في قصيدة «نهج البردة»، حاول الشاعر العظيم أحمد شوقي السير على نهج الإمام البوصيري - رحمه الله - في قصيدته الذائعة «البردة»، وبدأها ببيتٍ من أروع ما قالته العرب في التغزّل بالنساء:
ريمٌ على القاعِ بين البان والعَلَمِ
أحلّ سفكَ دمي في الأشهُرِ الحُرُمِ
والأشهر الحُرُم من التقاليد القليلة التي احترمها الإسلام من عهد الجاهلية فأمضاها، حتى نزل فيها قرآنٌ مجيد: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتابِ اللهِ يوم خلق السماوات والأرض منها أربعةٌ حُرُُم» (التوبة: 36)، حفظا لأرواح البشر وإحاطة للدماء، في بيئةٍ جاهليةٍ اعتادت شنّ الحروب والقتل وسبي النساء والإغارة على الجيران من أجل العشب والكلأ والماء. ولو سألت عن هذه الشهور، فقد تكتشف أن الكثيرين لا يعرفونها، ومن بين هؤلاء الرئيس الشهيد المجاهد صدام حسين! فبعد أكثر من عامٍ على الحرب التي شنّها على جارته إيران، بعد أن أخذت الكفّة تميل لغير صالحه، وقف ينادي في شهر رمضان بإنهاء الحرب، باعتباره من الأشهر الحرم! وردّ عليه الإعلام الإيراني ساخرا بأنه رئيس دولةٍ مسلمةٍ لا يعرف حتى أسماء الأشهر الحرم! (وهي بالمناسبة ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ورجب).
الرئيس الذي أثار إعدامه زوبعة لن تهدأ في الإعلام العربي لأنه في شهرٍ حرام، (وهو أمرٌ مستهجنٌ إسلاميا نستبشعه جدا)، وخصوصا لتزامنه مع عيد الأضحى، كان لهذا الرئيس شرف انتهاك هذه الأشهر أيام جبروته وتسلّطه، على المستوى الدولي مرتين. المرة الأولى في حربه على دولة إسلامية، في 22 سبتمبر/ أيلول 1980، الذي يصادف 12 ذو القعدة (الحرام) 1400هـ، والمرة الثانية في غزوه لجارةٍ عربيةٍ شقيقةٍ في 2 أغسطس 1990، المصادف لـ 11 محرم الحرام. فالرئيس المؤمن المجاهد لم يكن يراعي هذه الأشهر الحرم في حروبه وغزواته، فضلا عن جهله بها من الأساس!
في حربه المقدّسة الأولى ضد إيران، بذر الشعارات الأولى التي سيبني عليها الأميركان سياستهم في المنطقة بعد عقدين، حين برّر عدوانه بالحرب ضد «المجوس»، ويتم استبدالها لاحقا باسم «الصفويين»! تم ذلك وسط موقفٍ عربيٍ مريب، وصل إلى حد التواطؤ والمشاركة والدعم اللامحدود، حتى باعت بعض النساء الخليجيات الماجدات حليهن لتمويل الحرب!
وإذا أردنا أن نتكلم بلغةٍ قوميةٍ، فإن أكبر ضحايا «قادسية صدام» هم إخواننا «العرب» الإيرانيين، من سكنة إقليم خوزستان، الذين هدمت الصواريخ العراقية منازلهم واجتاحت الدبابات حقولهم، واغتُصِبت نساؤهم، وهو ما دفع رجلا مثل الإمام الخميني (ره) لرفض إيقاف الحرب آنذاك بقوله: «وماذا أقول للنساء الباكيات اللاتي اغتصبهن جنود صدام؟».
أما في حربه المقدسة الثانية ضد الكويت، فالجميع يعرف ما فعله جيش صدام، بعد أن انقلب جميع العرب ضده، ولم تترك له حماقته الجديدة من صديق. والكويتيون شهداء غير متّهَمين على عصر البطولات الصدّامية، كونهم أكثر الشعوب العربية دعما له سابقا، و«تمتعا» بعدله وحكمه لاحقا، مع أن غزوه لبلادهم لم يدم أكثر من 7 أشهر، أزال خلالها الكويت من الخريطة، وشرّد شعبها، واغتصب جنوده بعض نسائها، ولم يخرج إلاّ بعد ان اقتاد مئات من أبنائها أسرى، وأحرق مئات الآبار من نفطها، فظلت تشتعل النيران فيها حتى غطّت السحب السوداء سماء الخليج شهورا طويلة.
هذا هو صدّام، الذي يريد بعض عَبََدَةِ الطغاة تنصيبه «شيخا لشهداء العصر»، ويقيمون له سرادق العزاء، ويذرفون دموع السحالي حزنا على إعدامه في شهرٍ حرام! لم يعرف حرمة للأشهر الحُرُم، شنّ حربا على إيران وغزا الكويت في شهر حرام، استهان بالدماء واستخف بقتل المسلمين وهتك جنوده أعراض المسلمات، حتى أدال الله منه، بغزوٍ أميركي في شهرٍ حرام أيضا (17 محرم 1424)، وليشنق في شهرٍ حرام... و«تلك الأيام نداولها بين الناس» (آل عمران: 140)، هذه هي قصته... فاعتبروا يا أولي الألباب.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ
حقا من يَسفك في الشهر الحرام يُسفك به
خير ما أسردت إستاذ قاسم