العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ

تركيا نمر اقتصادي صامت 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلما اقتربنا من العام 2006، تعافى الاقتصاد التركي أكثر فأكثر. فقد حافظ الناتج الإجمالي على نسبة نمو 7 في المئة (انظر الجدول رقم 1) تقريبا في العام 2005 في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة التضخم إلى أقل من 10 في المئة (انظر الجدول رقم 2)، وذلك على رغم الارتفاع غير المسبوق في أسعار موارد الطاقة والارتفاع الواضح في أسعار السلع الرئيسية. كما قدر الناتج الإجمالي المحلي التركي بمبلغ 360 مليار دولار في العام 2005 بزيادة الناتج الإجمالي المحلي للفرد تبلغ 5029 دولارا أميركيا في 2005 مقابل 4172 دولارا أميركيا في 2004 (انظر الجدول رقم 2).

من جانب آخر، ظلت تركيا حريصة جدا على مراقبة العجز في موازنتها خلال العامين السابقين. فقد تم خفض العجز في الموازنة مقابل نسبة الناتج الإجمالي المحلي، الذي وصل من نحو 17 في المئة في العام 2001 إلى 3 في المئة تقريبا في العام 2005، كما انخفض صافي الدين العام بالنسبة إلى الناتج الإجمالي المحلي إلى أقل من 60 في المئة في نهاية 2005. ومن المتوقع أن تعمل تركيا على الاستمرار في إصلاحاتها الاقتصادية المتأصلة التي بدأت فعليا الحصول على مكتسبات كبيرة تمثلت في النمو المتزايد في الاقتصاد وعدم تعدي نسبة التضخم رقم واحد والزيادة في التجارة الخارجية وانخفاض معدلات الفائدة وعبء الديون العامة.

واتخذت الحكومة التركية الكثير من الخطوات في سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتمثل ذلك في إعادة هيكلة الإجراءات الخاصة بتسجيل الشركات وقوانين جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتشغيل العمالة الوافدة والتراخيص القطاعية والمقاييس والجمارك وحقوق الملكية الفكرية. أكثر من ذلك، تم تطبيق الإصلاحات المالية في القطاع العام مع تعزيز دور القطاع الخاص.

من جانب آخر، تتميز تركيا بكونها تمتلك سوقا محلية كبيرة تتكون من 70 مليونا من القوة العاملة المتعلمة والمتدربة بصورة جيدة والمهنيين في مجال الأعمال. إضافة إلى هذا، تتميز تركيا بموقعها الجغرافي المجاور لأوروبا والشرق الأوسط والأسواق الناشئة في آسيا الوسطى. وفوق هذا وذاك، ساعد التطور بصورة طبيعية على تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب بالاقتصاد التركي وبالتالي زيادة الاستثمارات الأجنبية وعوائد الخصخصة. وكان معدل التدفق السنوي للاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.1 مليار دولار أميركي تقريبا للفترة من العام 1993 إلى 2002، لكنه ارتفع إلى 108 مليارات دولار في العام 2003 وإلى 2.8 مليار دولار في العام 2004، ونحو 6 مليارات دولار في العام 2005.

أيضا كانت النتائج التي حققتها الخصخصة مؤثرة جدا، إذ بلغت في العام 2005 فقط المبلغ الذي تم تحقيقه في الفترة من العام 1986 حتى 2003، الذي وصل إلى مبلغ 8.2 مليارات دولار أميركي. أيضا تم وضع جدولة لخصخصة بعض مصانع السكر ومصانع الورق والفنادق والمنتجعات ومخازن العبور. وبالمنوال ذاته، كان أداء شركات التشييد التركية جيدا إذ بلغت تعهداتها من المشروعات ما قيمته نحو 9.3 مليارات دولار في العام 2005 بزيادة بلغت 60 في المئة على السنة السابقة لها. وبالتالي فإن تركيا تفخر بامتلاكها قطاع خدمات مؤسسا للتشييد بلغت تعهداته من المشروعات الخارجية في الفترة من العام 1972 حتى 2004 أكثر من 65 مليار دولار أميركي في أكثر من 60 دولة في مختلف أنحاء العالم.

ومن جانب آخر، تشكل السياحة أحد أهم أعمدة الاقتصاد التركي وخصوصا في العقود الأخيرة. وبلغ عدد السائحين 17.5 مليون سائح في العام 2004. ويشكل السائحون الألمان أكبر نسبة منهم، يليهم الروس ثم الإنجليز. ويشتهر الساحل الجنوبي بجمال طبيعته وشواطئه الطويلة إلى درجة أنه يعرف باسم الريفييرا التركية تشبها بالريفييرا الفرنسية. وفي العام 2005 حقق القطاع السياحي نموا آخرَ، إذ زار تركيا 21 مليون سائح حققوا للاقتصاد التركي دخلا بلغ 18 مليار دولار أميركي بنسبة زيادة 118 في المئة على السنوات الثلاث السابقة لذلك.

واستفادت تركيا من موقعها الاستراتيجي واللوجستي المهم، إذ تتمتع تركيا بموقع مهم بين قارتي آسيا وأوروبا يعطي أهمية كبيرة لقطاع المواصلات من الناحية الاقتصادية. ودر قطاع الطرق على الدولة ما مجموعه نحو 1.4 مليار دولار في العام 1999 من رسوم وضرائب مطبقة على استخدام الطرق وخصوصا الدولية منها. وتتركز الحركة البرية على الطرق، بينما تستخدم السكك الحديدية لمسافات معينة وعادة لنقل البضائع. وتبلغ نسبة الاستثمار الحكومي في قطاع المواصلات والاتصالات ما نسبته 27.3 في المئة من نسبة الاستثمار الحكومي العام، ما يدل على أهمية هذا القطاع. ويشكل ذلك ما نسبته 14 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للدولة بحسب إحصاءات العام 2000. ويبلغ مجموع الطرق البرية 413724 كيلومترا، منها 1800 كيلومتر طرق سريعة و62 ألف كيلومتر طرق عادية و350 ألف كيلومتر ما يسمى بطرق قروية. وتم نقل 89.2 في المئة من مجموع حركة البضائع على الطرق في العام 2000.

وعلى رغم كل ذلك التقدم في مجالات قطاعات الخدمات المختلفة، لم تهمل تركيا القطاع الصناعي والاهتمام برعاية الموارد الطبيعية والحفاظ عليها. ومن أهم الصناعات في تركيا: المنسوجات، المواد الغذائية، المشروبات، الكهربائيات، السيارات والكيماويات. وأهم الثروات المعدنية الموجودة على الأراضي التركية: الفحم الحجري، الفحم النباتي، الحديد، الرصاص، الخارصين، النحاس والفضة. كما أن تركيا تعد من أكبر منتجي معدن الكروم في العالم. أضف إلى ذلك كله وجود هناك احتياطات نفط صغيرة في جنوب شرق البلاد. ويشكل القطن، الشاي، التبغ، الزيتون، العنب، الحمضيات، الفاكهة، الخضراوات، الحبوب والشعير أهم المحاصيل الزراعية في البلاد. وتعد تركيا أكبر منتجي البندق في العالم.

ولابد هنا من الإشارة إلى سعي تركيا المستمر إلى الولوج في أسواق الشرق الأوسط. وبذلت اسطنبول ولاتزال المحاولات جارية على قدم وساق لتحسين علاقاتها مع الدول العربية. لكن ذلك كان يصدم دائما بعقبة أساسية هي علاقات تركيا مع «إسرائيل»، وخصوصا في مجال المياه. ففي أعقاب حرب يونيو/ حزيران من العام 1967، سيطرت «إسرائيل» على مصادر المياه العربية الثلاثة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وهي: حوض نهر الأردن الأعلى الذي ينبع في لبنان وسورية، حوض نهر اليرموك المشترك بين الأردن وسورية، والخزانات الجوفية الضخمة تحت الضفة الغربية في فلسطين، والمعروفة باسم «خزان الجبل» أو «بئر الجبل»، وأصبح الصهاينة يتحكمون بذلك في المياه التي تصل إلى الفلسطينيين والأردنيين، وكذلك السوريين واللبنانيين، وعندما بدأت أولى جلسات المفاوضات المتعددة على المياه في العام 1992، كان من الواضح أن هناك تهربا صهيونيا واضحا من مواجهة الدول العربية دفعة واحدة وتفضيل الانفراد بكل دولة على حدة؛ أملا في الحصول على مزايا وانتزاع أكبر كميات ممكنة من مصادر المياه منها.

ويزيد من خطورة انفجار برميل بارود المياه في المنطقة، تشابك المصالح بين الدولة الصهيونية وتركيا التي تتحكم بدورها في مياه نهر الفرات التي تغذي كلا من العراق وسورية، وعرض تركيا تزويد «إسرائيل» بالمياه عبر مشروع قديم جرى إحياؤه أخيرا ضمن مفاوضات على موضوعات أخرى أخطر أبرزها بناء قاعدة إسرائيلية في تركيا. تزداد هذه المرة الخطورة عندما ندرك أن الدول العربية معرَّضة في القرن الجاري لنقص حاد في المياه التي يأتي ثلثا مواردها من خارج المنطقة العربية، إذ يقدر الخبراء في جامعة الدول العربية حاجة العرب من المياه إجمالا بـ 300 مليار متر مكعب سنويا ويحذرون من أن المتوافر منها الآن فقط 170 مليار متر مكعب. وحذرت جامعة الدول العربية من هذا الخطر أكثر من مرة، وأشارت إلى آثار أزمة المياه الخطيرة على الفلسطينيين تحديدا، والسوريين والعراقيين بسبب تجاهل تركيا حقوقهم في مياه نهري دجلة والفرات. ودعت الجامعة تركيا إلى الدخول في مفاوضات، وفي أقرب وقت ممكن مع سورية والعراق؛ للتوصل إلى اتفاق نهائي لتقسيم عادل ومعقول للمياه يضمن حقوق الجميع في المياه، وفقا لأحكام القانون الدولي.

وفي مارس/ آذار من العام 2004 وقعت تركيا اتفاقا مع «إسرائيل» تحصل بموجبه «إسرائيل» على 50 مليون متر مكعب من المياه المعالجة سنويا من محطات مانافجات مدة 20 سنة ويتم نقل المياه إلى «إسرائيل» عبر البحر. لكن بغض النظر عن كل ذلك، تبقى لتركيا أهميتها الاستراتيجية التي ينبغي على العرب أن يولوها الاهتمام الذي تستحقه، وخصوصا إذا ربطنا ذلك بالدور الذي يمكن أن تمارسه تركيا في أوروبا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً