العدد 1580 - الثلثاء 02 يناير 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1427هـ

مؤتمر «باريس 3» لدعم الاقتصاد اللبناني... ما له وما عليه

تسيطر أجواء القلق في أوساط المرجعيات السياسية والاقتصادية اللبنانية من تداعيات الأزمة السياسية في البلاد على الوضع المالي في ظل تفاقم العجز في الموازنة وانتشار البطالة وانحسار الاستثمارات وتراجع القدرة الشرائية أمام غلاء الأسعار وتنامي معدلات التضخم بشكل غير مسبوق.

وتسود المخاوف من أن تنتقل هذه الأوضاع التي طبعت أواخر العام 2006 إلى العام الجديد بحيث أصبح التردي الاقتصادي العامل الوحيد الذي يتفق عليه فريقا الموالاة والمعارضة.

ويتبدى من هذا الواقع أن العام 2007 سيحمل الصعوبات نفسها في ظل هيمنة العناصر السلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتي زادت من استفحالها حدة الخلافات والسجالات السياسية المتواصلة منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/ شباط العام 2005.

ويرى الاقتصاديون أن المؤشرات المتأثرة بسلبيات السياسة وغياب المعالجات والظروف المؤاتية تحتاج إلى هدنة سياسية وأمنية لتحقيق بعض الحركة اللبنانية الداخلية في فترة الأعياد بعدما ضربت إمكان تحسين حركة السياح العرب والأجانب خلال عطلة الأعياد التي كانت تعول عليها بعض القطاعات التي ستجد نفسها أمام صعوبات جديدة يذهب ضحيتها العمال والمستخدمون في ظل انشغال القيادات النقابية بالتبعيات السياسية ومعارك المرجعيات لتحصين مواقعها.

ومع انتهاء سنة حافلة بالتأزم السياسي والأمني والاقتصادي تتوجه تطلعات اللبنانيين إلى العام الجديد وما إذا كان سيحمل في جعبته بشائر حلحلة للأزمات القائمة تخترق الأفق المظلم الذي يرسمه واقع الأمور اليوم.

وإذا كانت آمال الشعوب عشية بدء سنة جديدة تتمثل في البناء لمستقبل أفضل والتطلع إلى التقدم والرخاء والازدهار فإن جل ما يطمح إليه اللبنانيون هدنة سياسية لعل السنة الجديدة تحمل الاستقرار السياسي والأمني مترافقا بمعالجات للتردي الاقتصادي والاجتماعي الذي آلت إليه الأوضاع.

وإذا كانت توقعات خبراء الاقتصاد أجمعت على أن تحديد الآفاق الاقتصادية للعام الجديد رهن باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، ما دفع معظمهم إلى وضع أكثر من سيناريو لتوقعاته منها الايجابي ومنها المتحفظ ومنها السلبي فإن كل السيناريوهات أجمعت على أن المخرج للمأزق الاقتصادي والمالي والذي يجنب البلاد الدخول في المجهول أو الوقوع تحت وطأة الانهيار المالي يتمثل في ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي لدعم لبنان المقرر في باريس خلال شهر يناير/ كانون الثاني الجاري.

وفي ظل استمرار التجاذبات السياسية يحاول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة تحييد مؤتمر «باريس 3» عن التجاذبات والبحث في ضرورة انعقاده في موعده المقرر في 25 يناير الجاري، لكن المعارضة لا تستبعد أن يدخل هذا المؤتمر ضمن النقاش السياسي لمعالجة الأزمة السياسية.

وفيما تعرضت الشرائح الشعبية لأضرار اجتماعية ومعيشية نتيجة تراكم الأزمات فإن المخاوف من ألا تتمكن الدولة من تخطي هذه المرحلة قبل ثلاث سنوات شريطة حل الأزمة السياسية ومن دون أن تبرز نقاط جديدة بشأن التحضيرات لمؤتمر «باريس 3» الذي تحضر الحكومة اللبنانية لعقده... والذي بات العنصر الوحيد الذي تعول عليه الحكومة وخبراء الاقتصاد لخروج الوضع الاقتصادي من كبوته والحصول على مساعدات وهبات طويلة الأجل من جانب الدول المانحة التي ستشارك في هذا المؤتمر تؤمن على الأقل الحاجات المالية للدولة لتخطي مستحقات العام 2007.

ويعتبر مؤتمر «باريس 3» بالنسبة إلى لبنان محطة اقتصادية مالية أساسية ومهمة وفي حال نجاحه سيؤمن مداخيل تخفف عن كاهل المواطن اللبناني ومجتمعه سبل البحث عن ضرائب وإيرادات جديدة لا تقوى المؤسسات اللبنانية والأفراد على تحملها بعد الأعباء والأضرار التي ألحقتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في كل القطاعات الإنتاجية.

ووفقا للتقديرات الاقتصادية فإن باستطاعة مؤتمر «باريس 3» تأمين احتياجات الاقتصاد اللبناني المقدرة بنحو 7.5 مليارات دولار وقسم منها بمثابة هبات لإعادة الإعمار ومساعدة القطاعات الإنتاجية لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية.

وبحسب التقديرات المتفائلة فإن سنة 2006 سجلت سنة نمو سلبي (ناقص 3) في المئة بعد أن كانت التقديرات تشير إلى تحقيقها نموا يتراوح بين 3 و4 في المئة ووصل معدل نمو الدين إلى مستوى الخط الأحمر بعد أن زاد على 41 مليار دولار بزيادة 8 في المئة سنويا في حين تراجع حجم الاقتصاد وخسر أكثر من ملياري دولار نتيجة هجرة بعض رؤوس الأموال بفعل التطورات السياسية والأمنية التي شهدها لبنان على مدار العام.

ويرى الاقتصاديون أن الخطورة الأكبر تكمن في نمو خدمة الدين العام التي زادت خلال العام 2006 نحو 1000 مليار ليرة (الدولار يعادل 1500 ليرة) بما نسبته 29.9 في المئة عن العام 2005 وهي مرجحة لأن تزيد خلال العام 2007 بشكل أكبر ما لم توفر الهبات والمساعدات من مؤتمر «باريس 3» لدعم الاقتصاد اللبناني.

كما ارتفع عجز الموازنة بشكل قياسي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وبفعل حال عدم الاستقرار التي سادت بعد حرب يوليو/ تموز الأخيرة، إذ يشير الاقتصاديون إلى أنه ما لم يستقر الوضع السياسي فلن تعود الحركة إلى الاستثمارات التي هجرت البلاد مع رؤوس أموالها وقواها العاملة.

وتظهر بعض الأرقام مؤشرات أساسية إلى أهمية تحسن الظروف الاقتصادية التي تحتاج إلى هدنة لالتقاط الأنفاس، ارتفع الدين العام الداخلي من 28296 مليار ليرة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي إلى 308865 مليار ليرة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بزيادة نسبتها 9.1 في المئة في حين ارتفع الدين العام الخارجي بالعملات الأجنبية من 18.922 مليار دولار في 2005 إلى 20.2 مليار دولار في العام المنقضي بزيادة نسبتها 6.7 في المئة. وقد ارتفع إجمالي الدين العام اللبناني بذلك من 37.6 مليار دولار في نهاية أكتوبر 2005 إلى 40.7 مليار دولار في نهاية أكتوبر الماضي بزيادة نسبتها 7.9 في المئة.

وبات الدين الخارجي بالعملات الأجنبية يوازي نحو 50 في المئة من إجمالي الدين وهو كان وصل إلى 52 في المئة ثم تراجع مع ارتفاع مديونية الدولة بالليرة اللبنانية خلال الحرب لتلبية الاحتياجات.

وحقق ميزان المدفوعات فائضا قدره 2945 مليون دولار خلال عشرة أشهر بعد أن كان قد سجل عجزا في العام السابق خلال الفترة ذاتها بلغ 138 مليون دولار.

وهذا الفائض في ميزان المدفوعات سببه الودائع العربية لدى مصرف لبنان وخصوصا الوديعتين السعودية والكويتية بقيمة نحو 1.5 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات أخرى وكانت حصة المصارف من هذا الفائض نحو مليار دولار مقابل نحو 1.9 مليار دولار لدى مصرف لبنان.

وتراجعت الصادرات الصناعية بعد الحرب بينما كانت تحقق زيادات جيدة قبل ذلك إلا أن نتائجها بقيت ايجابية، إذ بلغت الصادرات الصناعية نحو 1774 مليون دولار حتى أكتوبر بزيادة 23.9 في المئة عن العام السابق... أما الصادرات الزراعية فقد تراجعت بنسبة بسيطة وهي 1.2 في المئة وبلغت قيمتها 80 مليون دولار.

وتكمن النقطة المؤشرة على حركة الاستثمارات في تراجع قيمة مستوردات الآلات الصناعية بنسبة كبيرة بلغت 16 في المئة خلال عشرة أشهر وبلغت قيمة الآلات والأجهزة المستوردة نحو 87 مليون دولار مقابل 103 ملايين دولار للفصل الثالث من العام السابق.

وأصاب التراجع قطاع النقل والسياحة عموما حتى نهاية أكتوبر، إذ تراجعت الحركة بنسبة 20 في المئة كما تراجعت حركة المستوعبات بنسبة 102.2 في المئة، وكذلك تراجعت حركة البضائع بنسبة 7 في المئة.

أما الحركة في مطار بيروت فقد سجلت تراجعا بنسبة 19 في المئة، وكذلك حركة السياحة تراجعت نحو 5.2 في المئة في الوقت الذي كان من المتوقع ارتفاعها بنسبة تزيد على 30 في المئة خلال العام الماضي.

وتتخوف الأوساط الحكومية من أن يصبح مؤتمر «باريس 3» ضمن دائرة التجاذبات السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى تأجيله حتى إشعار آخر وبالتالي تضيع فرصة ذهبية للبنان ستوفر دعما ماديا ومعنويا مهما يحتاج إليه بشكل ملح هذه الفترة للخروج من أزمته.

ويبدي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إصرارا كبيرا على عقد المؤتمر وهو من أجل هذه الغاية كان يعتزم الإعلان عن الورقة الإصلاحية التي ستقدمها الحكومة إلى مؤتمر باريس، لكنه تريث انتظارا لمعرفة الاتجاهات السياسية المحلية والدولية وفي ضوء الاتصالات التي يقوم بها أكثر من طرف وخصوصا مع المعارضة للبحث في إمكان الموافقة على الورقة الإصلاحية.

وعلى رغم إجماع الساسة في لبنان على ضرورة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية فإن التجاذبات السياسية قد تعيد حساباتهم وخصوصا أن أركان المعارضة لم يطلعوا بعد على هذه الورقة ولم يشاركوا في صوغها ودراستها على رغم وجود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عداد المشاركين فيها.

وتبدي بعض الأوساط الاقتصادية تخوفا من أن يكون مصير الورقة الإصلاحية على غرار مصير المحكمة الدولية، إذ تدور المناقشات السياسية حول ضرورة اطلاع المعارضة على بنودها لمناقشتها تمهيدا للموافقة عليها، بينما الحكومة عمدت إلى إقرارها وإرسالها إلى مجلس النواب للتصديق عليها.

ولتلافي أن تعترض الورقة النقاشات الخلافية التي تواجه المحكمة الدولية فإن أوساطا سياسية محايدة تنصح الحكومة بأن تعرض الورقة الإصلاحية التي كان يتم التداول بشأنها على المعارضة للاطلاع عليها وضرورة أن تحظى هذه الورقة بمشاركة المعارضة تمهيدا لتقديمها بالإجماع إلى المؤتمرين في باريس.

وبانتظار أن تتبلور الأمور السياسية عقب عطلة الأعياد فإن الاجتماعات ستتركز على التحضير لمؤتمر «باريس 3» والاستفادة من طلب المساعدات الدولية من الدول المانحة والصناديق لتقليص كلفة الدين العام ومن ثم الانتقال نحو معالجة أساس الدين.

وفيما تكمن الصعوبة المقبلة في البحث عن التمويل وإن برزت بوادر دعوات إلى وضع خطة دولية لمساعدة لبنان في إعادة الإعمار لأن المشكلة أضحت في مرحلة متقدمة وتحتاج إلى أكثر من 4 إلى 5 مليارات دولار خلال السنتين المقبلتين فإن الجهود المطلوبة اليوم باتت مرهقة مع استمرار التوتر والتصعيد السياسي وهي باتت تحتاج جهودا مضاعفة لإقناع الاستثمارات التي خرجت أو تفكر في الخروج من لبنان بالبقاء والعودة أو الاستمرار في لبنان وهي لن تستطيع ذلك ما لم تظهر في الأفق ملامح الاستقرار السياسي الجدي على الأقل.

العدد 1580 - الثلثاء 02 يناير 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً