العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ

«جنة دلمون» و«هورة دلمون»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما فكك علماء الآثار تلك الكتابات المسمارية (أول لغة مكتوبة في حضارة الإنسان) وجدوا اسم «دلمون»، وهي أرض وصفت بأنها «جنة»، وكانت «جنة دلمون» قبل خمسة آلاف سنة تسمى أيضا بـ«أرض الخلود» و «أرض الحكماء والفرسان»، وكان كبار القوم من الأراضي المجاورة يوصون بأن يدفنوا فيها اعتقادا منهم بأن دلمون ليست جنة في حياتهم فقط، وإنما هي أيضا جنة لهم بعد مماتهم... وهكذا تواجد على هذه الأرض لآلاف السنين وحتى ثمانينيات القرن الماضي أكثر من مئة ألف قبر أثري.

«جنة دلمون» لها أسرار عديدة، وكانت في قمة التحضر وفي أعلى المستويات التي وصل إليها الإنسان قبل آلاف السنين، وكانت فيها القرى المزدهرة والمدن الغنية بأهلها، وتواجدت على أرضها القلاع والمعابد، وكانت فيها العيون الحلوة وقنوات المياه، وكانت تلك الجنة الدلمونية تحترم «المعاملات بين الناس»، التي كانت تسير على أساس الكتابة على الألواح... وكانت تلك الألواح وتلك الكتابات لها احترامها لدى كاتبها وقارئها، وكانت الألواح الخشبية المحفورة بالكتابة ترسل عبر القنوات المائية بين مكان وآخر ضمن حركة البريد المائي التي تعد وسيلة متطورة من وسائل «جنة دلمون».

«جنة دلمون» كانت لديها أيضا «أختام دلمونية» خاصة بها، وقد وجد المنقبون أن تلك الأختام تستخدم كما تستخدم حاليا شهادات الجودة (ISO 9000)، وكانت منتجات «جنة دلمون» تصل إلى الأماكن البعيدة حاملة معها علامات الجودة والأصالة والثقة والقيمة الأخلاقية التي تتأسس عليها كل حضارة إنسانية... ذلك «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا».

نأتي الآن إلى «هورة دلمون»، وهي أساسا «لا شيء»، لم تكن موجودة أبدا، ولن تكون موجودة مطلقا، وهي «مختلقة»، واختلقتها أنا شخصيا أمس قبيل كتابة مقالي هذا، وذلك بعد أن كنت قد تعبت وأنا أبحث عن موقف سيارة أستطيع أن أوقف سيارتي فيه بضاحية السيف. المواقف في السيف كانت كلها مشغولة، ورأيت أن إخواننا وأخواتنا السواق من بلاد البحرين وبلدان الخليج المجاورة كانوا يوقفون سياراتهم عند إشارات مرورية كتب عليها «ممنوع الوقوف»، وفوق الأرصفة... وفجأة برز في ذهني اسم «هورة دلمون»، وهكذا قررت إطلاق اسم «هورة دلمون»، فغيري ليس بأحسن مني، وغيري اخترع اسم «هورة سند» وطرد أهالي القرى الأربع من وحداتهم الإسكانية، محاولا فرض «حكم الأمر الواقع».

التفت إلى أن هناك فرقا بين «جنة دلمون» و«هورة دلمون»... في الجنة المفقودة (دلمون) كانت الكتابات المسمارية وغير المسمارية تحترم، وكان العقل والأخلاق يسودان العلاقات بين الناس، وكان الحي محترما والميت أيضا محترما، ولذلك أطلق عليها مسمى «جنة دلمون».

أما في «هورة دلمون» فإشارات المرور تقول «ممنوع الوقوف» ولكنها لا تحترم، ورسائل الحكومة المكتوبة بلغة القرآن (اللغة العربية) التي تقول إن وحدات إسكان منطقة النويدرات ستكون للقرى الأربع (نويدرات، سند، المعامير، العكر) لا تحترم وليس لها قيمة... عندها فهمت الفرق بين أن تكون منتميا إلى «جنة دلمون» المفقودة، وبين أن تبحث عن انتماء وهمي تختلق له مسميات تحمل كلمة «هورة»... التي تُعتبر «ختما معاكسا» للأختام الدلمونية من ناحية الأصالة والثقة والموثوقية.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 10:08 ص

      الف عافيه

      سلام عليكم دكتور يعطيك الف عافيه صح الله لسانك ودام قلمك لنصره الحق وكلامك بلسنم فى قلوب الضعفاء ؟؟؟ سوف تنكشف الامور يرويدا فى معرفه كل شى فالستار ينزاح رويدا لكى يظهر المكشوف فى بلد كل الفضائح مكشوفه صح الله لسانك يا دكتور؟ واشكرك

    • زائر 14 | 7:43 ص

      مقال كشخة

      ماذا عن نواب الموالاة اين اختفوا ؟

    • زائر 13 | 7:09 ص

      يا بو علــــي لا جف حبر قلمك

      شكرا على هذه الكلمات الرائعة، واضيف بعض الاسئلة الاستنكارية:
      هل وجدتم أي من السكان الاصليين في العالم من يقبل بتبديل أسماء أشياء تتعلق بأصالة بلادة؟
      أليس مرتكب الجريمة دائما يشعر بأنه متهم؟
      هل يستطيع أحد من المسؤولين ان يرفع راسه قائلا: نعم بقيت في مصداقيتنا قطره؟
      لما لا زال الصمت الرسمي مطبق؟؟؟
      مع تحياتي لك شبل الأسد...

    • زائر 12 | 6:58 ص

      شكراً استاذ منصور على المقال

      توسيعاً لمقالك استاذي العزيز و للمصطلح الجديد الذي أطلقته ، يمكن القول بأننا أصبح لدينا هورة البحرين ألذي أصبح فيها المواطن يبحث فيها عن مكان يسكن فيه او فرصة عمل حيث الدستور يقول من حق المواطن العمل و السكن ووووو و لكن الذي يجده بأن العمل و السكن وووو يعطى لمن يؤتون بهم من ...... سوريا و الأردن و باكستان الذين لا يعرفون للحضارة و المدنية أي معنى .

    • زائر 9 | 5:26 ص

      أتفق معك

      لقد أبهرتني يا دكتور في طرح الفكرة العبقرية ...
      كيف لا وأنت ابن الشيخ العظيم الذي رفعنا في حياته ومماته ..وها أنت امتداد له...ونقول اللي خلف ما مات....
      وارجع مرة أخرى أطلب الوقوف بصف المظلومين في هذه القضية بالذات بكل الوسائل المسموحة لاسترجاع الحق لأنها قضية تحدد أن نكون أو لانكون...أي هي المحك لانتهاكات في حقوقنا مستقبلا...لا بد أن نحمل شعار (ما ضاع حق وراءه مطالب)

    • زائر 7 | 3:50 ص

      التاريخ يعيد نفسه

      تزوير التاريخ من ديدن هذه الفئة ، ولا تزال هذه التزويرات مستمرة في كل يوم بعد وهذه جماعة تعيث الفساد ولها سلطة سياسية مدعومة من على كثير من الوزارات ومنها الاسكان وبالخصوص وزارة التربية التي كل يوم نشرب منها سم وغصة.

    • كريم جعفر | 2:41 ص

      انما الامم الاخلاق

      اية امة لاتحترم حق الانسان فى الوجود فهى ليست بأمة انما هى امة مزورة مختلقة مثلها مثل هورتها "عورتها بالاحرى" فى حين قتلت فيه الشجر والحجر وفنيت نوابيع المياه فبالتالى لم يعد خلق الله الباقى له قيمة تذكر فى ظل مزاحمتها للوجودية الآلهية فهم يرفضون البتة جنة الخالق فى ارضه فما الحال فى جنانه الخلد الخالدة -نافلة القول انهم ملحدين الى النخاع

    • زائر 6 | 2:40 ص

      هذه بركات القلمان

      ألا تعتقد معي يا دكتوور أن مسألة هورة نويدرات هي من نتاج هذا البرطمان الكسيح والأعرج التركيبة والذي استكثر عليه حتى إسم برلمان لانه لا يستحقها.
      هذه نتيجة التركيبة والمحصلة لنواب الموالاة.
      فماذا استطاع نواب المعارضة من عمله فهم دخلوا هذا المجلس لكي يمنعوا الأسوأ أن يقع فها هو قد وقع فماذا استطاعوا تقديمه للناس.
      ألآن وقد تحقق أن خيار المقاطعة هو الأجدى فلماذا المكابرة؟
      هل لك أن تجيبني يا دكتور!
      هل لا زال هناك لديكم أمل في أن يحقق هذا المجلس شيئا حتى بعد 20 سنة!؟

    • زائر 5 | 2:33 ص

      الهورة

      ربما تكون أول صورة للهورة في مخيلتي تأتي من الرسوم المتحركة التي كنت اشاهدها في طفولي وكانت الهورة مكان لاصطياد البط والطيور ولم اكن أتوقع أن يأتي يوم وتشكل كلمة هورة في عقلي الباطني معنى للإنتهازية والطائفية لكن هذا ماحدث وتبين أن الطيور تحولت لبيوت وأن الصياد الإنتهازي كان ......

    • زائر 4 | 1:38 ص

      كلمة حق لابد ان تقال

      aشكرا والف شكر على هذا المقال الاكثر من رتئع حفظك الله وقلمك لخدمة الشعب البحراني المظلوم

    • زائر 3 | 1:13 ص

      لقد أسمعت لو ناديت حياً .. ولكن لا حياة لمن تنادي

      كل يوم نفيق على مشكلة وفتنة تحيكها أيادي لا تريد أي خير لهذا البلدونفوس لا تمتلك أي إحساس ولا مسئولية بأي نتيجة لهذه السياسات التي تنهش في جسم هذه البلد الممزق في كافة جوانبه

    • زائر 2 | 11:38 م

      لقد بح صوتنا

      لقد ناديت لوناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي, الاتلاحظ معي يادكتور ان البحرين اصبحت متخلفة في كل شي , في الحياة السياسية في الرياضة في اقتصاد في الفن في المرور بعد ان كنا سبقنا دولا خليجية وعربية ويبدو السبب هو حكومة المجنسين

    • زائر 1 | 11:18 م

      قلوبنا مع من ُظلموا ودعواتنا على من ظلمهم

      لو أن ماحدث بشأن إسكان النويدرات حدث في (أي) بلد آخر لكان أبسط ما يمكن أن يتم هو استقالة الوزير المعني بهذا الموضوع الخطير. بل ومحاكمة كل من استباح هذا المشروع وحاول أن يعتبره صيداً ثمنياً وحلالاً. كل القبح والطائفية والتمييز موجودة في أشخاص معروفة جيداً حتى (لو) قامت بتبديل جلدها فذلك لن يغير من التحريف والتزوير شيئاً.فما بالها وهي تزداد يوما بعد يوم قبحاً وفضاعة. هؤلاء معروفون بحقدهم وكراهيتم وسذاجة تفكيرهم ، ولا غرابة بتمسكهم بما يعتقدونه طالما فكرهم هو الضلال وعملهم هو الظلم واستئناسهم به.

اقرأ ايضاً