العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ

آلام الماضي تصنع جماليات المستقبل

الجزء الثالث من سلسلة أفلام «أثر الفراشة»

يمكننا أن نعد سلسلة أفلام «أثر الفراشة» «Butterfly effect» بأجزائها الثلاثة، على أنها أحدى أجمل المجموعات الفيلمية التي ترتكز على محورية الفكرة الفريدة لنص الفيلم، والاستدارة من حولها للخروج بأسلوب عرض جديد يخدم الفكرة التي تعالج القفز عبر أسوار الزمن والبعد الرابع للمادة، والأثر الذي يحدثه التغيير في خط سير التاريخ خلاف ما كان قد سار عليه.

السلسلة تعالج هذه النظرية الفيزيائية الجدلية، وهي أن الزمان أحد أبعاد المادة، وأن المادة تم وفق ظروف زمانية مختلفة، عالجتها وفق ظروف مختلفة وعوامل عديدة كي تخرج في صورتها النهائية. واستنادا إلى هذه النظرية، فإن أي تغيير في الظروف التاريخية التي مرت خلالها تلك المادة، ولو كان ذلك بشكل بسيط، عما كانت قد مرت فيه، فإن ذلك قد يغير جذريا في الصورة النهائية التي خرجت عليها المادة.

النظرية التي لاقت جدلا كبيرا في أوساط العلماء، بين مؤيد ومعارض، عالجها الفيلم بمنظور جمالي جذاب، تدرج في أجزاء الفيلم الثلاثة، بين تهيئة المشاهد لإدراك النظريات المختلفة التي شكلت سيناريو الفيلم، ومنها نظرية البعد الرابع ونظرية الفوضى، ونظرية أثر الفراشة التي اشتق منها اسم الفيلم.

يتطور الأسلوب القصصي في الجزء الثالث من هذه السلسلة، ليأخذ منحى أكثر ميلا لطرح سيناريو يمكن للمتلقي بمختلف مستوياته تقبله ومتابعة مشاهدة الفيلم، عبر التركيز على الإثارة والأكشن في النص والإخراج، من خلال القصة التي تدمج أحداث الجريمة بالخيال العلمي.

تدور أحداث الفيلم في هذا الجزء حول «سام»، وهو الشخص الموهوب في مجال القفز عبر الزمن، والذي يكون خلال مراحل قصة الفيلم قد طور من أسلوب قفزه عبر الزمن واستفادته من هذه الموهبة الخاصة فيه، وذلك للعمل كوسيط روحاني مع وكالة البحث الجنائي المختصة في التحقيق حول جرائم القتل؛ إذ طور «سام» الذي يؤدي دوره الممثل الشاب «كريس كارماك»، أسلوبا تقنيا للانتقال عبر الزمن، بعد أن كان في بداية السلسلة يعتمد على قدراته الخاصة في الغوص داخل نفسه وماضيه للبحث عن النقطة التي يريد العودة لها، إذ أصبح يستعين بحاسوب ومجسات متصلة بجسده، وعبر أسلوب يعتمد على الإظلام المباشر في لحظة الانتقال، يقوم الحاسوب بإيصال معطيات التاريخ لـ «سام»، الذي بدوره ينتقل إلى مكان وزمان الجريمة.

«سام» وضع لنفسه شروطا وقواعد للعمل في هذا المجال، وخصوصا أنه يعمل في مجال البحث عن المجرمين، وهي ألا يتدخل في سير التاريخ، ويبقى متخفيا يشاهد ما حدث في مكان الحادث دون أن يغير فيما حدث شيئا أو يحاول ردع مجرم عن جريمته.

ويأتي الحوار بالأسباب التي دفعت «سام» لوضع هذه القواعد، وهي أنه في لحظة ما، اضطر للعودة في الزمن إلى الوراء، وإنقاذ شقيقته من الموت داخل حريق كان يلتهم منزلهم، إلا أنه وبهذا الإنقاد، كان قد غير منعطفا من الزمن، وفقد عوض شقيقته بتغير كافة الأحداث التي تبعت ذلك التغيير والديه.

هنا، تأتي «إيليزابيث براون»، وهي شقيقة الضحية «ريبيكا براون»، التي كان «سام» متعلقا بها ويعشقها، رغم أنه كان على علم بخيانتها له، وتلح عليه أن يعود للبحث عن قاتل شقيقتها، بعد كان قريبا إعدام عشيقها المتهم بقتلها، فيعود «سام»، وعوضا من معرفة القاتل، ونتيجة لتدخله، فإنه يؤدي بتدخله إلى تحويل قاتل «إيليزابيث» إلى قاتل متسلسل، يتسبب في عدد من جرائم القتل المتفرقة ضد نساء ليس لهن رابط مشترك، وكل ذلك يكتشفه «سام» بعد أن يعود إلى زمانه الأصلي بعد أن يفيق من قفزته.

يفيق «سام» على واقع مختلف بسبب ما قام به من تغيير في التاريخ، وهو أنه إنسان ضمن ظروف أخرى، فيشتكي لشقيقته «جينا رايدر»، التي تبدو طوال الفيلم ذات مرض نفسي معين، وتذكر حوله أنها تتابع مع الطبيب النفسي حالتها، فتطلب منه التوقف عن العبث في التاريخ، والقبول بما جرى عليه الواقع.

يصطدم سام مع كل التغيرات التي حدثت في حياته وللتطور الذي جعله مشتبها به في قضية قتل الفتاتين بدلا من أن يكون مساعدا للشرطة، والمعاملة التي يلاقيها منهم لأنه مشتبه في سلسلة الجرائم المتتالية التي أصبح اسمه مرتبطا بها.

وبعد سلسلة من الانتقالات عبر الزمن لمحاولة معرفة الجاني، يصطدم «سام» لوجود خلل ما، فبعد أن يقوم هو بالعودة لتاريخ معين، يكتشف أن القاتل هو نفسه يتتبع هذه القفزات، ويعود ليغير ما حدث فيها، فينتقل عبر الزمن إلى نفس إحدى الفترات، ليذهب مسرعا ليسبق القاتل، إلا أنه يعلق بمصيدة حيوانات حديدية، ويتفاجأ أن القاتل مقبل عليه وهو يحمل أداة الجريمة المستخدمة كل مرة، وهي آلة قطع حديد محمولة، ليجد سام نفسه أمام القاتل الذي يغطي وجهه بكيس قماشي.

ما إن يكشف القاتل عن وجهه، حتى تحدث الصدمة، إذ إن القاتل هو «جينا» شقيقة «سام» التي تستدرك الحوار بالقول إنها ستعود في الزمن وستزيل المصيدة عن طريقه حتى لا يقع فيها في المرة المقبلة.

يستوضح «سام» من شقيقته ما يحدث، فتخبره أن لديها نفس الموهبة في القفز عبر الزمن، وبذلك فإنها قادرة على تغيير التاريخ كما يفعل هو من خلال العودة إلى ما كان قد غيره، وتعيد تغييره عبر قتل كافة الفتيات اللآتي يرتبط بهن «سام»

عاطفيا، وبذلك فإنها تمنعه من الارتباط بأي فتاة.

الدافع وراء كل تلك الجرائم هو أن سام، بعودته وإنقاده لأخته من الحريق، قد جعل من نفسه بطلا ومثالا للرجل الذي تحلم به، فتغرم به، وتعيق علاقاته مع كل من يحبهن عبر حياته عبر قتلهن.

هنا ختاما للفيلم، يخترق «سام» حاجز الزمن للمرة الأخيرة، وذلك للعودة إلى الفترة الزمنية التي كان فيها قد غير التاريخ بإنقاذه لشقيقته من الحريق، ويقوم بحبسها في الغرفة بدلا من إنقاذها، سامحا لوالديه بالنجاة، ليعيد تشكيل الحياة وفق ما كانت ستسير عليه فيما لو بدأت الحكاية من هذه النقطة كما كان مقدرا لها، ليصل في نهاية الفيلم إلى تصوير سام مع عائلته وهم يعيشون حياة طبيعية في وجود والديه والأصدقاء المقربين منه.

العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً