بات شبه المؤكد أن المرأة العربية عموما والخليجية خصوصا، تواجه تحديات وصعوبات عدة من أجل الوصول إلى مقاعد البرلمان والبلديات خصوصا بعد خسارة المرأة الكويتية، والبحرينية للمرة الثانية على التوالي، وإبعاد السعودية عن المحك الانتخابي البلدي. لكن ما أدهش الجميع وغيّر من القاعدة هو فوز الإماراتية في الانتخابات، فهل خرجت الإماراتية عن السياق، وهل كسرت القاعدة؟
لم يكن إعلان رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الدولة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2005، عن انتخاب نصف المجلس الوطني المقبل وإشراك المرأة فيه أمرا مفاجئا، إذ حققت الإماراتية مكاسب وطنية نوعية وإنجازات عدة، وشاركت بفعالية في تنمية المجتمع، فقد بادرت إلى تأسيس أول تجمع نسائي العام 1973 عرف باسم جمعية نهضة المرأة الظبيانية، وقد انتهجت الجمعية برئاسة الشيخة فاطمة بنت مبارك بعدا وطنيا قائما على تطوير المرأة وبناء قدراتها الذاتية وانخراطها في المجتمع، إذ ركّزت على حل المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع النسائي الإماراتي آنذاك وهو الأمية. ولم تتوانَ هذه الجمعية، بل لم تتوقف لحظة عن هذا المشوار الذي أهلها للحصول على جائزة «الايسيسكو» لمحو الأمية للعام 2005، تقديرا وتشجيعا لجهودها الرائدة في هذا المجال.
يذكر أن تميز دولة الأمارات بتأسيس الاتحاد النسائي في وقت مبكر وسباق بالنسبة إلى دول الخليج، إذ سارعت الجمعيات النسائية في الدولة والمتمثلة في جمعية نهضة المرأة الظبيانية في أبوظبي، وجمعية النهضة النسائية في دبي، وجمعية الاتحاد النسائية بالشارقة، وجمعية نهضة المرأة برأس الخيمة، وجمعية أم المؤمنين بعجمان، والجمعية النسائية في أم القيوين، إلى الانضمام إلى كيان موحد عرف بالاتحاد النسائي العام 1975، وقد دشن الاتحاد في العام 1999 استراتيجية وطنية للنهوض بالمرأة في الإمارات في جميع المجالات، من أجل مواجهة تحديات الألفية الثالثة. وركزت الاستراتيجية على تفعيل دور المرأة ومشاركتها في ثمانية محاور رئيسية هي: التعليم، والاقتصاد، والعمل الاجتماعي، والإعلام والتشريع، والبيئة، والصحة، واتخاذ القرار، كما شارك الاتحاد بفعالية في إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في يوليو/ تموز 2000.
وعلى رغم أن المجلس الوطني الاتحادي الذي تم تشكيله العام 1972، يعتبر هيئة استشارية لا تملك سلطات تشريعية فإن المرأة غيبت عن عضويته منذ تأسيسه، فلذلك اعتبر قرار إشراكها فيه منعطفا تاريخيا في مسيرة المرأة الإماراتية. ففي الوقت الذي سمح للرجل الإماراتي بالمشاركة السياسية لأول مرة، أعطي لها الحق بشكل متساوٍ معه، لتخوض المعترك الانتخابي في التصويت والترشيح كمواطنة، لا مجرد طرف اجتماعي قاصر. فعقدت الإماراتية العزم على خوض الانتخابات التي جرت في 16 و18 و20 ديسمبر الجاري، من دون أن يثنيها فشل النساء في انتخابات الكويت والبحرين.
ولم يسمح لجميع المواطنين بمن فيهم النساء بالتصويت والترشيح على نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، إذ اختار حكام الإمارات السبع نحو 6600 من أصل 800 ألف مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم أو الترشيح في الانتخابات، كما أنهم لم يختاروا إلاّ نحو 1100 امرأة. وعلى رغم ذلك فقد تقدمت 65 امرأة بطلب الترشيح من جملة 439 طلبا، أي أكثر من 14 في المئة من جملة المترشحين. وقد حصدت إمارة الشارقة الأعلى في عدد المترشحات، إذ بلغ عدد المترشحين فيها 101 من بينهم 29 سيدة، وإمارة أبوظبي 100 من بينهم 14 سيدة، دبي 82 من بينهم 15 سيدة، رأس الخيمة 83 من بينهم ثلاث سيدات، عجمان 24 من بينهم سيدتان، أم القيوين 29 من بينهم سيدة واحدة، في حين كان عدد المترشحين في إمارة الفجيرة 37 مترشحا ولم تتقدم إلاّ سيدة واحدة للترشيح.
هذا النزول الكبير وغير المتوقع من قبل نساء الإمارات في أول تجربة انتخابية يعتبر أمرا بالغ الأهمية، ويعكس وعيا منفردا وجريئا وغير مسبوق، وهذا ما أشارت إليه الكاتبة الإماراتية عائشة إبراهيم سلطان، المترشحة لهذه الانتخابات: «إن حقيقة خوض المرأة للانتخابات من دون تردد أو خوف أمر جيد في حد ذاته»، وهذا يدل على أن الإماراتية تنتظر الانتخابات بفارغ الصبر على حد تعبير الصحافية المترشحة منى بوسمرة «مشاركة النساء حلم طال انتظاره». فلذلك كان الجو الانتخابي العام في الإمارات متفائلا بحصول المرأة على مقعد في المجلس، وبدأت الصحف الإماراتية تزخر بصور المترشحات المتحجبات، ونظرا إلى العائق الاجتماعي الذي تواجهه المرأة الإماراتية المترشحة في الزيارات الاجتماعية أو تدشين الخيم الانتخابية، فقد اعتمدت على الدعاية الإلكترونية. إذ يشار إلى أن عددا كبيرا من المترشحات لعضوية البرلمان أطلقن مواقع انتخابية على شبكة الإنترنت تقدر بنحو 19 موقعا، فيما لا يزيد عدد المواقع التي أنشأها المترشحون الرجال على خمسة، وذلك من أجل عرض برامجهن وخبراتهن في محاولة لكسب أصوات الناخبين.
لقد فازت المرأة الإماراتية، ويعزى فوزها إلى عدة أمور أبرزها: حجب عدد كبير من المواطنين عن التصويت أو الترشيح، ما وسّع هامش الفوز للمرأة. قانون الانتخاب الإماراتي الذي خدم المرأة، إذ إنه منع نزول المترشحين في قوائم انتخابية، فحتم ذلك نزولهم بشكل مستقل، هذا الأمر أعطى مجالا للمرأة لإظهار تميزها بعيدا عن الدعم القبلي والديني الذي تمارسه القوائم. كما أن التيار الديني كان بعيدا عن العملية السياسية، فلم تشهد أروقة المجالس أو منابر المساجد ما يحض على خذلان المرأة.
وعلى رغم قصور التجربة الإماراتية وضعف ديمقراطيتها يبقى فوز المرأة في مجتمع محافظ أمرا مهما، وتكمن أهميته في كون الصناديق الخشبية الخليجية أفرزت امرأة بعد طول انتظار ويأس، فهل يأذن ذلك بمرحلة جيدة؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ