حين يزاوج خالد الرويعي في كتابه «هدوء ليس إلا» بين النص والصورة فإنه يجعلك تحتار في أيهما أسبق على الآخر، الصورة أم القول ولعل ذلك صراع يطول وحكاية قديمة ربما لم تحسم بعد، ولكنه من المؤكد أن الصورة هاهنا أسبق من القول، وما الأخير إلا بعد أن التقطت الصورة، ولكن لن يكون هذا حاسما وخصوصا أن للقول أبعادا موغلة في النفس، وذلك حين تتبحث الذات في دفائنها فتقع على ما تريده وتركن إليه.
@ @ @
لعله من الجميل أن هذا الكتاب يحيلك إلى شيء من اختبار شاعرية الصورة عبر ما تستبطنه الذات من معانٍ شتى، وهي تشاهد الصورة فتكتب أول ما يبادرها من حروف فلا تقتنع بها وتظل في ورشة مستمرة من المحو والإثبات، الإضافة إلى أن تنتهي إلى صيغة نهائية ناجزة تستطيع أن تلوذ بها في الأخير.
@ @ @
وثمة اختبار آخر للغة في قدرتها على تأطير الصورة وتسويرها في الذات وخصوصا حين تحاول أن تتكثف فتشعل الصمت كلاما آخر يؤذن بالكثير من المعاني، وربما يهب ما هو زائد على الصورة فيوقدها في ظلمة صمت ربما رصدته الصورة في تواطؤ مخبت فحكت عنه الكلمات في وقدة بارقة وأهدته الصورة بكل طلاقة.
@ @ @
هكذا حين يتم المزاوجة بين الصورة والكلام فإن الكلام يأخذ صيغا مختلفة منها أنه مرة يحاول البوح بما وراء الصورة مما استبطنته الذات من معاني، ومنها أن الكلام يحاول تأطير الصورة بما له من قدرة على التصوير هو أيضا، ولكن على طريقته، ومنها اختبار لمدى قدرته على التكثيف حين يصوغ معناه في صوره الخاصة به، ومنها محاولة استباقه الصورة إلى مناطق لم تكن لتصل إليها إلا عبره.
@ @ @
هكذا يهب الكلام الصورة عبر المجاورة أو التزاوج معاني جديدة لم تكن لتتعدى إليها، ربما لتقاعس خامل أو ترخ ممل يمنعها من الإضافة، ولكن الكلام يعمل كجرعة منشطة للذات فتقرأ الصورة غير ما كانت ستقرؤها حين عبورها السريع وكأن الكلام يبطئ من عملية التلقي ليهب الصورة المعنى الذي يريد أو يذهب بالذات إلى أفق آخر من المعنى جديدا عليها.
@ @ @
وهكذا عبر خاصية العموم الذي تمنحنا إياه الصورة تستطيع الذات أن تضع معناها على الصورة، فتنتقل العملية من وإلى من منح إلى منح، وثمة عملية متبادلة من التهادي بين الصورة والكلام فلا الكلام بقادر على أن يستقل عن الصورة، ولا الصورة بقادرة عن أن تنفك عن الكلام بعد تشكلهما في معنى جديد.
@ @ @
ولكن الجميل هاهنا في هذا الكتاب أن الذات التي زاوجت بين الصورة والكلام فوضعت الصورة على الكلام والكلام على الصورة استطاعت أن تتجاوز بهما هذه التخوم فتمنح كلا منهما استقلالا ذاتيا يستطيع عبره المسير إلى المتلقي كيفما يريد.
@ @ @
تقرأ الصورة فتحس أن عبورا من العام إلى الخاص هو الذي صاغها والعكس فحين تكون الصورة عامة جدا تأتي الذات لتخصصها عبر الكلام، وحين تكون الصورة خاصة جدا تحضر الذات لتعبر بالصورة إلى عموم جاهر جدا وإلى مطلق مفتوح.
@ @ @
وربما هكذا أيضا في حالة من التبادلية والتهادي، فبينما تعبر الصورة عن الخارج تأتي الذات عبر الكلام لتنطلق بها إلى الداخل والعكس وهنا يتشكل المعنى عبر التراوح بين الداخل والخارج، وهكذا هو الأمر بين الحلم والواقع في المسافة المفترضة ما بين الصورة الكلام.
العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ