العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

صمود يوازي صمود المقاومة والتحدي لما بعد العدوان

اقتصاد لبنان بعد الحرب الإسرائيلية التدميرية

الوسط - المحرر الاقتصادي 

31 ديسمبر 2006

لاشك في ان الحرب التي شنتها «اسرائيل» على لبنان أدت إلى تقويض مقوماته الاقتصادية، على رغم الصمود الاقتصادي الذي لم يقل أهمية وحجما عن صمود المقاومة، وان كان التحدي الكبير يتمثل في مرحلة ما بعد العدوان، ومع تمكن الدولة من القيام بالمسح الميداني الحقيقي لحجم الاضرار التي لا تزال تقديراتها متفاوتة نظرا الى عجز اي فريق تقني عن معاينة الاضرار في مواقعها، فما هي أحجام وأنواع هذه الاضرار؟ هناك أضرار البنى التحتية التي أخرجها مجلس الانماء والإعمار في تقارير أولية، وهي فاقت 2.7 مليار دولار، بما فيها الاضرار السكنية، وهذا رقم يختلف إلى حد ما عن إحصاءات نقابة المهندسين، التي أشارت الى تهدم أكثر من 26 ألف وحدة سكنية ما يرفع كلفة الأضرار الى أكثر من 2.7 مليار دولار للمسكن فقط مع التجهيزات وأضرار المفروشات لمساحات كبيرة ترتفع يوميا.

وفي موضوع الصناعة، قد أدت الاعتداءات الاسرائيلية إلى تدمير نحو 15 مصنعا بصورة كلية، ما جعل الخسائر ترتفع إلى ما يزيد عن 200 مليون دولار منذ بدء الاعتداءات الاسرائيلية، باعتبار أن الغارات أصابت عشرات المشاغل والورش الصغيرة في مناطق جبل لبنان والبقاع والجنوب بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية. هذا في الجزء المباشر لتضرر الصناعة. أما الجزء غير المباشر على صعيد القطاع الصناعي فهو في توقف الصادرات الصناعية والمقدرة بنحو 257 مليون دولار شهريا، حسب إحصاءات الشهر الاخير لما قبل الاعتداءات الاسرائيلية، أي شهر يونيو/حزيران من العام 2006.ويعني ذلك ايضا توقف عجلة الإنتاج في أكثر المصانع اللبنانية بشكل كلي أو جزئي، مع العلم أن الصناعة اللبنانية تستورد أكثر من 72 في المئة من موادها الأولية. وهذا الامر يرفع الاضرار الصناعية والخسائر بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى ما يقارب ضعف التقديرات الأولية التي تم إحصاؤها. أما النوع الثالث من الخسائر والاضرار التي لحقت في القطاعات الاقتصادية والانسانية تنطبق على الإنتاج الزراعي الذي أتلف في أرضه، نتيجة توقف الصادرات بفعل الحصار الإسرائيلي على كل المرافق والمرافئ العامة من جهة، ونتيجة تقطيع أوصال المناطق اللبنانية بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك من جهة ثانية. ويقدر المزارعون الاضرار بـ100 مليون دولار. وهذا أمر قد يكون مبالغا فيه، إلا انه لا يقل كثيرا عن الخسائر الحقيقية، قياسا إلى إتلاف المساحات الزراعية والآليات الزراعية والشاحنات والسيارات نصف النقل. وعلى صعيد المرافق العامة في الدولة، فإن الخسائر طالت الكهرباء وقطاعات الخدمات ومطار بيروت ومرفأ بيروت وسائر المرافئ الاخرى. وقد كانت أضرار الاعتداءات الإسرائيلية مزدوجة الاهداف، فهناك أضرار مباشرة من جراء القصف بهدف الايذاء وتصوير هذه المرافئ والمرافق انها غير آمنة على المدى اللاحق لوقف الاعتداءات. اما الهدف الثاني فيتعلق بتعطيل دور هذه المرافق لأطول مدة ممكنة وإعاقة وتحميل الدولة اللبنانية الأعباء الإضافية والكلفة المالية، وإلزامها رفع النفقات في ظل الوضع المالي، مع زيادة الضغط على المواطنين جراء أعطال الكهرباء التي ترفع ساعات التقنين على كل المناطق اللبنانية، وتحميل المواطن المزيد من الأعباء المالية بعد الأعباء الأمنية وكلفة النزوح، ما يزيد من وتيرة الضغط السياسي. هذا ما حصل في اليومين الاخيرين بعد صدور قرار الأمم المتحدة بالنسبة لضرب محطات الكهرباء في صيدا وصور، لزيادة معاناة المواطنين في كل المناطق اللبنانية، من بيروت إلى أقصى الجنوب والشمال، بعدما كانت الكهرباء في صور تعطل على مدار الساعة وكذلك في بعض المناطق اللبنانية. أما الضرر الأكبر الناجم عن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة يتعلق بالتهجير والبطالة في كل الاتجاهات. فبعد الضرر المباشر في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، برزت عملية البطالة وعمليات الصرف، أو تعليق عقود العمل لمئات بل لآلاف العمال في المؤسسات، تبعا لمناطق وجود هذه المؤسسات. وهذه العملية مستمرة ولن تتوقف على المدى القريب، نتيجة الاضرار اللاحقة في الحركة التجارية والسياحية والصناعية والزراعية، ونتيجة الشلل الذي أصاب الاسواق والحركة السياحية والفندقية، الكبرى بالتحديد، إذ بدأت المؤسسات تحصي خسائرها الكبيرة بعدما كانت تنتظر موسما سياحيا قياسيا بددته الاعتداءات الإسرائيلية.

وتأتي النقطة الابرز في الايذاء الإسرائيلي متعلقة بموجة الهجرة إلى الخارج من قبل اللبنانيين نتيجة عدوانية وهمجية الاعتداءات، وهذه الصناعة الإسرائيلية تطورت من التهجير الداخلي إلى التهجير الخارجي، أي إلى ما وراء الحدود. إذ فاق عدد المهاجرين من اللبنانيين أكثر من 210 آلاف مهاجر، اكثرهم من العائلات التي كانت مقيمة في لبنان، وهذا رقم خيالي قياسا إلى مسلسلات الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

الأخطر على الإطلاق هو في حجم النزوح الداخلي الذي قارب المليون لبناني، نتيجة سياسة التدمير الإسرائيلي المبرمج، من الجنوب إلى الجبل والضاحية ومناطق البقاع والشمال. وقد خلق هذا الوضع مشهدا انسانيا موجعا بالنسبة لكل المناطق والقطاعات اللبنانية بما فيها الدولة اللبنانية التي أربكها حجم الاعتداء ونتائجه. وهناك أضرار غير مباشرة تتعلق بالقطاعات، خلقتها حال الحذر التي فرضها العدو الإسرائيلي في مختلف المناطق البعيدة نسبيا عن مناطق التوتر. إذ تعطلت كل ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحيث كانت 30 في المئة من المؤسسات التجارية والخدماتية والمصرفية تعمل. وهذا الواقع التوتري الذي خلقته «إسرائيل» ألحق خسائر كبيرة في المؤسسات التجارية التي دفعتها إلى عمليات صرف بالجملة وإلى تقليص أعمالها تلافيا لتهددها بالإفلاس. وأدى هذا الوضع إلى امتناع الكثير من المؤسسات عن دفع الرواتب للمستخدمين لديها أو تقليص الرواتب إلى النصف نتيجة دخول الحرب الشهر الثاني، لا سيما أن اكثر من 60 في المئة من المؤسسات اللبنانية عليها ديون تجارية وصناعية، زادت من حدتها توقف الأعمال بفعل طول الاعتداءات الإسرائيلية. وخلقت هذه الإعتداءات حالات جديدة خاصة بميزة (صنع في إسرائيل). هذه الحالات تتمثل بمعضلة آلاف اللبنانيين من الذين دمرت منازلهم ومؤسساتهم وهم من المدينين للمصارف بقروض سكنية أو تطويرية، وقد دمرت هذه المساكن أو المؤسسات كليا أو جزئيا، إضافة إلى فقدان بعضهم للعمل ومصادر أرزاقهم وتحولهم إلى عاطلين عن العمل. والسؤال هنا ما هو مصير ديون هؤلاء وما هو مصير حقوقهم التي دمرها الاعتداء الإسرائيلي؟ لقد شعرت المصارف بهول هذه المشكلة وثقلها على أصحاب القروض الصغيرة والسكنية والشخصية. لذلك جرى بحث الموضوع في كيفية مساهمة المصارف بتقديم تسهيلات تمكن من صاحب العلاقة أو المدين المتضرر من استعادة مسكنه أو مؤسسته، لقاء قروض مبرمجة ومسهلة يجرى درسها بالافادة من المساعدات التي سيتلقاها لبنان لإعادة الإعمار، بحيث تشمل إعادة إعمار كل الاضرار بمساهمة فاعلة من قبل القطاع المصرفي في الإدارة مع المؤسسات الدولية، بهدف منع الهدر والمحسوبيات ولايصال المساعدات إلى مستحقيها. وجرت اجتماعات من قبل رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل وأركان الجمعية مع مؤسسات الإسكان ومصرف الإسكان ومؤسسة الجيش بالنسبة للقروض السكنية، ومع مؤسسة كفالات بالنسبة للقروض الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذه مشكلة مهمة تتميز بدمغة «صنع في إسرائيل» نظرا لتعميم حجم الاضرار وتوسيعها على كل مقومات الحياة. النتائج المالية على الدولة تختلف عن النتائج على القطاع الخاص والأسواق المالية والمصرفية وسوق القطع. فالدولة خسرت بالاتجاهين: الاتجاه الاول تراجع الايرادات الضريبية وغير الضريبية، نتيجة توقف حركات الاستيراد والتصدير وتعطيل مطار بيروت والمرافئ وبالتالي توقف الايرادات الجمركية، وعائدات الضريبة على القيمة المضافة، وهي مصدر اساسي، إضافة إلى عائدات رسوم الخدمات من الهاتف والكهرباء، وهي عائدات قد تجبى لاحقا، ناهيك عن عائدات ضريبة الدخل، إذ تحولت الشركات في اكثرها إلى خاسرة باستثناء القطاع المصرفي الذي استطاع الصمود في مواجهة حجم الاعباء بالحد الادنى. كذلك خسرت الدولة إمكان تقليص النفقات، واضطرت إلى زيادة الانفاق لمواجهة الأعباء الانسانية وكلف الصحة والإيواء والأدوية ومعالجات الجرحى. وهي أعباء لم تكن محسوبة ضمن نفقات الموازنة التي سترتفع عجوزاتها نتيجة للحالات التي خلفتها همجية الاعتداءات الإسرائيلية ضمن مهلة قياسية، تدخل ايضا ضمن (صناعة إسرائيل) كحق حصري للإيذاء على الصعيد الانساني. وكان الضرر أقل على الصعيد المالي والمصرفي وعلى مصرف لبنان للمحافظة على الاستقرار النقدي وثبات الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. وعلى هذا البند تنسحب قضية الاستثمارات التي أجلت مشاريعها عبر المصارف اللبنانية من عقارية وسياحية، وهي مشروعات تفوق قيمها 3 مليارات دولار، تأجلت ولكنها لم تلغ. وهذا أمر يستوجب سعيا لإعادة إحيائها.

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً