العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

النفوذ البرتغالي في البحرين... معالجة جديدة ووافية

المتابع لحركة التأليف التاريخي في البحرين يجد ندرة في تلك المؤلفات التي تبحث بعمق في فترة الاحتلال أو النفوذ - كما يفضل البعض - البرتغالي. فالجهود التأليفية تعد قليلة نسبيا، والاجتهادات في قراءة هذه الفترة تحديدا أقل بكثير مما ينبغي لتأمين صورة جلية لما كان عليه الوضع من جميع الجوانب، ومن مختلف الزوايا والأبعاد.

لقد كتب عدد من المؤلفين عن هذه الفترة من تاريخ البحرين بشكل عرضي سريع، وفي سياق عام أحيانا، يستهدف بالدرجة الأولى تقديم عرض سريع لمختلف المراحل والحقب التاريخية، ومن ضمنها فترة النفوذ البرتغالي. والمدقق في الكتابات التاريخية بالكاد يعثر على أبحاث موسعة تفصيلية في المسألة البرتغالية بشكل مفرد، هناك بالطبع جهود لا يمكن إغفالها حاولت استنطاق هذه الفترة نذكر منها على سبيل المثال مشروع عيسى أمين الموسوم بـ «الموسوعة البرتغالية»، وهناك أيضا اجتهاد محمد السلمان، وخالد آل خليفة، وعلي أبا حسين وغيرهم ممن أفردوا الدراسات والمؤلفات لسبر هذه المرحلة.

ولكن بصدور كتاب فوزية الجيب «تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1521 - 1602)»، ربما يمكن القول باطمئنان إن هذه الفترة قد بدأت تلقى العناية اللازمة على مستوى البحث والتمحيص، لاسيما أن الكتاب قيد العرض هو في الأصل أطروحة علمية نالت عليه صاحبته درجة أكاديمية. إن هذا الكتاب الكبير يحاول إضاءة ما استغلق على الافهام بشأن هذه المرحلة التي لا يمكن وصفها إلا بالغامضة، وخصوصا ان امتدادها الزمني كان كبيرا، وعليه فإن تأثيرها هو كذلك.

وقد حاولت الجيب قراءة هذه المرحلة بصبر وأناة لا في سياق التدخل البرتغالي المباشر في البحرين فحسب، ولكن من حيث البحث في موازين القوى العالمية التي سادت تلك الفترة، وفي ضوء حركة الكشوف الجغرافية المتسارعة في تلك المرحلة، وصولا إلى جلاء هذا الغازي، مخلفا وراءه ما يدل على شراسته وعنفه.

تقول الجيب في مقدمة كتابها: «لقد درج المؤرخون على دراسة فترة الوجود البرتغالي في الخليج كحقبة تاريخية ذات طبيعة متسقة وسمات كبرى بارزة ومعروفة وآثار منتشرة على مناطق الخليج بشكل موحد ومتماثل إلى حد بعيد من دون الأخذ في الاعتبار بطريقة واضحة خصوصية كل بقعة من بقاع الخليج المتميزة بشعبها وطبيعتها وموقعها وأوضاعها الاقتصادية وآليات الحكم فيها».

يتألف الكتاب من مقدمة وخمسة فصول: الأول وعالجت فيه الجيب الأوضاع العالمية في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، وموقع البرتغال المميز في إطارها على أربعة مستويات متصلة بالوضع في القارة الأوروبية من مختلف الجوانب، وبالوضع الخاص بالدولة العثمانية، وبالمنطقة والبحر الأحمر، وأخيرا بالأوضاع السياسية في الخليج العربي قبيل الغزو وأثناءه. أما الفصل الثاني فعالجت فيه المؤلفة أوضاع البحرين قبيل دخول البرتغاليين من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، إضافة إلى وصف لما كانت عليه البحرين تلك الفترة ديموغرافيا. أما الفصل الثالث فيتناول وضع البحرين تحت الاحتلال البرتغالي، من حيث الدوافع والأسباب، ونمط الحكم البرتغالي، إضافة إلى ردات فعل الأهالي تجاه هذا المستعمر والثورات التي حصلت احتجاجا على هذا المستعمر، أما الفصل الرابع فيتناول قضية الصراع على منطقة الخليج بين البرتغاليين والعثمانيين، ويختتم الكتاب بذكر مختلف العوامل والظروف والأسباب التي أسهمت في إنهاء الوجود البرتغالي وذلك بسبب ظهور قوى عالمية منافسة.

وبقراءة خريطة الكتاب الدالة، يجد القارئ المهتم بقضايا البحرين التاريخية وخصوصا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، خطوة حقيقية أولى في سبيل استكشاف ملامح تلك الفترة بشيء من التفصيل، ووفق منهجية بحث منضبطة، والأهم من ذلك أنه لم يكن هناك سعي إلى تحليل النتائج فحسب واستنساخ ما كتب سابقا عن الموضوع، بل ثمة حديث مفصل عن الأسباب والأوضاع التي أسفرت عن هذا الغزو/ الاحتلال من جميع النواحي، والظروف العامة في خصوصية كل وضع على حدة، بما يسهم في إضاءة المشهدية عموما، وفي تركيب الصورة بأجزائها المبعثرة، ثم في التحليل للوصول إلى الخلاصات.

فوزية الجيب. تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1512 - 1602). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2003 م، 288 صفحة

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً