«كان هذا نهاية العام 1998، وقتها كانت فكرة رواية (عمارة يعقوبيان) قد تولدت لدي وبدأت الإعداد لها واتخذت قراري بالهجرة خارج مصر بعد الانتهاء من كتابة الرواية. وظللت أبحث عن مكان أستعد للهجرة إليه وقمت بعمل بحث على شبكة الإنترنت فوقع اختياري على دولة نيوزيلندا، فبدأت أجمع عنها كل المعلومات المتاحة صغيرها وكبيرها استعدادا للرحيل حتى أنني أصبحت على معرفة بكل تفاصيل الحياة هناك كما لو كنت قد عشت فيها». بهذه الكلمات يستعرض طبيب الأسنان المصري علاء الأسواني إحباطه من الإهمال الذي يتعرض له الأديب، الذي اعتبر أن روايته «عمارة يعقوبيان» الأكثر مبيعا، لم تكن إلا لحظة تجواله في مدينة «غاردن ستي»، ومشاهدته لبقايا عمارة تمت إزالتها، عندها قرر أن يعيد تاريخ نوافذ العمارة والقصص التي كانت تختبئ وراء هذه الجدران التي تستلقي الآن على الأرض، وبعد انتهائه من الرواية عقد في نفسه العزم، إما أن تطبع الرواية أو أن يهاجر من مصر.
حاصل على درجة الماجستير في طب الأسنان من جامعة إلينوي في شيكاغو الولايات المتحدة، يمارس الطب في عيادته الخاصة بالقاهرة، والده الكاتب المصري المعروف عباس الأسواني، الذي شكل له كما يقول المؤلف منجما نهل منه، وذلك راجع لثقافته العالية.
هذا الإهمال الذي لحق بالأسواني، يظهر عنه صورة مغايرة في الوقت الراهن، فهذا الأسواني نفسه الذي أوقع في يوم ما أوراق رسالته الدكتوراه في الشارع، فتوقفت السيارات ونزل سائقوها لجمع أوراقه، تعد روايته الآن من أكثر الروايات العربية مبيعا بعد طباعتها لأول مرة عن دار «مريت» في مصر، ثم في مكتبة مدبولي، كما رفض طباعتها بدار رياض الريس، خوفا من منعها دخول مصر، ترجمت روايته لأكثر من لغة، كما ترجمت إلى العبرية دون إذن منه، وعلى إثر ذلك أعلن أنه سيلاحق دور النشر العبرية، وسيتبرع بحقوقه في الرواية إلى «حماس»، كرد على اغتصاب حقه الفكري.
«عمارة يعقوبيان» بناء سكني قديم، تحول في رواية الأسواني إلى مجتمع تسكن فيه ألوان مختلفة من الأفكار والأفراد، كما استطاع الأسواني أن يعيش في كل شخصية، ويسبغ عليها فرضياتها الخاصة بها، والمرتبطة بالواقع، سواء الفقر أو الثراء أو البساطة والثقافة، تمتعت رواية طبيب الأسنان المصري بسهولة نصها، وهي ميزة تكاد تفتقد في كثير من الأعمال المقدمة، اذ تحولت الرواية إلى نص معقد، يعتمد فيه المؤلف على عناصر الإدهاش اللغوي أكثر من الإدهاش الفني للحبكة القصصية، في حين حافظ الأسواني على قوة نصه وبساطة ألفاظه، ومن جانب آخر فقد تعد هذه الرواية حالة غضب وانتقاد لواقع يلاحظه المؤلف، وليس من مسؤولية هذا الكاتب أن يخلص المجتمع بوضع حلول لمشاكله، فقد تعرض في روايته إلى مسألتين يعيشها المجتمع المصري، والمجتمعات العربية بصورة عامة، الأولى التطرف الديني والثانية الفساد الإداري.
والملفت في رواية الأسواني هو كيفية تقديمه للشخصيات النسائية في روايته، فقد عكس إحباط العالم كله فيهن، وهن رهن للظروف الاجتماعية القاهرة، كما يرزحن تحت المتغير الاقتصادي والسياسي، فواحدة تحاول إعالة بيتها، وأخرى تبيع جسدها، وترضي نزوات رب عملها، وهذه الشخصيات في رأي أحد النقّاد يشكلن الوجه الحقيقي لقضايا المرأة المعاصرة في مصر.
وأشار خلال ندوته بمركز الشيخ إبراهيم،الى أن روايته «عمارة يعقوبيان» تنتمي لنوع معين من الروايات، وهو أدب بطولة المكان، الذي بدأه كما يقول الأسواني «بلزاك» في فرنسا، ثم دخل يوغسلافيا ليتحول إلى عمل يتخيل تاريخ جسر «درينا»، فيؤرخ له سيرة جديدة، ثم إلى بريطانيا في رواية «الإسكندرية»، ليدخل بعد ذلك الأدب المصري، فنجده في كل أعمال الأديب الروائي نجيب محفوظ تقريبا، فبطولة المكان شكلت تحولا كبير في مسار الرواية في العالم.
بالنسبة لي فإن روايتي «عمارة يعقوبيان» تنقسم إلى قسمين، قسم لمتوسطي الدخل والأثرياء، وهم الذين يسكنون العمارة، وقسم آخر للمهمشين والفقراء، وهو سطح العمارة، وأتت فكرة الرواية عندما قصدت أحد سماسرة العقارات لأستجر مكانا لعيادتي، فكنّا أنا والسمسار نقصد المباني ونتجول في الأحياء، لدرجة نسيت فيها أمر العيادة وبقيت مستمتعا بحالة التجوال واكتشاف الأمكنة، لدرجة جعلت من السمسار يعتقد بأني «مباحث» فامتنع أخيرا من أخذي للمباني.
أسم الرواية هو أسم حقيقي لبناء سكني، وهو أسم أرمني، لعائلة ثرية كان لها كثير من المباني تحت هذا الاسم، لكن روايتي تعاملت مع الاسم فقط، ولم تأخذ الواقع لذلك لن تجد الشخوص في هذه العمارة الحقيقية، وستجد اختلافا في عدد الأدوار، وشكل الدكاكين فيها، ولماذا اسم «عمارة يعقوبيان»؟ قد يكون ذلك حنين لزمن غائب، فالطائفة الأرمينية من الطوائف التي اندمجت في المجتمع المصري، ودافع أبناؤها عن مصر، ولأني درست في مدرسة فرنسية، وفي زمن كانت العلمانية فيه في أوج ازدهارها، حيث كانت مصر منفتحة على كل الأجناس ولكل الأديان، وفي جانب آخر كان مكتب والدي في العمارة نفسها، وحين رجعت من الولايات المتحدة فتحت مكتبا لي فيها أيضا.
عملت على الرواية قرابة الثلاثة سنوات، بشكل أربع سعات يوميا، ولستة أيام في الأسبوع، وصادفتني الكثير من مشاكل النشر، وذلك منذ عام 1998م، لكن صارت هذه الرواية الآن ولمدة خمسة أعوام الأعلى مبيعيا، وقد تم الاتفاق على ترجمتها إلى ربعة عشر لغة، ومن جانب آخر أجد أن الفيلم كان مخلصا للرواية، ولكن في نفس الوقت لست مسئولا عن الفيلم، ولا أدعو إلى مقارنته بالرواية، لأنهما شكلان مختلفان، ولكل واحد منهم لذته الخاصة به.
وجمالية الرواية أن الشخصيات تقطع المسافات لوحدها، وتجد نفسك مرة إسلاميا ومرة شيوعيا ومرة شاذا، ولذلك فهم خطأ من الرواية أني ضد الثورة، علما أني معجب بالثورة ومؤمن بها، لكن الشخصية التي أتحدث عنها لها آراؤها الخاصة، لدرجة أني فتحت كومبيوتري صباحا فوجدت أن إحدى شخصيات الرواية قررت الزواج، وهذا ما نجده مع سائر الشخصيات، فهناك شخصية اشترى عشيقته بعقد مسجل، ولذلك أيضا فأنا أكتب لقارئ متخيل لكنه عديم الصلاحية.
العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ