«إنّ المخاض الذي تعرفه البشرية اليوم، والذي تعبّر عنه الأزمات المتتالية، الاقتصادية والجيوستراتيجية والثقافية، لا يضع الفكر اليساري وحدَه أمام تحديات تفرض عليه المراجعة الذاتية العميقة فحسب، وإنّما الفكر الليبرالي نفسه الذي اعتقد أصحابه، ولفترة، أنّهم ربحوا الرهان نهائيا، وليس عليهم أنْ يعيدوا النظر بأي من مسائله التاريخية. ولعلّ الأزمة الفكرية السياسية الشاملة التي ترافق أكبر الأزمات الاقتصادية، والتي تعزز الحديث عن سقوط الأيديولوجيات الكلاسيكية، تؤكد أنّ كل ما نعيشه ونكتبه اليوم هو مؤقت، لن يستقيم مع التحوّل العميق الذي سيحصل في العلاقات المجتمعية والدولية خلال هذا القرن، والذي لم يكد يبدأ حتى دشنته أزمة دولية سوف نتخبّط جميعا في آثارها الكارثية لزمن طويل قادم».
هذا التحليل الدقيق جاء قي مقال نشرته صحيفة الاتحاد الاماراتية منذ أيام للكاتب والمفكّر برهان غليون تحت عنوان « عودة الديمقراطية الاشتراكية».
لقد جاءت كلمات غليون في وقت نحن بأمس الحاجة لسماع وقراءة مثل هذه التحليلات التي تعبّر عن واقع العالم اليوم والى أي مدى ستصل الشعوب في اختياراتها بعد أن ظلت لفترة رهينة العولمة من بعد حقبة انهيار الاتحاد السوفيتي. وهو ما يعني أنّ الأزمة المالية التي عصفت بورصات العالم قد تفتح بدورها تساؤلات عن نتاج الانفتاح والاندماج المتبادل الذي صاحب مرحلة العولمة ومن ثم الخوض في مرحلة المخاض بعد أثبتت نظريات هذه المرحلة انها غير مستقرة.
وبما أنّ شعوبنا العربية تأثرت من جرّاء هذه الأزمة فهي لن تكون في منأى من أي طارىء جديد يدخل على مجتمعاتها التي هي جزء من مظلة العولمة التي صهرتها كما صهرت غيرها من الشعوب بل وكما ذكر غليون لن يكون مكانا لمشاريع الراسمالية ولا حتى الاشتراكية؛ لان ما قد يرسم ويحدد له من الآن والسنوات المقبلة سيكون ملامح جديدة لمرحلة اخرى.
إنّ كلام غليون ,قد يدفعنا الى القول إن ما كان مقبولا بالمفهوم الاشتراكي او الرأسمالي لن يكون كذلك مستقبلا, لأن الظروف قد تدفع باتجاه مشروع او فكر مجتمعي جديد يضمن العدالة والحرية من منظور ومفهوم مختلف قد يتجلّى في تنزيل الاقتصاد من عرشه في الرؤية الاجتماعية أي عبر تجاوز محورية الاقتصاد التي سادت في المشروعات السابقة، وبلورة رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار العلاقات الإنسانية الثقافية
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ