العدد 2530 - الأحد 09 أغسطس 2009م الموافق 17 شعبان 1430هـ

التعصب يدمر العلاقات بين الأمم

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تناقلت وسائل الإعلام تقرير صحيفة «الديلي تلغراف» اللندنية الذي يحذر من «أن أوروبا مقبلة على حقبة تغييرات اجتماعية، وأن الغرب في غفلة عن قنبلة زمنية ديموغرافية، تتمثل في تزايد مطرد للجاليات المسلمة المهاجرة، مما يهدد القارة الأوروبية بتغيرات جذرية لا يمكن تدارك أبعادها خلال العقدين المقبلين». وترفق الصحيفة تقريرها، بمجموعة من الإحصاءات التي توصل القارئ إلى نتيجة محددة مفادها «أن القارة الأوروبية مهددة من خطر تزايد عدد نفوس الجالية الإسلامية بين سكانها». ليست «الديلي تلغراف» هي المؤسسة الغربية الوحيدة التي تصدر عنها مثل هذه التحذيرات، فقبلها كان الكاتب الكندي مارك ستاين، مؤلف كتاب «أميركا وحيدة»، الذي ذهب إلى حد القول بأن «الهجرة وارتفاع معدلات المواليد ربما تعني أن المسلمين سيشكلون 40 في المئة من سكان أوروبا بحلول 2025». من السهولة فهم مثل هذه الموجة المعادية للمسلمين في أوروبا، عندما نشخص أسبابها التي يمكن تلخيصها في النقاط الأربع التالية:

1. فقدان الاستعمار الغربي لمناطق نفوذه، وعلى وجه الخصوص في البلدان الإسلامية، حيث انحسر هذا النفوذ من قارتي إفريقيا وآسيا، الأمر الذي أفقد الغرب عنصرين من عناصر الرفاهية التي كانت تستمتع بها مجتمعاته، والتقدم والنمو اللذين كان ينعم بهما اقتصاده. فمن جهة ضاعت من الغرب تلك البقرة الحلوب التي كانت تمد مصانعه، وبأسعار رخيصة جدا، بالمواد الخام التي يحتاجها، من قطن ومنتجات زراعية، وأخيرا مصادر الطاقة من نفط وغاز طبيعي، ومن جهة ثانية أقفلت في وجه بضائعه أبواب تلك الأسواق التي كانت حكرا على المنتجات الغربية، إما جراء تطور الصناعة في البلدان المستعمرة (بفتح الميم) أو لتفوق البضائع المنافسة القادمة من دول غير غربية مثل الصين وقبلها اليابان، وتنظم لهما اليوم بعض النمور الآسيوية الصغيرة، مثل تايوان وسنغافورة.

2. الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بالغرب، والتي يريد هذا الغرب أن يلقي بأسبابها وتبعاتها على أطراف أجنبية، فلم يجد أفضل من المسلمين شماعة يعلق عليها أسباب تلك الأزمة مستفيدا من كون المسلمين اليوم يحكمون الدول الممسكة بمصادر الطاقة من نفط وغاز طبيعي، والمتحكمة، إلى درجة كبيرة في قنوات تدفقها، إلى جانب سيطرتهم على خطوط تموينها الاستراتيجية، بدءا من الخليج العربي، مرورا بمضيق باب المندب، عبورا بقناة السويس، قبل وصولها إلى مصافي تكريرها في البلدان الأوروبية.

3. بروز الإسلام السياسي، بغض النظر عما يثيره من حوارت وقضايا جدلية، كقوة مناهضة للغرب، وعلى وجه الخصوص منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بنظام الشاه الحليف للغرب، وما تلى ذلك من انطلاق ظواهر إسلامية مسلحة من انماط تنظيم القاعدة. أدى ذلك إلى بروز الإسلام، بجميع طوائفه ومذاهبه، كقوة مناوئه للغرب، والفكر التنويري الغربي، ليس في مناطق النفوذ الغربي فحسب، وإنما في عقر داره، كما شاهدنا في الولايات المتحدة، وفرنسا، كأسطع مثالين على الحضور الإسلامي السياسي فيهما.

4. انحسار الفكر التنويري، القائم على ايدلوجيات النهضة الأوروبية، والقوى السياسية التي تبنته من معظم الدول النامية، الأمر الذي أفقد الغرب حليفا، ولا نقول جهة عميلة كي لايفهم القارئ خطأ ما نريد قوله، استراتيجيا كان يمكن أن يكون قناة اتصال وتواصل، فيما لو قدر لهذا الفكر أن ينمو وينتعش، ويتحول إلى ظاهرة سياسية، تتطور كي تصبح حضورا سياسيا يخاطب المؤسسات الغربية، وينسج علاقات تتناغم بصيغ مختلفة عن القائمة اليوم، معها.

بوسع المسلمين، والمؤسسات الإسلامية الرد على ما جاء في مقالة «الديلي تلغراف» وتفنيدها بالاستناد إلى مصادر غربية أيضا. يمكننا على سبيل المثال العودة إلى ما أوردته «الأوبزيرفر» البريطانية التي رصدت في أحد أعدادها تعرجات «الخط البياني لمشاعر الغضب والسخط في أوساط المسلمين في الدول الغربية، وكيف أن التنبؤات والهواجس بشأن حدوث ثورة تطرف جماعي بينهم لم يكن لها ما يبررها، بل أن تلك المخاوف أخذت مؤخرا تتلاشى وتضمحل».

وهناك الكثير من التقارير التي أصدرتها جمعيات حقوقية من أمثال مؤسسة حقوق الإنسان الأميركية، التي كشفت وبالأدلة الدامغة «عن تعرض المسلمين باعتبارهم أقلية في أوروبا لانتهاكات عديدة. ففي فرنسا أظهرت الاحصاءات الرسمية 480 جريمة عنصرية وكراهية موجهة للمسلمين خصوصا الجاليات العربية التي تنتمي الي دول شمال افريقيا، وهي تمثل 68 في المئة من نسبة الجرائم ضد الأجانب». أما في السويد فقد سجلت في عامي 2006 و 2007 بلاغات عن 458 جريمة كراهية ضد المسلمين. وفي هولندا قالت إحصاءات رسمية «إن عامي 2007، 2006 شهدا 144 حادث عنف ضد المسلمين».

لكن ذلك لن يوصل المسلمين، ومعهم القوى المعتدلة في الغرب إلى أسلوب متحضر للتفاهم يؤسس لبناء علاقات استراتيجية حضارية تقوم على البحث عن عناصر اللقاء والتجاذب فتعززها، وتفتش عن عوامل التباعد والتنابذ من أجل تقليصها وصولا إلى إنهاء أسبابها. وفي غياب الحوار الحضاري القائم، عند الأطراف كافة، على القبول بالآخر والإصرار على التعايش معه، تتراجع مساعي السلام، وتحل مكانها طبول الحرب، والأسوأ من كل ذلك، تجد العناصر المتطرفة لدى الجانبين التربة الخصبة التي تزرع فيها أحقادها، وتجني من خلالها ثمار تأجيج الصراع بين الأديان المختلفة. والضحية لكل شحنات من الحقد المتبادل هو الإنسان، والمواطن العادي، بغض النظر عن الديانة التي ينتمي لها. وليس هناك أسوأ من التعصب كعامل مدمر لأي شكل من أشكال الحوار بين الأمم والأديان.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2530 - الأحد 09 أغسطس 2009م الموافق 17 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً