إن مسرحية التلاوم - التي بدأت تتقاذفها حاليا الأطراف المعنية من بغداد إلى واشنطن بشأن توقيت الإعدام، إلى طريقة تنفيذ وتصوير عملية شنق الرئيس المخلوع صدام حسين، وتحديدا ما نقل عبر الهاتف المحمول - ما هي إلاّ استعراض يتنافى مع القيم الإنسانية التي تنادي بها الإدارة الأميركية.
فلم يكن شنق صدام بهذه السرعة إلاّ مطلبا أميركيا، وانتقاما منتظرا من قِبل عناصر في الحكومة العراقية - التي يلحظ حتى في تصريحات مستشارة نوري المالكي، فاطمة الريس، التي أطلقتها أمس الأول (الثلثاء) مع قناة «العربية» - بإعطاء الشرعية لكل ما تم أثناء عملية تنفيذ شنق صدام.
نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن طاغية مثل صدام، لكن أيضا تدخل واشنطن بمنع حكومة المالكي من عدم إخفاء جثة صدام وتسهيل عملية دفنه في بلدته (العوجة) لم يكن إلاّ من أجل ألا يتحول صدام إلى شهيد عند أنصاره، وهي التي - أي واشنطن - كانت تريد أيضا إخراج صدام من المشهد العراقي بأسرع وقت ممكن؛ حتى لا تنكشف المزيد من الملفات والمؤامرات التي يعلمها صدام والإدارة الأميركية فقط.
ومع ذلك، فمهما حدث من نهاية لصدام فهو أمر ليس مستغربا؛ لكون التاريخ يعيد نفسه، لكن في ظروف ومراحل مختلفة، ويكون ما اقترفه حزب البعث إبان انقلاب شباط (فبراير) 1963 وكيف أعدموا قائد ثورة 14 تموز (يوليو) عبدالكريم قاسم، الذي أطاح بملكية العراق في العام 1958 بمثابة شاهد آخر لفعل تكرّر، لكن الفرق أن عبدالكريم قاسم لم تدفن جثته على غرار صدام، بل رميت في مياه نهر دجلة بعد أن أعدم ببشاعة رميا بالرصاص داخل مقر الإذاعة والتلفزيون بالصالحية، في محاكمة صورية سريعة وبدأوا بث صور جثته على شاشة التلفزيون أياما، وكان هناك من يشد شعره مستهزئا به.
حدث ذلك في شهر رمضان بعد مقاومة عبدالكريم قاسم البعثيين الذين أخذوه من مبنى وزارة الدفاع إلى مقر الإذاعة والتلفزيون، لكن أخيرا أعيد اعتبار عبدالكريم قاسم بوضع اسمه على شوارع العراق وتنصيب تمثاله لتخليد تاريخه باعتباره رجل الثورة، لكنه من دون قبر. بينما صدام كسرت تماثيله وأزيلت أسماؤه من الشوارع لكنه حظي بقبر في مسقط رأسه. هذه المقارنة تثير الكثير من الأسئلة ومنها أي عراق ينتظرنا وينتظر المنطقة؟
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ