العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ

اللبنانيون و«الحرب الثقافية»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تشهد الساحة السياسية اللبنانية معركة ثقافية بين الأطراف. وهذه الحرب جديدة من نوعها في المنطقة العربية الإسلامية في اعتبار أن المشاهد أو المتلقي يعرف الكثير عن معارك التشهير والتخوين والوطنية والبطولة ولكنه لم تتسنّ له حتى الآن مشاهدة الحرب الثقافية والمفردات التي تستخدم بين الأطراف المتخاصمة في سياق تبادل الاتهامات.

الحرب الثقافية جديدة على الساحة اللبنانية وخصوصا حين لجأت الأطراف الى استخدام مصطلحات تعكس الهواجس والمخاوف المتبادلة. فهناك فريق (قوى 14 آذار) يتهم الفريق الآخر (قوى 8 آذار) بكره الحياة وتقديس «ثقافة الموت». ويستخلص الفريق المذكور من تلك المعركة الثقافية مجموعة أفكار تمس منظومة قيمية تعتمدها القوى المضادة في سياسة التعامل مع القضايا اليومية والحياتية.

«قوى 8 آذار» تؤكد أنها لا تقدس «ثقافة الموت» ولا تؤمن باللون الواحد ولا تشجع على سلوك نمط تكراري لا يتغير ولا يتبدل. بينما «قوى 14 آذار» تصر على اتهام الفريق الآخر بأنه لا يحب الحياة ويكره التنوع والتعدد ولا يحبذ الألوان ويريد أن يتشح لبنان بغطاء واحد من دون اكتراث لاختلاف الطقس والمناخ والتحولات.

وتحت سقف هذه الاتهامات المتبادلة لجأ كل فريق الى عقد مهرجانات وحفلات وتجمعات تكشف من قريب أو بعيد النزعة الثقافية التي تسيطر على جمهوره أو تستهويه. للمرة الأولى في لبنان تتحول الحشود السياسية الى ظاهرة ثقافية للتأكيد على الاختلاف الجوهري الذي يفصل بين الطرفين. فالفريق الذي يملك غالبية نيابية ووزارية يصر يوميا على أهمية فكرة الدولة ودورها الدستوري في بناء الوطن. فالدولة تضمن برأيه الحريات وتحمي الهوية وتدافع عن المواقع والوظيفة والصفات الخاصة التي تميز بها لبنان.

الفريق المعارض لا ينكر هذه الصفات للدور اللبناني وموقعه الخاص في المنطقة ولا يرفض فكرة الدولة وأهمية الدستور في صيانة الهوية والدفاع عنها. ولكنه يضيف مجموعة مهمات تركز على الساحة وما تمثله من مكانة لعبت دورها في المقاومة.

الفريق الأكثري لا يتهرب من مسئولياته القومية وترابطه العربي ووحدة المصير مع دول الجوار ولكنه يرفض أن يكون لبنان ساحة يتقاتل عليها كل من يتردد في قتال الأعداء على حدوده. لذلك يلجأ هذا الفريق الى إحراج الآخر من خلال التركيز على ضرورة فتح الجبهات في كل مكان حتى يتساوى الموقع اللبناني مع مساحته الجغرافية وإمكاناته البشرية. كذلك لا يتردد هذا الفريق في ملاحقة كل تلك الاتصالات العلنية والسرية التي تحصل بين قوى الممانعة مع شخصيات أميركية وأوروبية واستتباعا مع حكومة ايهود أولمرت.

كل فريق يحرج الآخر سياسيا من خلال طرح أسئلة بشأن الموقف من السيادة والاستقلال والحرية. إلا أن الجانب المهم والجديد في الاشتراطات السياسية ظهور المسألة الثقافية على خط الصراع الداخلي. ومن يتابع محطات التلفزة والفضائيات اللبنانية لا يعاني كثيرا للتعرف على ذاك الافتراق الثقافي والاختلاف في رؤية الحياة والعالم وأسلوب التعامل مع الفرح والابتعاد قدر الامكان عن الحزن والمشاهد المأسوية.

برامج انقسامية

البرامج التي تعرضها المحطات اللبنانية على اختلافها تظهر فعلا بداية انقسام ثقافي يعكس في جوهره تلك التوجهات السياسية. فهناك محطات تعتمد التعدد والتنوع وتقيم يوميا برامج للتسلية والترفيه بقصد التخفيف عن الناس كاهل الأعباء الاقتصادية والقلق من المستقبل والتوتر الناجم عن الاستقطابات الأهلية. وهناك محطات تسلك أسلوب اللون الواحد والإيقاع اليومي الذي لا يتغير ولا يتكيف ولا يتبدل، وهي ذات نمط متشابه سواء في تغليبها تلك البرامج الجادة أو في ابتعادها عن اللحن والغناء والفرح والتسلية.

هناك إذا مسألة ثقافية بدأت تتسلل الى الانقسامات السياسية في الشخصية اللبنانية. وبما ان السياسة في لبنان لا تقوم على المصلحة وإنما تتلون وتتحرك وفق آليات مناطقية ومذهبية وطائفية فمعنى ذلك أن الثقافة أخذت تتشكل في ضوء تلك المسام الاجتماعية التي تنهض عليها القوى المتخاصمة.

أحيانا يكون الانتماء الاجتماعي للفرق السياسية من مكان واحد ومتشابه في درجاته الاقتصادية وفي تعادله الطبقي أو المهني أو التعليمي أو التربوي ولكن خصائص كل فريق تختلف بسبب اللون المذهبي والطائفي. فمن يتهم الآخر بتقديس «ثقافة الموت» وكره الحياة والاصرار على التذكير بمناسبات حزينة لا يختلف كثيرا عنه في تركيبه الاجتماعي وتكوينه الثقافي ونمط سلوكه ولكنه يختلف معه في الانتماء المذهبي أو الطائفي. وهذا الانتماء يرسم تلك الحدود الاجتماعية بين ثقافتين وتوجهين.

المسألة الثقافية التي تشطر الساحتين ليست في النهاية من ذاك الصنف المتقدم الذي تشترك في صنعه مجموعات تنتمي الى طبقات اجتماعية نامية وإنما هي نتاج ذاك الانقسام الأهلي المتوارث من تجمعات طوائفية ومذهبية ومناطقية. وهذا يعني أن تلك الثقافة الظاهرة على الشاشات والمحطات ليست أصيلة وهي مؤقتة واستهلاكية وصنعت من أجل التمايز والاختلاف عن الآخر في لونه الفكري وسلوكه ونمو حياته. إنها ثقافة مناسبات أعيد ترتيبها لتتجانس مع وضعية سياسية متخاصمة على الغايات والأهداف. ولأنها كذلك تبدو تلك الثقافة غير قادرة على الاختراق أو الجذب نظرا الى كون جذورها قصيرة وغير ضاربة بعمق في الأرض.

ثقافة الفضائيات في النهاية هوائية مهما بالغت في الحزن أو في الفرح لأنها تأسست على الطائفية أو المذهبية ولم تنشأ على قاعدة الاجتماع البشري وتطور العمران. ولذلك يتوقع لمثل هذه الثقافة الهوائية أن تتبخر في حال اندفع اللبنانيون نحو التصادم. وفي تلك اللحظة ستظهر على الساحات ثقافة مشتركة في نمطها ولونها ومتفقة في أشكالها ومصادرها على كره الحياة وتقديس الموت.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً