المحرق، نتبادل معه المحبة والاحترام.

ولأن العتاب على قدر المحبة فإننا لم نكن نريد أن نرى أو نسمع أحدا يلمز المحافظ أو يشير نحوه بعلامات الاستفهام حول فحوى ومغزى التصريحات الأخيرة التي أطلقها بشأن استملاك العقارات في محافظة المحرق، وأحسب أننا نحتاج من أبو عيسى إلى أكثر من توضيح، ليس عبر الصحافة والتصريحات التي نعرف بأنه لن يتجاهلها، ولكن على أرض الواقع وفي الممارسة العملية التي نريد أن تكون الاختبار الحقيقي بحيث يتلمسها الجميع بشكل مباشر.

لقد جاء رد المحافظ على الانتقادات التي وجهت إليه بشأن تصريحه الخاص بالعقارات في المحرق واضحا وقويا، إذ قال «انه ليس من الذين يدعون إلى تقسيم البلاد إلى مناطق، وانه يدعم ويؤيد بكل قوة اللحمة الوطنية خلف قيادة البلاد الحكيمة وأن ما يقوم به من جهود تصب في إطار الحفاظ على المحرق كجزء من محافظات المملكة».

وأحسب أننا بحاجة إلى التمعن في هذه العبارة بالذات، ليس من منطلق التشكيك على الإطلاق، فهذا الكلام المرسل بشكل جميل يحتاج إلى ترجمة حقيقية في الأفعال وليس في الأقوال فقط، وحتى لا أزيد الطين بلة في موضوع العقارات، سأنتقل إلى موضوع آخر يقع تحت يد المحافظ ويمس مفهوم الوحدة الوطنية الذي يركز عليها المحافظ دائما.

إنني هنا وبكل وضوح أتحدث عن التركيبة الهيكلية التي تتكون منها محافظة المحرق، حيث أن المعلومات المتوافرة لدي وبشكل لا لبس فيه تشير إلى ان هذه التركيبة مختلة تماما، وهي لا تمت إلى اللحمة الوطنية التي يتبناها المحافظ بأي صورة كانت.

ولعل الخطوة التي نتوقع من المحافظ اتخاذها هي الترجمة الحقيقية لمفهوم الوحدة الوطنية التي يؤمن وينادي بها في هذا المجال بالتحديد. وحتى أكون مباشرا فيما أطرح ألفت عنايته والسادة القراء إلى أن كل الموظفين في المحافظة هم من الطائفة الكريمة التي ينتمي لها المحافظ باستثناء 3 موظفين من الطائفة الأخرى. والسؤال الذي يبحث عن إجابة: هل يتناسب ذلك مع مفهوم الوحدة واللحمة الوطنية التي يؤمن بها المحافظ؟

كل الناس في البحرين يعرفون أن أفضل موقع للتعايش بين أبناء الطائفتين الكريمتين هي المحرق، إلاّ أن الجهة الرسمية التي تولت توزيع الدوائر الانتخابية في المحرق على وجه التحديد، حرصت على تشتيت أصوات الناخبين المنتمين للطائفة الشيعية بشكل واضح، وهكذا تركت لهم دائرة سماهيج والدير فقط في تقصد جائر يضر بالوحدة الوطنية ويوزع الدوائر وفق أسس طائفية، بحيث لا يكون للطائفة الشيعية سوى ممثل واحد في المجلس النيابي وآخر في المجلس البلدي. وتم عن تعمد تشتيت كل أصوات الناخبين الشيعة في دوائر المحرق الأخرى التي يبلغ عددها 5 دوائر من أصل 8 دوائر، بحيث لا يكون لهذه الأصوات أي تأثير يذكر.

وعلى رغم معرفتي بأن عددا من الأصوات سيخرج منددا بطريقة تناولي لهذا الموضوع، لكني أرجو من الاخوة أن يتريثوا قليلا وليسمحوا لي بالحديث وفق ما يتم تنفيذه على الأرض من مخطط تقسيم وتمييز واضح، فإذا لم يتحرك الاخوة لانتقاد هذه التصرفات الطائفية غير المبررة، فإننا لا نستطيع أن نسكت تحت طائلة الخوف من الاتهام بالطائفية التي حاربناها سنين طويلة، لكننا اليوم نكتوي بنارها أكثر فأكثر نتيجة صمت اخوتنا وشركائنا في الوطن الذين طاب لهم التمييز لصالحهم فلاذوا بالصمت.

إننا ندعو للمحافظة على النسيج الاجتماعي الذي يتكون منه مجتمع المحرق، والمكونات الأساسية التي يتشكل منها، فإذا كانت التركيبة السكانية للمحرق تتشكل من %65 سنة و%35 شيعة (على وجه التقريب)، فلماذا يتم القبول بظلم أبناء الطائفة الشيعية وتقزيمهم بهذا الشكل حتى في المؤسسات الرسمية في المحرق؟

إنني هنا لا أتحدث فقط عن محافظة المحرق التي لا يزيد الموظفون من الطائفة الشيعية فيها على عدد الأصابع، بل أتحدث عن المواقع الأخرى مثل المجلس البلدي، وبلدية المحرق، والمطار، ومركز أمن المحرق ومراكز الشرطة وكل المؤسسات الرسمية الموجودة في المحرق بما في ذلك المدارس والمراكز الصحية، وأتساءل: لماذا لا تتجسد الوحدة الوطنية التي يدعو لها السيد المحافظ في هذه المؤسسات؟

لقد شبعنا من التنظير والحديث عن الوحدة الوطنية دون أن نشعر بها، أو نتذوق طعمها وقد آن لنا أن نطالب بتجسيد الشعارات الجميلة على أرض الواقع، وأن لا نتفرد في دفع ثمن الشعارات دون أن نتلمس تأثيراتها، وها نحن نتوجه إلى السيد المحافظ الذي يمتلك حسب ما يصرح به هو كل هذه القوة والمقدرة على التعاطي مع مختلف القضايا المتعلقة بالمحرق.

وهنا أرجو من أصدقائنا وأخوتنا أبناء المحرق من الطائفة السنية ألا ينزعجوا من هذه الصراحة، فأنا أعرف بأن الكثير منهم من دعاة الوحدة الوطنية المبنية على المواطنة قبل الطائفة، وهو عين ما ندعو إليه، فلو تم التعامل مع جميع المواطنين من هذا المنطلق، لما احتجنا إلى التذكير بأن العدالة في التوظيف والترقيات والسكن وكافة المعاملات لا تأخذ مجراها الطبيعي.

كما أتمنى أن لا يخرج أحد الأخوة علينا بتقليعة المقارنة بمنطقة أخرى في البحرين، بدعوى أن ظلما يقع في الدائرة الفلانية، أو تجاهلا يتم في المحافظة سين أو المحافظة صاد، لأنني بكل وضوح أطالب بتوحيد المعايير، والتعامل مع الجميع من منطلق المواطنة أولا، ولست ممن يعتقدون بوجود أفضلية لجنس أو عرق أو لون أو طائفة أو مذهب أو دين على شركاء الوطن الآخرين.

لكنني هنا أركز على أهمية تقديم المحرق كنموذج للتعايش والسلم الاجتماعي لأنها أفضل مكان لذلك إن نحن أحسنا التعامل مع مكوناتها الاجتماعية، وزرعنا بينهم المزيد من الثقة والطمأنينة والعدالة، لكنها في الوقت ذاته أفضل تربة لنمو بذور الفتنة والانشقاق والعصبوية إن نحن أمعنا المضي في التصرفات الطائفية وعززنا الفوارق الاجتماعية وسعينا إلى ضرب نسيج الوحدة والتواصل والانصهار بين أبناء المحرق.

وها أنا أتوجه مرة أخرى إلى صاحب القلب الكبير المحافظ سلمان عيسى بن هندي، أطالبه بالتدخل في الأمر وتجسيد الدعوة إلى الوحدة الوطنية في المحرق أولا، من خلال إعادة التوازن إلى المؤسسات الرسمية في المحرق وخصوصا محافظة المحرق التي تقع تحت يده مباشرة، حتى تكون أسوة ونموذجا حسنا لكل المؤسسات الأخرى في محافظة المحرق التي نعشقها ونتحمس للعمل على رقيها وتطورها.

لكن ذلك لا يمكن أن يتم إلاّ إذا فعّلنا كل طاقات أهل المحرق وساهمنا في تعزيز التواصل والعلاقات الاجتماعية وأواصر المحبة بينهم، وأعتقد أن كثيرا من رجال ونساء المحرق على أتم الاستعداد لوضع يدهم بيد السيد المحافظ للخروج من هذا النفس الطائفي الذي سيطر على الكثير من المؤسسات الرسمية وطال حتى مؤسسات المجتمع المدني.

إنها لحظة من لحظات الحقيقة التي يجب أن نتصارح فيها حتى نستطيع أن نبني صرح هذا الوطن القادر على احتضان كل أبنائه مواطنين كاملي الحقوق والواجبات، عندها فقط يتحقق حلم الجميع في الوحدة الوطنية المبنية على التكافؤ والعدالة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً