مر عام على رحيل صاحب «مدائح لحصار البحر»، و»لماذا تركت الحصان وحيدا»، و»ورد أقل».
رحل وفي الذاكرة معجم فخم وثري ومرعب. مرعب من حيث سابقته في اللغة الشعرية العربية، وفخم من حيث بساطته، وأحيانا ما يشبه مباشرته.
مر عام على رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش (9 أغسطس/ آب 2008) فيما ظل الصوت المتفرد في القارة الشعرية العربية منذ مطلع القرن، قادرا على احتلال مساحة في المشهد الشعري العالمي، هي في الصميم من التقدير والإعجاب.
له ماله، وعليه ماعليه، لكنه يظل أكثر الأصوات الشعرية قدرة على إدخال «العادي» و»البسيط» في مساحة النقيض منهما. في مساحة شعرنة المهمل من تفاصيلنا ويومياتنا، وتوهم نسيان تلك التفاصيل التي يلتقطها ببراعة الجراح في «البتر» والفنان في «الوصل»!
هل تكفي ذكرى عام على رحيل صاحب «هي أغنية... هي أغنية» و»سرير الغريبة» و»كزهر اللوز أو أبعد» و»جداريات» كي نذهب في تلفتنا إلى أغنيات صودرت، وسرير تم احتلاله، ولوز صار مرا كتفاصيل التشرذم الذي نحياه؟ وجداريات تحاول عبر القفز وتجاوز «المجاز» أن تضع الجدار والسور العنصري العازل أمام الضمير الإنساني، بعيدا عن انشغالاته بالتلوث والاحتباس الحراري، فيما البشر في تنور كوني بمثابة مادة للتدفئة. جداريات تحاول أن توصل رسالة احتجاج وحضور في ظل أكثر من قيامة للحصار المقنن، وصمت مظلات دولية آثرت النأي بنفسها عن الاحتجاج!
مر عام وصاحب «أحد عشر كوكبا» و»عابرون في كلام عابر» و»مأساة النرجس، ملهاة الفضة»، يضيء الزمن الشعري، إن لم يكن الزمن السياسي، ويضئ العبور باعتباره بصمة حضور في الزمان والمكان، ويضيء المأساة باعتبارها نرجس الفلسطيني، والمصادر حقه في الحيز من المكان والهواء، ويضئ ملهاة العرب بشكل مستفز علَّه يطفئ يأسهم بالخروج من المأساة!
هل يحدث ذلك؟ الخريطة لها رأي آخر! وفي منطق الخرائط الذي أمعن فيه درويش، تصل إلى الحقيقة الآتية: من لم يحصن نفسه بمسلَّمة وضرورة وحق البقاء، لن تحصنه أي خريطة في الدنيا
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ
