ننتقل من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد المعرفة، الذي يمكن تعريفه بأنه «الاقتصاد الذي يدور حول الحصول على المعرفة، والمشاركة فيها، واستخدامها، وتوظيفها، وابتكارها؛ بهدف تحسين نوعية الحياة بمجالاتها كافة. على أن يتم ذلك من خلال الإفادة من خدمة معلوماتية ثرية، وتطبيقات تكنولوجية متطورة، واستخدام العقل البشري رأسا للمال، وتوظيف البحث العلمي؛ لإحداث مجموعة من التغييرات الاستراتيجية في طبيعة المحيط الاقتصادي وتنظيمه ليصبح أكثر استجابة وانسجاما مع تحديات العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعالمية المعرفة، والتنمية المستدامة بمفهومها الشمولي التكاملي».
هذا التعريف يسمح بالتمييز بين نوعين من هذا الاقتصاد، النوع الأول هو اقتصاد المعرفة (Knowledge Economy)، وهو الاقتصاد الذي يقوم على المعلومات من الألف إلى الياء، أي أن المعلومات هي العنصر الوحيد في العملية الإنتاجية، والمعلومات هي المنتج الوحيد في هذا الاقتصاد، والمعلومات وتكنولوجياتها هي التي تشكل أو تحدد أساليب الإنتاج وفرص التسويق ومجالاته. النوع الثاني هو الاقتصاد المبني على المعرفة (Knowledge Based Economy) وهو الذي تلعب فيه المعرفة دورا في خلق الثروة. لكن ذلك ليس بجديد، فقد ظل للمعرفة دور قديم ومهم في الاقتصاد، لكن الجديد هو أن حجم المساحة التي تحتلها المعرفة في هذا الاقتصاد أكبر مما سبق وأكثر عمقا مما كان معروفا. بعبارة أخرى قديما كانت المعرفة تستخدم في تحويل الموارد المتاحة إلى سلع وخدمات وفي حدود ضيقة. الآن في هذا النوع من الاقتصاد، لم تعد هناك حدود لدور المعرفة في تحويل هذه الموارد، بل تعدت في دورها كل الحدود، وأصبحت تخلق موارد جديدة ولا تكتفي بتحويل الموارد المتاحة فقط.
على رغم هذا الاختلاف بين هذين النوعين، فإن الاستخدام الشائع لمصطلح الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة يشمل النوعين أو يقصدهما معا. وعلى رغم هذا الاختلاف، فإنهما يشتركان في ضرورة توافر رأس المال البشري ويقصد به المهارات والخبرات التي تحوزها العناصر البشرية. ويشتركان كذلك في ضرورة توافر مزيج معين من الثقافة هي ثقافة المعلومات (وهي القيم اللازمة للتعامل مع عصر المعلومات).
ومن أبرز سمات الاقتصاد المعرفي أن شبكة المعلومات (الإنترنت) والاتصالات الحديثة أدت إلى أن يكون الاقتصاد المعرفي أكثر اعتمادا على الأبعاد الرقمية. وبذلك نجد أن من سمات الاقتصاد المعرفي، التدخل بينه وبين ما يطلق عليه اقتصاد المعلومات نظرا إلى التداخل بين ما يمكن ان يطلق عليه المنتج المعلوماتي والمنتج المعرفي، وإن كان المنتج المعرفي هو المنتج الأكثر شمولا للمدخلات المعلوماتية القابلة للقياس والنقل والتعليم والتوزيع؛ ما قاد إلى التحول من اعتماد الاقتصاد التقليدي على المواد الأولية والمعدات الرأسمالية في انتاج السلع والمعلومات إلى الاعتماد على المعلومة والمعرفة مركزا للثقل في انتاج السلع والخدمات الحديثة.
إن لاقتصاد المعرفة مستلزماتٍ أساسية، أبرزها:
أولا: إعادة هيكلة الإنفاق العام وترشيده وإجراء زيادة حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز المعرفة، ابتداء من المدرسة الابتدائية وصولا إلى التعليم الجامعي، مع توجيه اهتمام مركز إلى البحث العلمي. يذكر أن إنفاق الولايات المتحدة في ميدان البحث العلمي والابتكارات يزيد على إنفاق الدول المتقدمة الأخرى مجتمعة؛ ما يسهم في جعل الاقتصاد الأمريكي الأكثر تطورا ودينامكية في العالم (بلغ إنفاق الدول الغربية في هذا المجال 360 مليار دولار العام 2000، كانت حصة الولايات المتحدة منها 180 مليارا).
ثانيا: ارتباطا بما سبق، العمل على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية. وعلى الدولة خلق المناخ المناسب للمعرفة. فالمعرفة اليوم ليست (ترفا فكريا)، بل أصبحت أهم عنصر من عناصر الإنتاج.
ثالثا: إدراك المستثمرين والشركات أهمية اقتصاد المعرفة. والملاحظ أن الشركات العالمية الكبرى (العابرة للقوميات خصوصا) تسهم في تمويل جزء من تعليم العاملين فيها ورفع مستوى تدريبهم وكفاءتهم، وتخصص جزءا مهما من استثماراتها للبحث العلمي والابتكار... إلخ.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ