شهدت أنماط التنمية التي طبقت في الكثير من الدول العربية اعتمادا كبيرا على القطاع العام نجم عنه تراكم وتضخم كبير في ملكيات هذا القطاع، كما بات يلعب الدور الأساسي في التعامل التجاري مع الخارج، ما تسبب في حدوث اختلالات كبيرة في توزيع الموارد الاقتصادية المتاحة وغياب الاحتكام إلى عوامل السوق في اتخاذ القرارات الاقتصادية، علما بأن التنمية الاقتصادية انطلقت في غالبيتها عبر جهود القطاع العام، رغبة من الحكومات في مسارعة هذه التنمية والتخفيف من الاعتماد على الخارج، وتحسين مستوى المعيشة بإيجاد فرص للعمل وتأمين توزيع أفضل للدخل القومي.
إن اتباع الدول العربية سياسات الاصلاح الاقتصادي والخصخصة فرضته عوامل البيئة الاقتصادية العالمية وعوامل محلية مثل شروط التبادل التجاري بالنسبة إلى البلاد العربية وغيرها التي مازالت في طور النمو، واتجهت لصالح الدول الصناعية، ما تسبب في خلل موازين مدفوعات الدول النامية.
إن الهدف الأساسي لسياسات الاصلاح الاقتصادي هذه هو التغلب على الاختلالات الحاصلة في النشاط الاقتصادي عموما والتي يأتي قدر كبير منها من أداء مؤسسات القطاع العام ورفع مستوى الكفاءة في الأداء الاقتصادي من خلال الاعتماد على السوق في اتخاذ القرارات الاقتصادية وتوزيع امثل للمواد الاقتصادية.
ومع ذلك، يلاحظ أن الدول العربية كافة تقريبا التي اتبعت تلك السياسات مثل: الأردن والجزائر وتونس والمغرب ومصر والسودان واليمن وموريتانيا أصبحت لديها آثار اجتماعية سلبية نتجت عن تلك السياسات ولاسيما برامج الخصخصة. وعلى رغم صعوبة تقويم الآثار الاقتصادية النهائية باعتبار أن تنفيذ تلك السياسات يمر بمرحلة انتقالية، فإن تلك الآثار في الغالب سلبية وخصوصا في المدى القصير إلا أنها ايجابية في المدى البعيد وهو ما يدلل لماذا طبقت خطوات الاصلاح. وتعتبر الكلفة الاجتماعية نتيجة الانكماش الاقتصادي في مقدمة تلك الآثار التي تقع عادة مع بدء التنفيذ وتؤدي لزيادة التعطل عن العمل أو البطالة، وخفض دخول الفرد وخفض الانفاق الاستهلاكي، ومعدلات التوفير، والاستثمار والانتاج ويستمر ذلك لفترة تقضي عليها زيادة الاستثمار سواء من مصادر محلية أو خارجية.
وفي مواجهة هذه الأوضاع قامت الدول العربية المعنية بالاصلاح بجهود تحسين أوضاع الفئات الفقيرة واستحداث برامج وآليات جديدة للحد من الآثار السلبية شملت اصلاح النظام الضرائبي وتعديله بما يؤمن العدالة في توزيع الاعباء الضريبية، واقامة صناديق لتوفير الخدمات الاجتماعية، وتقديم المعونات والمساعدات النقدية، والعينية لهذه الفئات، مع العمل على تركيز الخدمات، وتوجيهها للمستحقين فعلا.
لذلك، فإن على الدول العربية اتباع استراتيجية متكاملة للتنمية الاقتصادية تراعي النواحي الاجتماعية والسكانية والبيئية وتعطيها اهمية توازي الأهمية المعطاة للنمو الاقتصادي. إن محاربة الفقر يجب أن تكون مسئولية تضامنية بين المؤسسات العامة والخاصة والتطوعية لا يمكن لأي منها التصدي لها منفردة.
العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ