العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

البورصات الخليجية تتحمل أعباء زيادة الإيرادات النفطية

442 مليار دولار خسائر البورصات الخليجية في العام 2006

ودعت أسواق الأسهم الخليجية العام 2006 بخسائر كبيرة في قيمتها السوقية نتيجة التراجعات المتقلبة التي شهدتها طوال العام وتصدرت السوق السعودية هذه الخسائر بفقدان مؤشرها السعري 53 في المئة من قيمته، تلتها السوق الإماراتية بخسارة 41 في المئة ثم السوق القطرية 35 في المئة ثم السوق الكويتية 12 في المئة، بينما بلغت مكاسب السوق العمانية 14.3 في المئة وحافظت السوق البحرينية عموما على مستوياتها إذ أغلق مؤشر الأسعار مرتفعا بنسبة 0.99 في المئة.

واستنادا للقيمة السوقية للبورصات الخليجية بنهاية العام 2005، فإن مجموع خسائر البورصات الخليجية تقدر بنحو 442 مليار دولار، أي ما يفوق الإيرادات النفطية لهذه الدول خلال العام 2006 بمعدل مرة ونصف، وتبلغ خسائر السوق السعودية وحدها 320 مليار دولار وخسائر السوق الإماراتية 91 مليار دولار وخسائر السوق القطرية 19 مليار دولار والسوق الكويتية 12 مليار دولار.

وعلى رغم إدراك الجميع أن البورصات الخليجية حالها حال الأسواق الأخرى تمر بفترات صعود وهبوط طبيعي، وفترات مضاربات وجني أرباح، وفترات من إعادة ترتيب المراكز تتزامن مع إعلانات الأرباح وتوزيعها خصوصا بعد الارتفاعات الفلكية خلال الاعوام 2003 و2004 و2005، إلا أن المراقبين يتفقون أيضا اليوم أن هذه الأسواق تكاد تتحمل أعباء غياب الخلل الموجود في هياكل التنمية الخليجية الذي نجم عنه قلة الفرص الاستثمارية الكافية في الاقتصادات الخليجية، سواء بالنسبة للمحافظ الاستثمارية والشركات ذات الفوائض أو بالنسبة للأفراد، حيث تتركز تلك الفرص في الأسهم والعقارات، وبالتالي نشاهد الإقبال غير الطبيعي على الاكتتابات الجديدة حيث بلغت نسبة التغطية عشرات المرات. كما نشاهد أيضا المضاربات المحمومة في الأسهم نتيجة توافر السيولة الكبيرة، ما يدفع إلى ارتفاعات مبالغ فيها في الأسعار، وبالتالي، فإن مساحة التقلبات السعرية تكون واسعة وشديدة، وقد تكون مخيفة بالنسبة صغار المستثمرين.

صندوق النقد الدولي عدد الأسباب التي شجعت على عمليات التصحيح الواسعة التي شهدتها أسواق الأسهم الخليجية وجاء في مقدمتها توافر السيولة الكبيرة في الأسواق بعد زيادة العائدات النفطية، في الوقت نفسه لم ترتق أرباح الشركات المعلنة وبالذات ابتداء من الفصل الرابع من العام 2005 أعلى مستوى توقعات المستثمرين ،علاوة على إدراكها أن الكثير من الشركات ضاعفت أرباحها من المتاجرة في الأسهم نفسها، وبالتالي فإن تراجع أسعار الأسهم سيكون تأثيره مضاعفا على أرباح الشركات المدرجة هذا إلى جانب العدد الكبير من الاكتتابات العامة الجديدة وتأخير إعادة الأموال المكتتب فيها، كما أن جزءا كبيرا من الأموال المستثمرة في الأسواق ممولة عن طريق المصارف ما يخلق ضغوطا كبيرة على المستثمرين لتسييل استثماراتهم حال الإحساس بتزايد المخاطرة.

ويضيف تحليل صندوق النقد الدولي أن الكثير من الأسواق الخليجية بادرات إلى اتخاذ خطوات لحماية المستثمرين إلا أن هذه الخطوات جاءت متأخرة وأعطت فهما معاكسا بوجود تراجع في الثقة في السوق ما جعل تأثيرها معاكسا مثل قيام السوق السعودية بتخفيض نسبة التغير اليومي في السعر من 10 في المئة إلى 5 في المئة والذي كان هدفه خفض حدة المضاربات. كما سعت السوق السعودية لتوسيع قاعدة المساهمين مع توفير المزيد من السيولة في السوق من خلال قرارات تجزئة قيمة السهم والسماح للمقيمين بالاستثمار مباشرة في الأسهم وزيادة لوائح الشفافية ومنع التداول الداخلي وتشجيع بحوث الأسهم. كما قامت السوق الإماراتية بتقليص فترة إعادة الأموال المكتتب فيها إلى أسبوعين مع جدولة الاكتتابات العامة والسماح للشركات المساهمة بشراء أسهمها.

كما يستذكر المحللون هنا ان البنك الدولي قام وقبل عدة أعوام بإجراء مسح شامل ومعمق للبيئة المالية العالمية، أوضح حاجة الدول النامية للاعتماد على مواردها المالية الذاتية في دفع عجلة التنمية. وبالنسبة لكثير من البلدان النامية فإن هذه الحاجة فرضها تدفق الاستثمارات الأجنبية مع تقلبها الواضح كما حدث في المكسيك إذ تبخرت خلال أيام قلائل مليارات من الاستثمارات الأجنبية التي يفترض أنها كانت موظفة محليا. كذلك ازدياد صعوبة الاقتراض من المصارف الدولية وتراجع معدلات المعونات الدولية.

وفي هذا الإطار الكلي لدور الموارد المالية في التنمية يبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه أسواق رأس المال، فهي أولا توفر تنوعا أكبر من الأدوات المالية والاستثمارية المعروضة سواء من حيث العائد أودرجة المخاطرة أوفترة الاستحقاق مايشجع بصورة أكبر على استقطاب مدخرات الأفراد نحو هذه الأدوات. كما تسهم أسواق الأوراق المالية - ثانيا - في تشجيع الاستثمار وزيادة معدلات الاستثمار في الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تمكين الشركات من الحصول على أموال جديدة بإصدار أسهم للمساهمين. وثالثا، برزت أهمية أسواق المال في السنوات الأخيرة مع شيوع برامج التخصيص في الكثير من دول العالم ،فهناك منفعة متبادلة بين هذه الأسواق والبرامج. فالأسواق ستستفيد من استقبال مزيد من الشركات الأخذة بالتحول إلى الملكية العامة ما يعني زيادة المعروض من الأوراق المالية، في حين اعتبرت أسواق رأس المال - بالنسبة لمنفذي برامج التخصيص - المكان الأنسب لطرح الشركات المخصخصة والحصول على تسعير ملائم لها وضمان وجود قاعدة كبيرة وعريضة من المستثمرين والمساهمين فيها.

إن دول المجلس بدأت ومنذ العقد الماضي بإيلاء اهتمام متزايد بإنشاء وتطوير أسواق الأوراق المالية فيها نتيجة لقناعاتها بالدور المهم الذي يمكن لهذه الأسواق أن تلعبه في مسيرة التنمية من خلال تعبئة المدخرات المحلية وتوجيهها نحو الاستخدامات الأكثر كفاءة وتوفير التمويل طويل الأجل للمشروعات الاقتصادية. وفي هذا الإطار، أنشأت هذه الدول أسواقا منظمة للأوراق المالية.

ويرى خبراء أن أسواق المال الخليجية وعلى رغم من إدراج عدد لا بأس به من الأسهم الجديدة، وموجة تأسيس الشركات في الوقت الحاضر، فإنها لا تزال لا تتمتع بالعمق المطلوب من حيث أعداد الشركات المدرجة وأنواعها ونوعية الأوراق المطروحة القابلة للتداول والتي تقتصر في الغالب على الأسهم فقط. كما تركز تداول الأوراق المالية في أيدي عدد محدود من المستثمرين ما يعرض التداول إلى ممارسات ولتقلبات غير موضوعية.

كما تفتقر هذه الأسواق إلى وجود مؤسسات متخصصة تدعم وتعزز من دورها الاقتصادي كالوسطاء الماليين وشركات ومصارف الاستثمار التي تقوم بإعداد الدراسات المالية اللازمة وتقديم الخدمات الاستشارية للمتعاملين في الأسواق المالية. إضافة إلى ذلك هناك نقص حاد في التشريعات والقوانين التي تحمي المستثمرين والمتعاملين في الأسواق المالية ما يؤكد عدم الثقة بها ويقلل فرص الاستثمار فيها. كما توجد أيضا حاجة ماسة لإنشاء هيئات مستقلة برأسمال مشترك - عام وخاص - تكون لديها الصلاحيات في الإشراف على الأسواق المالية وأوراقها بما يحقق التوازن في العرض والطلب لمقاومة التحركات الشاذة للأسعار وهو ما يطلق عليه اصطلاحا بصانعي السوق.

إن تجاوز هذه الصعوبات والعقبات يستدعى ضرورة تحسين شروط تشغيل أسواق المال من حيث أنظمة المتاجرة والمعلومات المتوافرة للمتعاملين والرقابة على التحركات السعرية والتداول الداخلي وسرعة تخليص التعاملات وقواعد الإفصاح المالي وقوانين حماية المستثمرين فيها.

كما يستدعي أيضا وفقا لهؤلاء الخبراء على مستوى الاقتصاد الكلي إعادة النظر في مفهوم ودور أسواق رأس المال بحيث يتم ربطها بأهداف أكثر عملية ووضوحا وقابلية للتنفيذ في إطار برامج التنمية.

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً