العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

إعدام صدام بين الظرفي والاستراتيجي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل ترسم السنة الميلادية التي بدأت اليوم معالم طريق تحالفات إقليمية ودولية جديدة في المنطقة العربية الإسلامية أم تستمر الأيام على حالها كما كان أمرها في الاعوام الماضية؟ السنة في مطلعها وأمام العالم 364 يوما لمعرفة الكثير من الأمور والتقاط كلمة السر من تلك التقاطعات التي أخذت تظهر على سطح السياسة العربية منذ بدء العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في 12 يوليو/ تموز الماضي وصولا إلى إعدام صدام حسين في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

بين العدوان والإعدام ارتسمت الكثير من الخطوط والخيوط إلا أن صورة السجادة لم تتضح أشكالها وألوانها حتى الآن. فالأمور بحاجة إلى وقت للتبلور وكشف الألغاز وإعادة ربط رؤوس الأقلام لمعرفة الموضوع وخفاياه. وكل ردود الفعل حتى الآن تتراوح بين الانفعالات الظرفية والرؤيا الاستراتيجية.

إعدام صدام لن يكون نهاية حقبة بل ربما علامة على حقبة ليست بعيدة كثيرا عن المظاهر السياسية المتوارثة التي تتحكم بالعقل العربي. فهذا العقل لاتزال تتحكم به آليات انفعالية ظرفية تسيطرعليها وتحركها المذهبية والطائفية. فالعقل العربي في مجمله ليس عقلانيا ولا يقرأ الحوادث سياسيا ولا يجتهد كثيرا في ربطها وتحليلها وتفكيكها وإعادة تركيبها. فهذا العقل يميل إلى الاستسلام للانفعال وقراءة المشهد السياسي كما هو من دون روية أو حكمة. والمثال الأخير على هذا العقل المنفعل يمكن تصور جزئياته في كيفية تعامله مع حكم الإعدام بصدام حسين. القليل حاول قراءة الموضوع في ظروفه وشروطه وعوامله. والكثير لجأ إلى الانفعال. فالبعض تظاهر فرحا وأعلن ابتهاجه لأسباب طائفية ومذهبية. والبعض استنكر وغضب وأعلن الحداد لأسباب طائفية ومذهبية. والبعض اعترض على التوقيت معتبرا أن الولايات المتحدة تقصدت اليوم إمعانا منها في الاستفزاز وإثارة الحساسيات. والقليل جدا نظر إلى المسألة من زاويتها السياسية ومعناها ومبناها ومقاصدها وغاياتها وأبعادها.

ردود الفعل على إعدام صدام تؤكد مجددا أن آليات إنتاج السياسة في المنطقة العربية/ الإسلامية لاتزال تتحكم بها المذهبية والطائفية والانفعالات الظرفية. وهذا بالضبط ما تراهن عليه الولايات المتحدة منذ احتلال العراق في 2003 والعدوان على لبنان في 2006 وصولا إلى إعدام صدام.

إلا أن المشكلة ليست في ردود الفعل الشعبية والعفوية. فهذه المشكلة يمكن تصنيفها في دائرة الانفعالات وقصور التفكير العقلاني في المنطقة العربية/ الإسلامية. المشكلة الخطرة سياسيا تكمن في تلك الردود التي ظهرت على مستويات دولية وإقليمية وعربية وطرحت بقوة أسئلة خفية عن احتمال حصول انقلابات في التحالفات والصياغات السياسية.

انفعالات الدول

دوليا استنكرت كل دول العالم تقريبا حكم الإعدام لأسباب مختلفة ومتنوعة ولدوافع ليست متفقة بالضرورة على موقف واحد. فهناك من يرفض الإعدام كمبدأ ويرفض التعامل مع الخصوم والأعداء من منطق الثأر وثقافة الكراهية.

أما الدول التي رحبت بالإعدام عالميا فكانت قليلة وهي تلك التي شاركت في الحرب على العراق أو تورطت بتلك الحرب. الولايات المتحدة كانت في طليعة الدول التي رحبت بالإعدام وهذا أمر مفهوم وبديهي. فواشنطن هي التي قادت الغزو واعتقلت صدام وأشرفت على محاكمته والرئيس جورج بوش شارك في توقيت موعد تنفيذ الإعدام خلال ذاك اللقاء الثنائي الذي جمعه برئيس الحكومة نوري المالكي في الأردن.

المفاجأة كانت بريطانيا. فهذه الدولة الدستورية تدعي أنها تجاوزت منذ عقد «ثقافة الإعدام» ولكنها أسرعت في الترحيب بالحكم لأسباب ودوافع يمكن فهمها من خلال تحالف حكومة طوني بلير مع إدارة بوش.

ردود الفعل الدولية لم تكن مستغربة وكلها كانت شبه متوقعة. الجديد في الموضوع ردود الفعل العربية والإقليمية. عربيا لاذت معظم الدول بالصمت وفضلت عدم التعليق خوفا أو اشمئزازا. وباستثناء السعودية وإلى حد ما مصر وغيرها من الدول الخليجية والمشرقية والمغاربية لجأ البقية إلى السكوت. موقف السعودية كان الأكثر وضوحا والاشجع في هذا الصدد معتبرة أن الحكم سابقة ومستهجن ومستغرب في هذا التوقيت بالضبط. كذلك فعلت سورية التي وجدت نفسها في موقع حرج وخصوصا أنها اعترفت حديثا بحكومة المالكي وقررت إعادة العلاقات الدبلوماسية مع بغداد بعد قطيعة امتدت أكثر من عقدين.

إسلاميا توافقت كل الدول على استنكار الإعدام أو التوقيت باستثناء إيران التي رحبت بالخطوة وأبدت ابتهاجها بالحدث لأسباب معروفة في خلفياتها ودوافعها السياسية. كذلك «إسرائيل» رحبت بالخطوة وأظهرت علامات البهجة والفرح لأسباب معلومة في أحقادها على العراق الذي كانت تعتبره قوة عربية خطرة حذف من معادلة الصراع معها.

هذه الانفعالات المتقاربة في شكلها وجوهرها بين الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران و»إسرائيل» شكلت مادة خام عند الكثير من المتابعين للتأكيد على شبهات ما والتسرع في التحليل والاستنتاج بوجود مشروع تقويضي دولي - إقليمي للمنطقة العربية الإسلامية. وهناك من رأى في ردود الفعل على حكم الإعدام بداية إشارات لوجود انقلاب في التحالفات الاستراتيجية الدولية والإقليمية في دائرة «الشرق الأوسط».

هذه الاستنتاجات السياسية المتسرعة لاتزال حتى الآن مجرد تكهنات لأنها مبنية على الانفعالات وليست على وقائع دامغة. والفرضيات في السياسة لا تقوم دائما على الحكم على الظاهر وإنما لابد من انتظار المزيد من الحوادث لمعرفة المسار العام للتوجهات الأميركية في العام الميلادي الجديد. فالترحيب الإيراني أقرب إلى ذاك العقل الشعبي المنفعل ظرفيا بالمشهد ولا يعكس بالضرورة توجهات سياسية تحمل معها إشارات ترسم معالم طريق جديد يؤسس لتحالفات إقليمية استراتيجية تمتد من العراق إلى لبنان. فالظاهر في الموضوع يؤشر إلى مثل هذا الاحتمال السلبي ولكن مراقبة الوقائع تعطي صورة معاكسة أوعلى الأقل غير متوافقة في الرؤية العامة لمصير المنطقة ومستقبلها.

هذا الاستنتاج قد يكون متسرعا أيضا. فالسنة الميلادية بدأت اليوم وهناك إشارات كثيرة ولكنها ليست ناضجة في قوتها ومعلوماتها وتحتاج إلى مزيد من الوقت لتكتمل عناصرها وتظهر الصورة الخفية من تحت الأرض. كيف ستكون تلك الصورة؟ فهل سيكون اللون الظرفي المنفعل بالمشهد هو السياسة الغالبة ويتحول إلى ثابت استراتيجي أم سيتبخر اللون بعد أن تزول دوافع البهجة والسرور أو أسباب الاستنكار والغضب؟ هذا هو السؤال. ولكن تسارع الأمور وتداعياتها يرجح ان يكون عنيفا في العام 2007. وبعد ذاك وحين تكتمل معالم الصورة يصبح لكل حادث حديث.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً