بعد إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين تسلمت الهواتف النقالة تصويرا لطريقة إعدامه والمحادثات التي جرت قبيل الإعدام، وهي لا تليق باحترام حق الإنسان - مهما كان هذا الإنسان قد أجرم في حياته - ذلك لأن الإنسان له حق أن تنتهي حياته بعيدا عن الصخب والأجواء غير اللائقة. البعض يطرح أن صدام مجرم بشع واستحق ما لاقاه، لكن المجرم البشع عندما يحكم عليه بالإعدام ويستسلم لذلك الأمر المحتوم فإن حقوقه تبقى معه، حتى لو كان هو شخصيا لم يكن يحترم حقوق أي إنسان... فالفرق بين الظالم والعادل، أن الأول يسلب الحق من الآخرين، والثاني يضمن حق الآخرين.
على أن كل ذلك في جانب ومصير العراق والمنطقة في جانب آخر. فوحدة الأراضي العراقية ووحدة الشعب العراقي تحت حكومة واحدة تمثل جميع فئاته، مطلب لجميع أهل المنطقة قبل أن يكون مطلبا لأهل العراق؛ ذلك لأن تفكيك العراق ما هو إلا تمهيدٌ لتفكيك جميع دول الجوار.
لقد صرفت حكومات دولنا الخيرات النفطية والثروات الطبيعية على مدى العقود الماضية على الحروب وشراء الأسلحة وقمع الشعوب والتنافس السلبي فيما بينها. هذا في الوقت الذي وعت فيه الشعوب والحكومات الأخرى إلى أهمية توجيه الطاقات نحو التكامل وتعزيز الأمن المشترك وحماية المصالح المشتركة. ولو نظرنا إلى الخلافات فيما بيننا، فإنها أقل بكثير من الخلافات بين شعوب ودول الاتحاد الأوروبي - مثلا - ذات اللغات والثقافات والمذاهب المختلفة بشكل أكبر بعشرات وربما مئات المرات من الخلافات بيننا. حتى قضية المسميات «التافهة» توجد في أوروبا لكنها غير ذات أهمية، بينما لدينا تعتبر أهم شيء أن نسمي الخليج «عربيا» أو «فارسيا». فبريطانيا وفرنسا لديهما المشكلة نفسها بالنسبة إلى تسمية القناة التي تفصل بينهما، فبينما يسميها البريطانيون «القناة الإنجليزية» يقتصر الفرنسيون على تسميتها «القناة»، والبلدان يعيشان ضمن إطار الاتحاد الأوروبي وضمن الاتفاقات الكثيرة التي تحمي مصالحهما المشتركة.
إن من واجبنا السعي إلى ربط أوصال المنطقة ببعضها بعضا، وأن نترفع عن تفاهات الأمور قدر الإمكان، فلدينا أهم ثروة طبيعية توجد على وجه الأرض، لكن ريعها يتم هدره فيما لا ينفع الشعوب ولا ينفع الحكام، ووصلت بنا الحال إلى قرارات «أممية» تتخذ في حقنا من دون أخذ رأينا - سواء أكنا حكوماتٍ أم شعوبا -، ويتم تنفيذ كل القرارات على رؤوسنا باستخدام ثرواتنا.
إن منطقتنا الخليجية هي رمز الثقل الاقتصادي العربي - بسبب النفط - حاليا، لكنها قد تفقد كل ذلك فيما لو حدث مكروه للعراق، وفيما لو اندلع نزاع بين أميركا وإيران... فحينها سيُفرَضُ على دول الخليج إفراغ ما لديها من ثروات لتمويل الحروب وتخريب البيوت... ندعو الله في مطلع العام 2007 ألا نكون من الذين «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم» (الحشر: 2).
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1579 - الإثنين 01 يناير 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1427هـ