ما يشغلني هو محافظة الدولة على انتظامها. أي خلل في ذلك الانتظام يعني خللا في كل مرافق الحياة. لا أنشغل كثيرا بحركة الشارع، لأنه ثابت الحقوق. ما يشغلني هو تورط الدولة في الفوضى. فوضى التعاطي مع تلك الحقوق. وفوضى تعبيرها عن رفض تلك الحقوق. والحياة لا يمكن لها ان تستقر وتستقيم بعيدا عن استقامة واستقرار الدولة. ما يشغلني هو فوضى الدولة و«مزاجها»، وهو مزاج بالمناسبة يخرج في تفصيلاته عن مفهوم الدولة!
وتركيزي على أخطاء الدولة، حرص منطقي ومنهجي على ضبط حركة الشارع/ الجمهور، بشكل عادل وسلس، من دون هراوات وغاز مسيل للدموع واعتقالات بعد الثانية فجرا، وفبركة اعترافات، مع توافر الحقوق لذلك الجمهور.
إذا تورطت الدولة في الفوضى، تفتقد ويسقط عنها ذلك المفهوم (الدولة) بشكل مباشر.
***
عربيا، الدولة حاضنة مفروضة، وأم افتراضية، بدليل التفاصيل في الممارسة. وهي أم لم ترضع ابنها، ولم تسهر على راحته. هي أم في حدود السجلات الرسمية، من دون التورط في الدخول في حقيقة تلك الأمومة!
في القرآن الكريم نقرأ: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» (آل عمران: 140).
والدولة «ناس» ولكنها لا تزال تعتقد أنها ثابتة مخلدة مؤبدة الحضور. مثل ذلك الاعتقاد والتوهم هو الذي يسهم في تعميق الذهاب إلى الفوضى!
حين تتورط الدولة في الفوضى، لا معنى لمحاولة «الضبط»، إذ كل شيء في طريقه إلى الانهيار والتحلل. هل الدولة العربية مشروع تحلل وانهيار؟ فقط أسأل!
***
وفي الدولة العربية تبرز أيضا فوضى «الفرض»... فوضى «القانون»! كثير من القوانين هي محاولة لفرض الفوضى... فرض «المزاج»... فرض إرادة ذلك المزاج. كيف يمكن لـ «بهيمة» أن تنساق وراء مثل تلك إرادة؟ من الطبيعي أن الإنسان لن يحقق إنسانيته بمثل ذلك الانسياق... ومثل إدارة المزاج تلك!
***
حق البقاء مكفول لكل الكائنات، حتى النتوء في الحواف، لكن مثل ذلك الحق لا يأتي اعتباطا. يأتي بشواهد في التغيير في مجمل حركة الحياة. يأتي بشواهد مُفعَّلة في تلك الحركة. من دون ذلك التفعيل يصبح الحق في حدود التنفس وما بعده من تفاصيل. والتنفس وحده لا يضيف إلى تراكم الحياة شيئا. يضيف إليه بالحركة في جانبها الفاعل والمؤثر والمراكم. وعربيا، الدولة تتنفس لمصادرة ما عداها من تنفس! وذلك جلُّ حركتها. ذلك جلُّ دورها!!!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ