وسط انتقادات في الولايات المتحدة بسبب التدخل العسكري الأميركي المكلف في العراق وأفغانستان، تمكنت الحكومة الأميركية من تحقيق هدف سياسي كبير في الصومال من دون إطلاق عيار ناري واحد وذلك بفضل إثيوبيا، إذ نجح الجيش الإثيوبي - الذي يعد أحد أقوى الجيوش في القارة الإفريقية - في إلحاق الهزيمة بالمقاتلين الإسلاميين في الصومال الذين كانت كل من واشنطن وأديس أبابا تعتبرانهم خطرا على مصالحهما في إفريقيا وما وراءها.
وكان صبر إثيوبيا نفد عندما اقترب الإسلاميون من التغلب على الحكومة الصومالية المؤقتة في مقرها في بيداوا، ما اعتبره دبلوماسيون في المنطقة مباركة أميركية ضمنية، إذ تغلبت الدبابات والطائرات والقوات الإثيوبية على الإسلاميين في أسبوعين. ويقول المحلل السياسي وأستاذ السياسة بجامعة إنديانا مايكل وينشتين: «شجعت واشنطن أديس أبابا على المضي قدما. ووفرت التغطية الدبلوماسية نفسها التي منحتها (إسرائيل) لمهاجمة لبنان خلال فصل الصيف الماضي ولأسباب مشابهة تتمثل في الحفاظ على موطئ قدم في المنطقة». وأضاف «الأميركيون العاديون ملوا التدخل الأجنبي. ومن ثم ما حدث في الصومال سيكون الآن استراتيجية مفضلة باستخدام حلفاء في المنطقة آلة للهجوم».
ويقول محللون عسكريون غربيون إن «الولايات المتحدة منحت إثيوبيا مساعدة استخباراتية فيما يتعلق بالمراقبة لإسراع من الفوز الذي حققته».
وصورت كل من واشنطن وأديس أبابا الإسلاميين على أنهم على صلة بل ويديرهم أيضا تنظيم «القاعدة»، ما يضع الصومال بثبات على خريطة الحرب العالمية التي تقودها الولايات المتحدة ضد «الإرهاب». ويتكهن بعض المحللين بأن الإسلاميين الذين فروا بدلا من التعرض لخسائر فادحة سيعيدون تنظيم أنفسهم وسيشنون هجمات على غرار ما يحدث في العراق من مناطق نائية في الصومال أو سينفذون تفجيرات قنابل في أماكن أخرى في شرق إفريقيا. ويقول الخبير الإثيوبي في شئون الصومال مات بريدن: «المقارنة بالعراق مقلقة». وليست هناك ضمانات بإحلال السلام والوئام في الصومال الآن بعد انتهاء 6 أشهر من حكم الإسلاميين. وبالتأكيد، فإن العودة السريعة لقادة الحرب إلى مقديشو توضح أنه من الممكن أن تنزلق البلاد بسهولة صوب الفوضى التي عانتها منذ الإطاحة بالدكتاتور محمد سياد بري العام 1991. ويقول بريدن: «علم الأميركيون الكثير عن الصومال بشكل يمنعهم من رفع لافتة (المهمة أنجزت)... على الأرجح هناك شعور كبير بالراحة في واشنطن، فالهجوم الإثيوبي كان ناجحا وعدد الضحايا بين المدنيين ليس كثيرا جدا. ولكن ليس هناك مجال للتهاون».
ويدرك الأميركيون أصحاب الذاكرة القوية ذلك جيدا، إذ بدأت محاولة مأسوية للقوات الأميركية لتهدئة الصومال في مطلع التسعينات بتدفق مشاة البحرية الأميركية إلى شواطئ مقديشو في زي القتال ليجدوا فقط مجموعة من الصحافيين الغربيين في الانتظار بدلا من جيش العدو. وانتهت المحاولة بانسحاب مخزٍ بعد أن أسقطت الميليشيات الصومالية طائرتين أميركيتين وقتلت 18 جنديا ومثلت بجثثهم في الشوارع. ويقول دبلوماسي أوروبي: «المواطنون الأميركيون لن يتحملوا تدخلا علنيا مرة أخرى... سارت الأمور بشكل جيد بالنسبة إلى الأميركيين بعد الفوضى التي أحدثوها من قبل». لذلك تحولت واشنطن من الاشتباك في الصومال بنفسها كما حدث قبل أكثر من 10 أعوام إلى استغلال الحوادث من وراء الستار في الحرب التي استمرت أسبوعين وانتهت لتوها.
ويقول خبراء إن «التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة الآن هو مساعدة الحكومة الصومالية على توسيع قاعدتها وكسب المزيد من المساندة الشعبية كي تصبح سلطة وطنية بحق بمجرد أن تسحب إثيوبيا قواتها».
العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ