لو لم يحدث ذلك لي، لما كنت أصدّق حدوثه... وبالذات في مطار إمارة تحتضن مئتي جنسية من شتى بقاع الأرض، وتتبنى سياسة الباب المفتوح للجميع.
كانت الطائرة قد هبطت في دبي عند الثامنة مساء، وهناك رحلةٌ أخرى ستقلنا للبحرين في الحادية عشرة وأربعين دقيقة، فكان أمامنا متسع من الوقت. عند نقطة التفتيش احتجز الموظف حقيبتي الصغيرة، التي لم تكن تحوي غير بعض الكتب. ذلك من حقّه، فالأمن والقانون فوق كل اعتبار.
أخرجت محتويات الحقيبة كتابا كتابا، أغلبها تاريخية وفكرية ودينية. أخذ يفرزها، حاولت أن أعرف معيار الفرز هنا، واستغربت حين أعاد كتاب «دولة الاستعارة القومية» واحتجز كتاب «لؤلؤة البحرين» للشيخ يوسف البحراني، ربما ظنّه كتابا سياسيا! كيف يمكن أن تقنع موظفا في أوائل العشرينات يريد أن يشعر بسلطته، أنه كتابٌ مؤلّفٌ قبل ثلاثة قرون؟ زميلته التي تصغره سنا، ألقت بملاحظةٍ أمامه، بأنها كتبٌ عادية، لكنه لم يستمع لها. سألتها: انتم خريجو جامعة؟ قالت: لا.
طلب تفتيش الحقيبة الأخرى المثقلة بالكتب، لم أكن أدري أن الكتب في مطار دبي تعامل كالمخدرات. رجوته التسهيل لأنتقل للمبنى الآخر قبل أن تقلع رحلتي. فتش الحقيبة بتشديد أكبر، وأخذ يقلّب الكتب بريبةٍ أشد. قلت له إنني صحافي وهذه الكتب ترتبط بوظيفتي، لكنه لم يكن يسمع.
والحل؟ أجاب: «إما أن تدفع مبلغ 220 درهما، أو نحتجزها لنأخذها إلى وزارة الإعلام لتفتيشها، على أن تراجعها وتستلمها من هناك بعد ثلاثة أيام»! قلت باستغراب: «لكني سأسافر الآن لبلدي، فكيف أعود لاستلامها؟ ثم اني لن أدخلها دبي، وإنما أنا مسافر عابر (ترانزيت)»، فقال: «هذه هي»!
دخلت المكتب حيث احتجزت الكتب، لأسمع الجواب نفسه من الموظفين. أبرزت المبلغ بالعملة البحرينية، استنكرت الموظفة جريمتي: «ما هذا»؟ قلت: «عملة بحرينية، هذا ما لدي، وكلنا خليجيون». قالت: «نحن لا نستلمها». والحل؟ - اذهب إلى البنك هناك، وأشارت ناحيته.
طلبت من الموظف الفلبيني أن يصرف لي مبلغ 220 درهما مقابل البحريني، لكن المسكين حاول أن يوفر عليَّ مبلغ مئة فلس فأوقعني في ورطة أخرى، إذ صرف أوراقا 200 درهم، وعشرة، وخمسة، مع أربعة دراهم معدنية. استلمتها على عجل، واكتشف النقص ابن خالتي الذي جاء لاستقبالي بالمطار، فأكمل الدرهم الناقص. ذهبنا للموظفة لكنها رفضت استلام المبلغ، هذه المرة بحجة أنها «لا تستلم خردة»! طلب منها قريبي أن تستبدلها بعملةٍ ورقيةٍ إن كان لديها لتسهّل الأمور، وبصعوبةٍ صرفتها وهي مقتنعة أنها قدّمت لنا إحسانا كبيرا ستدخل بسببه الجنة!
كانت الساعة قاربت العاشرة، ولم تنجح في طباعة الرصيد لخلل بالجهاز. انتظرنا حتى جاء طاقم النوبة الجديدة، وكانوا بحاجةٍ إلى ربع ساعة حتى ينتهوا من تبادل التحيات والقبلات والدردشات؛ وإلى ربع ساعة أخرى حتى يعيدوا تشغيل الحواسيب، ولم يطبع ذلك الرصيد إلا عند العاشرة والنصف. والمفاجأة أن الموظف الجديد أعاد خمسين درهما، لأن الضريبة (أو العقوبة أو الغرامة) 160 درهما فقط، وزملاؤه لا يدرون بالتسعيرة!
لم تكن تجربة شخصية، وإنما أزمة مجتمع و «محنة كتاب» في عصر الانترنت. فخلال تلك الليلة شاهدت مسافرا مصريا، كان يخاطبه الموظف الشاب بتعالٍ واحتقار، حتى انه طلب منه خلع حذائه، ولا أدري ما ربط الحذاء بكتابين كان يحملهما في كيس صغير. وكانت هناك سيدةٌ سودانيةٌ، تجاوزت العقد الرابع من عمرها، تعرّضت للبهدلة نفسها بسبب الكتب أيضا، ولا أدري ما حدث معها، هل دفعت غرامة اقتناء الكتب... أم حوّلتها إلى وزارة الإعلام في الحكومة الالكترونية لتفتيشها.
ألسنا في الخليج بحاجةٍ إلى واجهاتٍ وكوادر أفضل تأهيلا وتثقيفا في المطارات، بدل هذه المعاملة التي تعطي انطباعا بأننا مازلنا نعيش في القرون الوسطى ونتعامل بعقلية محاكم التفتيش؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2532 - الثلثاء 11 أغسطس 2009م الموافق 19 شعبان 1430هـ
التخلف زايد في العالم الثالث
الله يعينك علي بلواك موظف جمارك لا يحتاج ان يكون جامعي ومطار دبي يزجد في مكتب خاص من التربيه والتعليم وهوم المسؤلين عن الاعلام والثقافه ونشر ومايتبع ذالك
تحياتي
بحريني
بالفعل اويد الرد الرابع وهو من وين الاخ رحله كانت اتيه .. لاننا من سنين وبصفه دوريه نسافر للإمارات ولدبي اكثر الاحيان ونلقى كل الاحترام ملتقدير ن جميع القائمين في مطاراتها وبالاخص اذا ادركوا ان المسافر بحريني .. .. والحق يقال كل الاحترام والتقدير واذا كان اي قصور من اي موظف او سوء معامله فالبكاد في المسأله انه وفيها شبه ..
طيب جرب الضفه الأخرى وأحكم
من العنوان جرب الضفه الاخرى من الخليج وأحمل معك كتاب وليكن للخيام على سبيل المثال ولكن بطبعته العربيه وشوف كيف يكون التفتيش على أصوله وليس عملية تصفح الكتاب كما حدث فى دبي ....
بابا نويل
على معبر السعودية أخذت مني مجله تصدرها احدى الجامعات في UK كان غلافها صورة بابا نويل. و عند الاستفسار أجاب المفتش اذا كنت تريد الخول الى السعودية عليك ترك المجلة.
مطار دبي أسوأ مطار في الخليج
لا أعلم لماذا يمتدح الكثير من الناس مطار دبي مع انه ليس بذلك المستوى من الجودة فمطار البحرين أفضل و أرحم منه بكثير .. في كل سفر ازور فيها لبنان أو مصر أو ايران وحتى العراق فإني أحرص على ان يكون من ما أجلبه معي كتب قد لا تتوفر بسهولة في البحرين ولا يتم فتح اي حقيبة لأنهم يكتفون بتمريرها في جهاز التفتيش فقط.
ليست المطارات فقط بحاجة لكوادر مؤهلة بل ان جميع المنافذ بحاجة لموظفين يشرفون البلد وعلى قدر من الأخلاق و سعة الصدر .
مطار دبي والبحرين
ليش اتعيبو دبي فى التفتيش على الكتب او غير ذلك ...على الآقل اهم من المواطنين لكن فى البحرين اول دخول لك فى المطار حتى قبل الوصول الى الجوازات كل الى يفتشوك بلوش وباكستانيه . هذا هو العيب ان تكون ابن البلد والى يأمر وينهي اجنبي مرتزق .
أنا أخرس، أطرش و أعمى
فى فمى ماء مسموم. و هل يتكلم من فى فمه ماء و ينتظر فعل السم؟
التعامل مرآة الثقافة
أولا: أحب فقط أن أنوه أن سلوك الأشخاص في أي هيئة أو شركة أو مطار هو نتاج للتدريب الذي أخذوه من رؤسائهم و إدارتهم و ثقافة المكان الذي هم فيه. أما دفع مبلغ مقابل عدم احتجاز كتب فهو شيء عجيب فعلاً.
ثانيا: ملاحظة لزائر (2): بكل احترام، ممكن يكون الشخص غير جامعي و يتمتع بأخلاق و ثقافة.
ثالثا: ملاحظة للزائر (5): السيد الكاتب طرح حادثة فعلية حدثت حقيقةً و لا يمكن نقضها بكلام عام، فعلاً إن مطار دبي من أحسن الطارات التي زرتها شخصياً و نقطة الكاتب أنه حتى في أحسن مطار عربي تعامل الكتب معاملة سيئة.
مطار دبي من أحسن مطارات العالم
مطار دبي من أحسن مطارات العالم و الشرطه و موظفي حكومة دبي ما تمشي عندهم المحسوبيات لأن الشيخ محمد بن راشد مايرضى بالفساد الله يطول عمره. آنه عشت في دبي 4 سنوات عمره محد فتشني أو سألني عن شيء في حقيبت سفري !! يمكن رحلتك كانت قادمه من بلد مشبوه.
الواسطات
المشكله ان الذي يوضع في الاماكن الحساسه يحتاج الى واسطة وليس كفاءه
عيش رجب تشوف عجب
كلنا في الهوى سوى (كلها تسكر يا بن عسكر ) يعني موظفينا في المداخل ويش عندهم من شهادات او علم أو حتى ثقافة أو معرفة بالكتاب لكن يا سيد (عيش رجب تشوف عجب)
انت جاوبت حالك
انت جاوبت حالك عندما سالتهم هل انتم جامعيون فردوا عليك بلا !! يعني ناس لا علم و لا اخلاق فشنو تتوقع منهم ؟!
الفكرة واضحة ولكن مسامحة على هذا التعليق
"والمفاجأة أن الموظف الجديد أعاد خمسين درهما، لأن الضريبة (أو العقوبة أو الغرامة) 160 درهما "
50 + 160 = 210 وليس 220 يفترض أعاد 60 درهماً: 60+ 160= 220 درهماً