إن أهمية التعاون التقني والتكنولوجي مع الغرب تنبع من الطموحات المعلقة على تنمية قطاع الإنتاج السلعي والخدمي وتوسيع رقعته نظرا إلى ارتباطه بصورة وثيقة بأهداف تنويع مصادر الدخل وتوسيع دور القطاع الخاص. إن نجاح تنويع الإنتاج يرتبط - بدوره وبشكل وثيق - بتكنولوجيا التصنيع والمعرفة التكنولوجية الصناعية والخدمية. ومن المعروف أن اختيار التكنولوجيا ووسائل الإنتاج لتأسيس مشروعات جديدة أو تطوير ما هو قائم منها بدول مجلس التعاون الخليجي يفرض التوجه إلى التكنولوجيا وأساليب الإنتاج التي تحتاج إلى كثافة عالية من الطاقة ورأس المال لمجابهة النقص في الأيدي العاملة الوطنية المتخصصة. وإذ إن التكنولوجيا والمعرفة التكنولوجية من المقتنيات والأسرار التي تخضع إلى نواحٍ سياسية والتزامات قانونية وشروط كثيرة إضافة إلى الأمور المالية لمالكيها، فإن ابرام عقود مع دول تمتلك التكنولوجيا والمعرفة التكنولوجيا من دون الاخلال أو الامتنان لأي موقف سياسي يستدعي الدخول بشكل مفاوضات رسمية بشأن التعاون التكنولوجي. وقد اتاحت اتفاقات الاوفست مجالا رحبا لنقل المعرفة والتقنيات الصناعية الأوروبية، إذ نجحت المملكة العربية السعودية فعلا في استثمار هذه الاتفاقات من اجل تنفيذ الكثير من المشروعات الناجحة. إلا أن فشلها في دول خليجية أخرى يستدعي التوقف وإعادة تقييم اتفاقات النقل التكنولوجي بين دول المجلس ودول الغرب.
ووفقا للتجربة الآسيوية، فإن احد المداخل الناجحة لانجاح مشروعات النقل التكنولوجي يكمن في زيادة التعاون بين دول المجلس نفسها وبحيث يتم تخطي العقبات الحالية المتمثلة في المعوقات الإدارية والإجرائية بحيث تتحول هذه الدول إلى أسواق موحدة وبحيث يتم تقييم أسس النقل التكنولوجي على هذا الأساس أيضا وخصوصا أن نقل التكنولوجيا الحديثة تفترض ضمنا الاستعداد للإنتاج الكبير الذي يفترض بدوره وجود أسواق كبيرة.
ومن المواضيع المهمة التي تؤمن نجاح مشروعات نقل التكنولوجيا أيضا وضع استراتيجية تصنيعية واضحة تهدف إلى رعاية الصناعات الوطنية الناشئة والصادرات الوطنية للصناعات ذات المردود الاقتصادي الجيد. ولعل الحديث عن عدم نجاح بعض مشروعات الاوفست في بعض دول المجلس نتيجة غياب فرص الاستثمار المهيئة لشمولها بهذه المشروعات هو مثال واضح على الدور الذي يلعبه غياب استراتيجية واضحة لاقامة ورعاية الصناعات الوطنية في التأثير على عملية النقل التكنولوجي بين دول المجلس والغرب.
كذلك، وفي ضوء التجربة الآسيوية، لابد من الاهتمام ببرامج التدريب والتعليم المهني، وذلك من اجل تأهيل الكوادر الفنية الخليجية بهدف إحلالها محل العمالة الأجنبية، كما يجب التركيز على تنمية المهارات الفنية للعمالة الوطنية بدول المجلس. إن العنصر البشري يلعب دورا رئيسيا في ضمان أن النقل التكنولوجي سيترجم إلى معارف تكنولوجية وصناعية أيضا من شأنها أن تتحول تدريجيا إلى معارف تكنولوجية وصناعية وطنية أو مكيفة وطنيا. ولعل هذا العامل يمثل احدى القواعد المهمة كما ذكرنا لنجاح تجارب النمور الآسيوية وما رافقها من تطور صناعي وتكنولوجي هائل.
إن دول المجلس مدعوة كذلك إلى مواصلة العمل من اجل صوغ التشريعات والسياسات التي من شأنها أن تشجع الصادرات وتحسن القدرة التنافسية لهذه الصادرات. كذلك التشريعات والسياسات التي تحول دون بروز مبررات تحول دون النقل التكنولوجي كالتشريعات الخاصة بحماية الملكية الفكرية والغش التجاري.
العدد 1580 - الثلثاء 02 يناير 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1427هـ