خاضت جمعيات سياسية تمثل التيار الوطني الديمقراطي انتخابات المجلس النيابي لعام 2006، وهي جمعيات العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، والمنبر الديمقراطي التقدمي والتجمع القومي. ولم تتمكن هذه الجمعيات من إيصال أيٍ من مترشحيها للكرسي النيابي.
وكانت خسارة «وعد» أقل وطأَة من زميلتيها إذ وصل مترشحوها للدورة الانتخابية الثانية في ثلاث دوائر انتخابية. وإضافة إلى خسارة جمعيات التيار، لم يتمكن أي مترشح مستقل محسوب على الاتجاهات المتقاطعة في رؤاها وخطها السياسي مع التيار الوطني الديمقراطي، عدا النائب عزيز أبل الذي يُحسب سياسيا على جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أكثر من حسبانه على التيار الوطني الديمقراطي. بالمحصلة أفضت النتائج إلى أن تشكيلة المجلس النيابي الذي يدشن عمله في الأيام الأولى من 2007 اقتصرت في الغالب على ممثلي التيار الإسلامي بشقيه، ومجموعة قليلة من المستقلين الذين من المُبكّر الحكم بشكل نهائي على توجهاتهم وخطهم السياسي.
خسارة التيار الوطني الديمقراطي تستحق أن تُولى الاهتمام اللازم من أطراف التيار ذاته، وأن يُلتفت لدراسة تجربة كل طرف واستخلاص جوانب ضعفها وقوتها، إيجابياتها وسلبياتها، ليس بطموح فوزٍ قد يظل بعيدا حتى في انتخابات 2010، بل بقصد توظيف دروس التجربة في إعادة تمكين التيار عموما وإعداده لخوض تجارب سياسية وانتخابية ناجحة مستقبلا. جمعيتا «وعد» والتجمع القومي خاضتا الانتخابات في ظل تحالف انتخابي غير واضح الشروط مع جمعية الوفاق بما تملكه من قاعدة جماهيرية كبيرة استقت منها صدارة التحالف واليد الطولى فيه. حال اتخاذها قرار المشاركة استبقت «الوفاق» الحوادث وأعلنت وعلى الملأ أنها لن تفرّط في دائرة انتخابية تملك غالبية أصوات ناخبيها. قد تكون الوفاق رأت في ذلك واحدا من استحقاقاتها النضالية بعد مرحلة التسعينات. وقد تكون وزنت مكانتها واستحقاقاتها في التحالف الانتخابي بميزان ثقلها الجماهيري على الساحة. لكنها بذلك قد تكون أيضا أخلّت بأهم شروط التحالفات السياسية المرحلية كونها تحالفات تمثل اتفاقا مبدئيا بين الأطراف (يضمن) لكل طرف تحقيق الحد المتفق عليه من المصالح. أذعنت «وعد» والتجمع القومي للواقع الذي أرادته الوفاق بما فيه من إخلال بمفهوم وشروط التحالف كما أسلفنا، أما جمعية العمل الإسلامي - الطرف الرابع في التحالف - فقد رفضت الإذعان واتجهت لتغيير خطط مشاركتها بعد أن أعلن أمينها العام انتهاء التحالف الرباعي.
لن ندخل في تفاصيل وضع الدوائر التي ترشح عنها ممثلو «وعد» والتجمع، ولا كم الأصوات التي ضمنتها لهم الوفاق في كل دائرة، ولا ما دار من شكوك حول دور المراكز العامة في قلب حسابات النتائج لصالح مترشحين آخرين. تلك أمور أُشبعت حديثا وتحليلا، أما النتيجة فمؤداها أن التحالف الانتخابي المذكور لم يفلح في تحقيق مصالح كافة أطرافه.
ونحسب أنه من القمين أن تتجه أطراف التحالف الخاسرة («وعد» والتجمع القومي) لتدارس أولويتين جديرتين بالاهتمام قبل أي شيء آخر: نتائج مشاركتهما الانتخابية تحت مظلة التحالف الرباعي، وتقييم الأفق المستقبلية المحرزة لهذا التحالف. خسارة «وعد» بالذات لا تعني على الإطلاق أنها لم تحقق بالجهود الكبيرة لأعضائها وأصدقائها ومناصريها انتشارا ملموسا وتعاطفا على مستوى الشارع الانتخابي. وأسهم في ذلك برنامجها الانتخابي المتقن وانتقائها مترشحين ذوي كاريزما خطابية وقيادية. ونظن أنه لولا السقف المرتفع للخطاب الذي أدارت به «وعد» حملاتها الانتخابية، ولولا تقديم نفسها للشارع الانتخابي تحت مظلة التحالف الرباعي، ولولا عدم إقدامها على عقد تحالفات أخرى، لكانت كسبت المزيد والمزيد من المؤيدين ومن أصوات الناخبين.
ويمكن اعتبار ما حققته «وعد» نقطة ايجابية ناصعة في رصيدها حري بها بحث سبل استثمارها والبناء عليها. وذلك ما يؤكد أن التيار الوطني الديمقراطي بإمكانه - بالجهد الكبير والتخطيط المنظم - أن يُثبت وجوده حتى في عمق مياه متلاطمة تحرك أمواجها حيتان السلطة وهو أمير الإسلام السياسي بقوة النفوذ وسطوة المال.
وللحديث صلة.
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ