تبدو أميركا الشمالية «شاحبة الجانب» في الوقت الراهن عقب استبعاد سباقيها الشهيرين، الأميركي في الموسم الماضي والكندي في الموسم المقبل، من رحاب بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا 1.
وغابت جائزة الولايات المتحدة الكبرى، التي كانت تقام على حلبة انديانابوليس منذ 2000، عن روزنامة العام 2008 بعد ان فشل مديرها طوني جورج في التوصل الى اتفاق مع البريطاني بيرني ايكليستون، مالك الحقوق التجارية لبطولة العالم؛ لان الأخير رأى ان حجم الأموال التي سيدفعها الأول من اجل تمديد العقد يجسد مدى اهتمام الأميركيين بهذه الرياضة التي تعتبر بالنسبة إليهم هامشية.
وكانت جائزة الولايات المتحدة تقام في فينيكس حتى 1991 ثم غابت «بلاد العم سام» عن روزنامة البطولة حتى 2000 حين تحول السباق إلى حلبة «انديانابوليس سبيد واي» البيضاوية التي تستضيف سباقات «ناسكار» و»اندي 500».
وهناك توجه إلى ان تحتضن مدينة لاس فيغاس احدى مراحل البطولة في المستقبل القريب، وبالتالي قد يكون هناك تنافس بين الحلبتين لولوج الروزنامة العالمية مع أفضلية واضحة للاس فيغاس لان ايكليستون يريد السباق هناك وحسب.
أما سباق جائزة كندا الكبرى، فقد جرى استبعاده من جدول الموسم المقبل من قبل الاتحاد الدولي للسيارات «فيا» في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وذلك للمرة الأولى منذ 1987 عندما شهد حينها خلافا بين الراعيين الرسميين له، ما تسبب في استبعاده، علما أنه استقبل أول سباق في 1961.
ولم يعط الاتحاد الدولي أي تفسير لسبب استبعاد السباق الذي تستضيفه حلبة جيل فيلنوف في مونتريال منذ 1978 على رغم انه يعتبر من المراحل الناجحة جدا، واعتبرت نسخة 2005 منه الأكثر استقطابا للمشاهدين في تاريخ رياضة الفئة الأولى.
ولم يكن قرار الاتحاد الدولي في الحسبان بالنسبة إلى منظمي السباق الذين أعربوا عن دهشتهم فيما أكد عمدة مونتريال ان خسارة الحدث ستحمل معها خسائر مالية كبيرة على المدينة، وأشار إلى أنها قد تصل إلى 75 مليون دولار معتبرا ان مونتريال ستخسر أيضا الدعاية التي كان يؤمنها السباق لان أكثر من 300 مليون مشاهد يتابعونه عبر شاشات التلفزة.
وكان ايكليستون هدد في 2003 جائزة كندا بإقصائها من روزنامة 2004 بسبب القانون الجديد الذي منع إعلانات التبغ في البلاد، إلا ان القيمين على السباق كافحوا لاستمراره ونجحوا في مسعاهم قبل ان يتلقوا صدمة الخروج من البطولة في الآونة الأخيرة.
ولم تكن العلاقة بين ايكليستون ومنظمي السباق مثالية لان الأول طالبهم بإجراء تعديلات على الحلبة من اجل ان يرتقي إلى مستوى التطور الذي تشهده الحلبات الأخرى.
وحاول المنظمون ان يتداركوا الموقف من خلال إجراء بعض الأعمال لكن ذلك لم يكن كافيا للحصول على رضا السائقين الذين تذمروا خلال سباق الموسم الحالي من الوضع السيئ للحلبة.
وأكد مدراء الفرق المشاركة في بطولة العالم أنهم يعملون بجهد كبير من اجل إعادة جائزة كندا إلى روزنامة 2009 إلا ان فشلهم سيعني انه لن يكون هناك أي سباق في أميركا الشمالية في الموسم المقبل للمرة الأولى منذ انطلاق البطولة العالمية بصيغتها الحديثة العام 1950.
وتشير بعض التقارير إلى ان ايكليستون يسعى من خلال إقصاء السباق الكندي إلى تحسين شروطه المالية عبر الضغط على القيمين على حلبة مونتريال والرعاة الرسميين والمروجين له.
ولن تكون فرق البطولة وحيدة في معركة إعادة السباق إلى البطولة لان حكومة مونتريال وعدت بان تكافح من اجل الهدف ذاته، وهي تعتزم الدخول في مفاوضات سريعة مع ايكليستون على رغم ان الأخير استبعد في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عودة السباق إلى الجدول الرسمي.
ومن المقرر ان يلتقي أعضاء حكومة مونتريال مع ايكليستون نفسه في العاصمة الانجليزية لندن في محاولة منهم لإنقاذ سباقهم علما ان تقارير عدة أشارت إلى ان القيمين على الحدث تخلفوا عن دفع بين 10 و20 مليون دولار في العامين الأخيرين.
ويبدو ان مصائب الولايات المتحدة وكندا على هذا الصعيد قد تنعكس فوائد على الجارة الجنوبية المكسيك التي تحدث كثيرون في الآونة الأخيرة عن إمكان عودتها إلى حظيرة فورمولا 1 مع العلم إنها تفخر بتاريخ عريق في الفئة الأولى فضلا عن ان من صالح القيمين على هذه الرياضة الميكانيكية دخول البلاد التي تتمتع بتعداد سكاني كبير من شأنه تفعيل شعبية السباقات.
وكانت المكسيك استضافت أول جائزة كبرى العام 1962 إلا ان السباق لم يعتمد كجولة ضمن بطولة العالم.
وفي العام التالي، أقيم السباق تحت الراية الرسمية وحافظ على موقعه في الروزنامة حتى العام 1970.
وفي 1971، توفي السائق المحلي المحبوب بدرو رودريغيز، ما دفع بالمنظمين إلى إلغاء السباق نهائيا.
وابتعدت المكسيك عن استضافة السباقات العالمية زهاء عشر سنوات، وفي 1980 عادت إلى الأجواء الميكانيكية من خلال تنظيمها إحدى جولات سباقات الـ»كارت» العالمية في حلبة تقع في العاصمة مكسيكو سيتي. وبعد ذلك، جرى رصد موازنة كبيرة في الحلبة نفسها فضلا عن ضخ استثمارات كبيرة بهدف إعادة بنائها، وهكذا عاودت سباقات فورمولا 1 ظهورها في المكسيك العام 1986 واستمرت حتى 1992 كجولة ضمن بطولة العالم إلا ان السباق لم يحظ بالمتابعة ولم يصب النجاح المرجو فاستبعد مجددا.
وعرفت البلاد سباتا ميكانيكيا لمدة 10 سنوات قبل ان يعاد بناء الحلبة من جديد، وفي العام 2002 عادت سباقات الـ»كارت» العالمية لتزور المكسيك مجددا.
وفي ذلك الوقت، ظهرت بعض المحاولات من منطقة «كانكون» لبناء حلبة سباق بغية جذب السياح على اثر التراجع الكبير على هذا الصعيد بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلا انه جرى تجميد تلك الخطط بعد ان اجتاح المنطقة عدد كبير من الأعاصير.
ولا شك في ان المكسيك ستكون جاهزة لتعويض غياب جارتيها الشماليتين، الولايات المتحدة وكندا، عن بطولة العالم في حال طال إقصاؤهما، شرط تأمين المبالغ اللازمة وتجهيز الحلبة المناسبة
العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ