العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ

«إسرائيل» تتجه أوروبيّا

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«أنا لا أعتقد شخصيا أن الخلافات المتنامية بين (حركتي) فتح وحماس، والتي أتابعها بقلق عميق، هي نتيجة لسياسة الاتحاد الأوروبي. لكنه علينا الآن أن نركز على المستقبل لتصحيح الأوضاع. ولذلك فإنني أؤيد كل التأييد الجهود المصرية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية (الفلسطينية)، والتي يؤمل أن تنجح في مستقبل غير بعيد...

إن مسار رفع مستوى العلاقات (بين «إسرائيل» والاتحاد الأوروبي) هذا لا يتم في فراغ، بغض النظر عن الوضع الميداني. ويأتي قرار عدم تنفيذ مسار رفع مستوى العلاقات في هذا الوقت دليلا على ذلك، نظرا إلى المناخ السياسي».

تلك كانت مقتطفات مما جاء في حديث المفوضة الأوروبية لشئون العلاقات الخارجية، بينيتا فيريرو - والدنر، مع وكالة الأنباء العالمية (إنتربرس) حول وضع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي و «إسرائيل». والذي يقول باختصار إن العالم، ومن بينه الاتحاد الأوروبي، يراقب تفاصيل ما يدور من حراك سياسي على ساحة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من أجل تحديد مواقفه من طرفي ذلك الصراع.

بدأت «إسرائيل» تستشعر تراجع، كي لا نقول تدهور، علاقاتها مع الكتلة الأوروبية منذ مطلع العام 2003، حينما بدأت العواصم الأوروبية، من بينها بعض تلك المعروفة بانحيازها لصالح الطرف الإسرائيلي في الصراع مثل باريس ولندن، تستقبل العديد من ممثلي السلطة الفلسطينية، ومعهم أيضا ممثلون عن حركة «حماس». وانعكس ذلك على الرأي العام الأوروبي، حيث كشفت نتائج استطلاع للرأي العام الأوروبي أجراه معهد غلوبل اختارت أغلبية إجاباته «الكيان الصهيوني كأخطر دولة في العالم على السلام الدولي». غطى الاستطلاع «15 دولة أوروبية وشمل 15 سؤالا حول الشرق الأوسط والعراق وشارك فيه 16 ألف شخص».

وكما يبدو فإن «إسرائيل»، باتت في الآونة الأخيرة تولي علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي أهمية متزايدة، نظرا إلى التطورات الطفيفة التي جرت لغير صالحها في السياسة الخارجية الأميركية، وبفضل عمق العلاقات التاريخية التي تربطها مع دول الاتحاد الأوروبي منفردة أو على نحو جماعي. فعلى سبيل المثال، «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة من دول الشرق الأوسط التي تشارك الاتحاد الأوروبي في برنامج نظام «غاليليو» للبحث العلمي وتطوير قطاع الأعمال الذي تصل موازناته إلى مليارات الدولارات، وهى عضو في البرتوكول العلمي السادس للاتحاد، كما أنها تنتمي إلى الاتحادات الفنية والرياضية الأوروبية المختلفة، ناهيك عن عضويتها في مجموعة غرب أوروبا في الأمم المتحدة.

كما أن «إسرائيل» لا تريد أن يفقد القرار الأوروبي المتخذ في نهاية العام 2008، عندما «وافقت حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإجماع، على رفع مستوى روابطها بـ «إسرائيل»، عبر التمهيد لانضمامها إلى سوق السلع والخدمات الأوروبية الموحدة، ناهيك عن تمتين ربطها بالهياكل السياسية والعسكرية للاتحاد الأوروبي».

عملت «إسرائيل»، ومنذ مطلع هذا العام على استعادة مواقعها التي كانت تمدها بعلاقات مميزة في الحواضر الأوروبية، وخاصة بعد أن تلقت بعض الإشارات المنذرة بعودة التوتر إلى تلك العلاقات، سارعت «إسرائيل» إلى إصلاحها من خلال الجولة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في الدول الأوروبية في أبريل/ نيسان 2009، والتي بدأت طلائع نتائجها الإيجابية واضحة في تصريحات وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، عقب لقائه مع نظيره الإسرائيلي، في مستهل تلك الجولة، في ظل فتور العلاقات الأوروبية - الإسرائيلية في أعقاب مجازر غزة، والتي قال فيها «إن العلاقات بين «إسرائيل» والاتحاد الأوروبي يجب أن تعزز، إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في الاضطلاع بدور رئيسي في عملية السلام في الشرق الأوسط».

ولم يكن توقيت جولة ليبرمان الأوروبية عفويا، إذ كان شهر أبريل 2009، هو موعد تنفيذ إعلان اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المشار إليه أعلاه الذي ينص على «رفع مستوى وتيرة العلاقات الثنائية مع إسرائيل». وهي الفترة التي سبقت صدور تقرير لجنة ميتشل الذي ركز على «قضية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتنديد الأوروبي لها». وتعزز ذلك فيما أفصحت عنه بينيتا فيريرو - والدنر نفسها في الشهر ذاته إبان اجتماع مجلس الشراكة المصري - الأوروبي في لوكسمبورغ، حين قالت «إن مسألة رفع مستوى العلاقات الأوروبية - الإسرائيلية لا تزال مطروحة على الطاولة، وإن الاتحاد الأوروبي يريد فعلا العمل على توسيع آفاق تعامله مع «إسرائيل»، بما في ذلك تكثيف العمل باتجاه السلام في الشرق الأوسط والمتضمن حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي».

هذا التوجه السياسي «الإسرائيلي» المكثف نحو أوروبا له الكثير من المبررات، لعل أهمها جذوره التاريخية، فقد كانت أوروبا حتى بُعيد انتهاء الحرب الكونية الأولى الداعم الأساسي لإنشاء الدولة العبرية، ولم يتحول ذلك باتجاه واشنطن، إلا بعد تلك الحرب، استجابة للتجول في موازين القوى العالمية لصالح هذه الأخيرة.

لذا فاليوم، وفي ظل التراجع الذي يشهده النفوذ الأميركي على ساحة العلاقات الدولية، لا تجد تل أبيب أفضل من أوروبا محطة تنطلق منها في الانقضاض الخارجي على القضية الفلسطينية بسلطتها ومؤسساتها الممزقة. فإلى جانب الإرث التاريخي هناك النفوذان المالي والإعلامي، وفوقه الحضور السكاني.

وكما هو واضح، ألقت القوى الصهيونية خلف ظهرها كل خلافاتها الثانوية، وجَمَّدَتْ، من أجل تعزيز مواقعها هناك، كلَّ صراعاتها الداخلية، وانطلقت موحدة نحو أوروبا، يجمع كلمتها أمام العواصم الأوروبية هدف واحد لا تحيد عنه: إجهاض المكاسب التي حققتها القضية الفلسطينية خلال السنوات العشرين الماضية. الغريب أنه أمام كل هذا السلوك الإسرائيلي الموحد والمدروس، لا نزال نشهد إصرار القوى الوطنية الفلسطينية على إثارة الصراعات فيما بينها مغلقة عينها، بوعي أو دون وعي، عما تخطط له ضدها القوى الصهيونية، ليس في داخل فلسطين فحسب، وإنما في الخارج أيضا، وليست أوروبا سوى شاهد حي ملموس على مؤامرات سرية في قارات أخرى ليس لدينا، حتى الآن، علم بها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً