لقد تطور مفهوم علم الاقتصاد المعاصر بتطور المجتمعات البشرية ذاتها. وإذا تابعنا هذا التطور منذ بداياته الأولى فسنجد أن أبو الاقتصاد الحديث آدم سميث يعرفه في كتابه «بحث في طبيعة ثروة الأمم» 1776 الاقتصاد على: «أنه أسم ذلك النوع من المعرفة الذي يتصل بالثروة، أي أنه ذلك العلم الذي يختص بدراسة الوسائل التي يمكن بواسطتها لأمة ما أن تغتني».
وفي القرن التاسع عشر يضع جون ستيوارت ميل إطارا عاما لمفهوم الاقتصاد في كتابه «تعريف الاقتصاد السياسي» 1836م بقوله :»إنه هو ذلك العلم الذي يقتفي أثر ذلك النوع من قوانين الجماعة الذي ينشأ من عمل بني الإنسان في سبيل إنتاج الثروة».
وفي بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر أيضا (1859)، يكشف كارل ماركس في مقدمة كتابه «رأس المال» عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث»، حينها. ويقوم بدراسة علاقات الإنتاج في ذلك المجتمع المحدد تاريخيا من حيث ولادة هذه العلاقات و تطورها و زوالها. ويكشف ماركس أن النقد بوصفه النتاج الأعلى لتطور التبادل وإنتاج البضائع يطمس، يخفي، الصفة الاجتماعية للعمل الفردي أي العلاقة الاجتماعية بين المنتجين المنفردين الذين يرتبطون ببعضهم بعضا بواسطة السوق.
وبينما كنا على مشارف القرن العشرين، نجد الفريد مارشال في كتابه «مبادئ الاقتصاد» 1890 يعرفه بأنه «دراسة للإنسان في أعماله التجارية اليومية، وهو يتناول ذلك الجزء من حياة الإنسان المتعلقة بالنشاط الاجتماعي المتصلة إلى حد كبير بكيفية حصوله على الدخل، وبطريقة استخدامه له».
وعندما نصل إلى القرن العشرين، يطل علينا أدوين كنان في كتابه الشهير المعنون بـ «الثروة» 1928 فيقول :»إنه العلم الذي يدرس الجانب المادي من السعادة الإنسانية، أو بعبارة أخرى الرفاهة المادية».
ثم نصل إلى لورد روبنز في كتابه «طبيعة وأهمية علم الاقتصاد» فيقول عنه انه :»ذلك العلم الذي يدرس السلوك الإنساني كعلاقة بين أهداف وبين وسائل نادرة ذات استعمالات بديلة».
تلك كانت خلفيات علوم الاقتصاد المعاصر، لكن ومع قدوم القرن الحادي والعشرين بدأ الاقتصاد العالمي يتجه أكثر فأكثر نحو اقتصاد المعرفة الذي يعتمد اعتمادا أساسيا على تكنولوجيا المعلومات. ويقدر الاقتصاديون أن أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP في دول OECD مبني على المعرفة. فقد ازدادت الصناعات المبنية على المعلومات في معظم الدول المتقدمة بالنسبة إلى مجمل الصناعة بشكل ملحوظ بين العام 1970 والعام 1994، ويتبين ذلك من زيادتها في صادرات هذه الدول إذ تراوحت هذه الزيادات لتصل إلى 36 في المئة في حال اليابان و37 في المئة للولايات المتحدة و43 في المئة في إيرلندا و32 في المئة في المملكة المتحدة. ويزداد استثمار الدول في المعرفة والمعلومات من خلال الصرف على التعليم والتدريب والتطوير في القطاعين العام والخاص.
إذا كان علم الاقتصاد التقليدي يوصف بكونه علم الندرة، فإن أبرز خصائص اقتصاد المعرفة كونه يمثل اقتصاد الوفرة، إذ إن مبدأ الندرة يرتكز على الماديات والملموسات لكن اقتصاد المعرفة يستند على كون المعرفة سلعة لا تستهلك وتتوالد ذاتيا ومع التكنولوجيا الرقمية تكون الكلفة الحدية لاية سلعة (نسخة) أخرى اقرب إلى الصفر. لأن الكلفة هنا تكون فقط عالية على السلعة الأولى ثم تنخفض هذه الكلفة كثيرا وربما تصبح قريبة من الصفر بزيادة عدد النسخ المنتجة للنسخة الأصلية. وبذلك نجد أن اقتصاد المعرفة قد انتقل بمبدأ تناقص العوائد إلى حال تزايد العوائد. وهذا ناجم عن أن المعرفة من خصائصها لا تستهلك بالاستخدام بل على العكس تزداد أهمية وفائدة باتساع الاستخدام.
العدد 1580 - الثلثاء 02 يناير 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1427هـ