منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والصحافة السعودية تعج بأخبار الشاب الذي ظهر في برنامج «أحمر بالخط العريض» على قناة LBC الفضائية، أغلبها تهاجم الشاب، وتدين القناة المشار إليها، وبين هذين النوعين من المقالات والتغطيات الصحافية، هناك توتر شديد في المزاج الإعلامي بشكل عام.
وقبل إثارة الهواجس والتحليلات حول هذا المقال، أقول: إن مقالي هذا ليس لتبرئة المجاهر، وليس له دخل في الحكم الذي قد يصدر بحقه، ولا يعني الرضا بما جاهر به على الملأ، هو فقط إشارة إلى منطقة مغفولة ربما تكون الإشارة إليها مفيدة كما أظن.
فالصوت المرتفع والإعلام الصارخ ضد المجاهر ربما يكون له مردود سلبي، وخصوصا حين يتجه التركيز على العقاب وردة الفعل، مع الانصراف عن قراءة الحدث، ووعي مداليله، وفهم رسائله، ومن ثم القيام بمبادرات مدروسة لمن يحتمل أن يسلكوا دربه من الشباب.
لقد جربنا الصراخ بوجه الشاب الذي فاز في برنامج «ستار أكاديمي» والنتيجة أن الآلاف من الشباب والشابات استقبلوه في المطار، ومللنا الكتابة اليومية في صحفنا عن الشباب الذين يقعون في المصيدة وهم في حالات خلوة محرمة، لنثبت أننا ننجز تقدما في السيطرة على هذا النوع من الخلل، والنتيجة أن الحوادث تزداد، ولا أظن بعد حين أننا قادرون على التصادم أكثر مع اندفاعات الشباب، وخصوصا أننا بين الحين والآخر نشهد فصول مواجهة عنيفة بين الشباب والجهات التي أخذت على عاتقها متابعة الشباب، أما معامل الخمور السرية في بلادنا، والمخدرات التي تصل لأيدي الشباب، وغيرها مما يكتشف أثناء التهريب، فالجهات الرسمية تكشف لنا كل يوم المزيد عنها، مع علم الجميع بالعقوبة التي تنتظر من يتعاطى ويروج هذه المحرمات.
لست مع السكوت وعدم الحديث في هذا الشأن المهم، ولكني مع الحديث الهادئ الذي يتحرك في خطوط ثلاثة توازي ما لا زلنا نقرأه من تقريع وفزع وصراخ جراء المجاهرة الذي علق بها ذلك الشاب.
الأول: اقتراب الرسمي والشرعي من مشكلات الشباب لمعرفتها والتعامل معها من واقع الدراية والإحاطة، فمرحلة الشباب لا يمكن التعاطي معها بالعقوبات المجردة، والقوانين الصارمة والصراخ والانفعال، لأن طبيعة الشباب هي استعداد للتحدي والتمرد والصراع لإثبات الذات الشابة الجديدة، التي تريد أن ترى موقعها وأهميتها ولفتها للأنظار.
وهذا التمرد لا يمكن التعاطي معه خارج فهمه ووعيه من قبل الرسمي والشرعي، لأن قوانين الرسمي وأحكام الشرعي لا يمكن أن تعالج الموضوع خارج منطقة الفهم، مهما اكتظت بالعقوبات والأهوال والشدائد، وإن وصلت حد الجلد والسجن والإعدام.
الثاني: تغيير أساليبنا التوجيهية لجيل الشباب وتطويرها لتجاري مستجدات الحياة ومتغيراتها التي تلقي بظلالها على وعيهم وسلوكهم ونفسيتهم وطريقة فهمهم، إن أساليب الغير في جر شبابنا نحو الرذيلة متطورة وجذابة وحاضرة معهم في كل مكان، في الجرائد والمجلات والفضائيات ومواقع النت، وهي تمتلك إلى جانب ذلك دغدغة الغرائز الداخلية المتحفزة في الشباب، وهذا لا يمكن مواجهته بالمواعظ الخالية من التجديد والإثارة والجذب.
ما زلنا نحارب السينما (مثلا) مع أنها تصلح أن تكون منبرا هادفا إذا أحسنّا تقنينها، ويمكن أن تكون مكانا ترفيهيا نظيفا تحت نظرنا، بدل أن يسافر الشباب إلى الدول المجاورة فتنفتح عليهم أبواب جهنم بسبب الإغراء والأجواء الموبوءة.
الثالث: استيعاب استعدادهم الطامح للشعور بكيانهم كشباب محترمين وفاعلين عبر فتح العديد من الأطر الرسمية والأهلية والمؤسسات المدنية التي تخرج طاقاتهم وتفجر شبابهم، فالطاقات الشابة إما أن تستوعب وتتفجر في مؤسسات حاضنة ومفيدة، وإما أن تسلك دون ذلك من الطرق الملتوية، ولا خيار بينهما.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2530 - الأحد 09 أغسطس 2009م الموافق 17 شعبان 1430هـ