تحدث تقي البحارنة عن الشيخ الحلي الذي ولد في مدينة الحلة سنة 1300هـ (1882م) ثم انتقل لطلب العلم الى النجف الاشرف في سنة 1314هـ (1896م). وما اكتملت سنة 1320هـ (1900م) (وكان عمره عشرين عاما حينها) إلا وهو «من يومأ اليه في اتقان فنون العلم والتفوق على ذوي السن من الفضلاء المشهورين»، وذلك حسبما اشارت السيرة الذاتية للشيخ المكتوبة.
وقد تتلمذ الشيخ الحلي على يد عدد من شيوخ الفقه المشهورين في النجف مثل المحقق الشيخ ملا محمد كاظم الخراساني، والشيخ محمد ذهب، والسيد محمد بن السيد محمد تقي آل بحر العلوم الطباطبائي، وتقدم في دروس الفقه تقدما كبيرا جعل استاذه يكلفه بكتابة درسه الذي يلقيه عليهم من كراسته ويعلق عليه شرحا في «تبصرة العلامة».
كما أن الشيخ الحلي تتلمذ بعد ذلك على يد العلامة الشيخ فتح الله الشيرازي الاصفهاني النجفي المدعو بـ (شيخ الشريعة) اذ لازمه أكثر من 17 عاما حصل بعدها على اجازة من الشيخ الشيرازي في الرواية، وكانت الاجازة مبسوطة جدا كما درس علم الكلام والحكمة النظرية على يد العلامة السيد أحمد الكربلائي، وفي الرياضيات وعلم الهيئة على الشيخ مهدي من آل قفطان.
ثم تكلم البحارنة عن صفات الشيخ الحلي العلمية، وذكر انه كان شديد الذكاء سريع الحفظ، وقد يحفظ الخطبة أو المقطوعة الشعرية اذا سمعها لمرتين، ويستحضر الشيء الكثير من قواميس اللغة وكتب الفقه والشواهد الشعرية، أما موهبته في الشعر ونظمه له فيقول على لسان الشيخ فيما ذكر من سيرته الذاتية «ان رغبته تأكدت بسبب اعتقاده الباقي للآن... واعتقاد أصحابه ان الاجتهاد الكامل يتوقف بنوع خاص على معرفة الفنون الأدبية».
كما أشار المحاضر الى ان مواقف الحلي الوطنية ومنها اشتراكه في الثورة العراقية الكبرى العام 1920 وحمله السلاح مع المقاتلين للذود عن الوطن.
ثم اورد المحاضر ابياتا ممتازة من قصيدة الحلي «الحنين الى الوطن» التي يصف فيها مشاركته في تلك الحوادث ومنها قوله:
... لها تحملتُ ما تفنى النفوسُ به
يا حيّ من بقيتْ أوطانه وفني
كم غمرة خضتها للذبّ عنه وما
غامرتُ بالنفس في يوم من الزمن
ونار حرب له كنت اشتملت بها
كالماء أفرغه بردا على بدني
إنْ عربد المدقع الرعاد قمتُ له
شوقا... وما قمتُ من خوف ولا جبنِ
وان دوت من فم الرشاش زمجرة
حسبتها نغمة الاوتار في أذني
أبيتُ في خندق ضنك فأحسبه
غمدا... أقام به سيف بن ذي يزنِ
وأستلينُ به الاحجار أحسبها
مهدا... ولولا هوى الاوطان لم تلنِ
إني أغار عليها ان تدنسها
أو أن تمد لادناها أكفُّ دني
يا أيها الوطنُ المحبوب لا برحتْ
منك المواطنُ في أمن من الفتن
أفديك بي، إن غدافى لحظ باصرة
موتي ومحياك مقرونين في قرنِ
ثم قدم الشيخ عبدالحسين الحلي الى البحرين في العام 1956 بدعوة من حكومتها ليصبح قاضي التمييز الشرعي الجعفري في محاكمها، وقد حفلت مدة وجوده في البحرين بجهود ومبادرات الحلي سواء في مجال التمييز الشرعي أو في مجال تدريس الفقه، أو المشاركة في انشطة البحرين الأدبية من خلال نادي العروبة، ومواسم الادب والثقافة والشعر والخطابة.
كما ساهم في صحيفة (البحرين) ثم في مجلة (صوت البحرين)، وكان مجلس الشيخ منارة للعلم اذ كان يأنس لمجالسه الشباب المتعلم بالاضافة الى مشايخ العلم وطلابه.
وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى استعراض كتابات الشيخ الحلي ومخطوطاته فذكر انه بالنسبة إلى الطبع فهناك كتاب واحد للشيخ تم طبعه في النجف الاشرف وعنوانه: «النقد النزيه» وهو يتضمن ردا على الآراء الاصلاحية للزعيم الاسلامي السيد محسن الأمين فيما يتعلق بالشعائر الحسينية.
أما الابحاث والمقالات التي نشرت في الصحف والمجلات فمعظمها نشر في النجف عن طريق (منتدى النشر) ومجلة (الاعتدال النجفية)، وأهم ما نشر في هذا المجال ما يأتي:
1 - مقدمة عن حياة الشريف الرضي من شعره، كتبها الحلي تصديرا للجزء الخامس من كتاب «حقائق التأويل في متشابه التنزيل» تأليف الشريف الرضي... والذي قام منتدى النشر باصداره تحت اشراف لجنة من أعضاء منتدى النشر، وقد تولى شرح النسخة الاستاذ محمد الرضا آل كاشف الغطاء، وأصدر المنتدى هذا الكتاب العام 1936م واستغرقت مقدمة الشيخ الحلي زهاء 92 صفحة وذكر الحلي في مخطوطة البحث انه اضطر إلى الاختصار والشطب منها بعد ان جاء ما كتبه عن الشريف «كتابا لايستهان بمقداره ولا يستصغر حجمه».
وقد اشار الدكتور زكي مبارك في كتابه «عبقرية الشريف الرضي» الى مقدمة الحلي بوصفها مرجعا للبحث واعتبر ان منتدى النشر باصداره هذا الكتاب قد ملأ فراغا في المكتبة العربية وانه لم يجد حاجة بعد تلك الدراسية القيمة إلى تأليف المزيد.
2 - وما نشرته مجلة (الاعتدال النجفية) للشيخ الحلي في العام 1935 مقالة يصحح فيها الحلي معلومات وردت في محاضرة «المسيو ماسنيون» المستشرق الأمزتيني والتي نشر خلاصتها زكي مبارك في مجلة (الحديث) الحلبية وذلك فيما يتعلق بتمصير الكوفة وانساب القبائل العربية.
3 - دراسة قيمة ذات منحى دراسي جديد عن الشعوبية في القرن الثاني والثالث الهجري نشرت في (الاعتدال) في ستة اعداد ضمن 39 صفحة.
4 - قام الحلي بتحقيق نسخة مشوهة من ديوان (مهيار الديلمي) واكمال ما نقص منها وتصحيح ما وقع فيها من اغلاط، واثبت الحلي في هذا العمل مقدرته الفائقة التي كان مشهودا له فيها بالصبر والمعاناة في التحقيق، اذ تم طبع الديوان منقحا في بغداد.
5 - من المرجح ان للشيخ الحلي مقالات مطبوعة غير ما ورد ذكره اعلاه لم تصل لأيدينا بعد.
6 - وقد نشرت للحلي في البحرين مقالات متعددة وقصائد شعرية وفتاوى دينية في صحيفة (البحرين) ومن بعدها (صوت البحرين) كما تعتبر حيثيات الاحكام ومقدماتها خلال ممارسته للتمييز الشرعي مرجعا للباحثين والدارسين.
ثم انتقل المحاضر بعد استعراض الآثار المطبوعة للحلي الى ما أمكن حصره من مؤلفات الشيخ المخطوطة والتي لم تجد بعد طريقها إلى التحقيق والنشر وذكر من بينها ما يأتي:
1 - الفلك القديم والحديث، وهو كتاب وجيز في علم الهيئة، ولم يعثر على النسخة بعد.
2 - ينابيع الاحكام في علم اصول الفقه، ونسخته موجودة تحتاج الى تحقيق.
3 - رسالة عملية في الاحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والطهارة الى غير ذلك وتتكون من نحو 101 صفحة وهي موجودة، وردت في بعض المراجع تحت اسم «اللمحات القدسية».
4 - منظومة في الاخلاق والآداب من الف بيت، وماتزال مفقودة .
5 - مصارع الكرام في وفيات النبي والأئمة عليهم السلام، وماتزال مفقودة.
6 - الشجرة الملعونة، وهو مخطوط فلسفي يرد فيه على (النصولي) وهو غير موجود.
7 - دين الفطرة، وهو مخطوط ديني فلسفي يلائم روح العصر الحاضر من جزئين: الأول في آراء الملل الكبرى في العالم وهو موجود بخط الحلي. والثاني في محاسن الشريعة الاسلامية أصولا وفروع، وهو مايزال مفقودا.
8 - الاصنام المعبودة في الاسلام، وهو مخطوط يتعرض فيه لاصل الشيعة ويرد على أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام».
9 - مخطوط في علم التفسير يتناول ما يعم التأويل في القرآن وترتيب السور مخالفة لترتيب النزول والقراءات ورسم المصحف الشريف وكتابته الى غير ذلك والموجود منه صفحات لا تتجاوز اثنتي عشرة صفحة.
10 مخطوط يتضمن تراجم للعلماء والأدباء ورواة الحديث وغيرهم ويتكون من 32 صفحة وهو موجود.
11 - رسالة في ترجمة استاذه (شيخ الشريعة) لم نجد لها اثرا.
12 - شرح (العروة الوثقى) وهو محفوظ كبير يتكون من 326 صفحة تقريبا. وهذه المخطوطة ذات أهمية خاصة في اعمال الفقه وحلقات التدريس وهي موجودة بحاجة الى تحقيق لكثرة الهوامش والشروح فيها والتشطيب.
13 - كتاب عن جعفر من محمد، ولم يكمل بسبب وفاته ولم نجد منه شيئا فيما ترك في البحرين، اذ ان معظم اصول المخطوطات تم ارسالها الى ابن الشيخ الاكبر في العراق.
14 - دراسة عن أبي فراس الحمداني الشاعر المعروف لم تصل الينا بعد.
15 - ديوان شعر الحلي: والاصل منه في العراق والموجود لدينا بخط ابنه محمد هادي ويحتاج إلى مقارنته بالاصل لتصحيح الاخطاء، وفيما عدا ذلك قام الحلي بنفسه باعداد مقدمة عن سيرة حياته (على ما اعتقده المحاضر) ووضع عناوين القصائد ومناسباتها... ولعل الديوان هو ايسر مؤلفات الحلي للنشر.
هذا وفي ختام المحاضرة توجه تقي البحارنة إلى الحضور بهذه الفقرة الختامية:
«أيها الحفل الكريم، كم هو جميل ان يتجول العالم والاديب أو طالب العلم والادب، من أفياء بستان الشيخ الحلي العامر بالثمار ليجني كل منهم ما شاء من علم وفقه وأدب وشعر وسيرة واجتماع... ولو قدر ان يوجد في هذا البلد المتطلع إلى المعرفة من يتفرغ من اساتذة الدراسات العليا او طلابها للبحث الجاد في كتابات الحلي والتحقيق في مخطوطاته وفي شعره وأدبه، وكلها ماتزال بكرا.. فإن بحثه سيحظى على ما اتوقع - بدرجة عالية من الامتياز، وسيكون كسبا في الوقت ذاته للبحرين - مثواه الاخيرة - كما للنجف ملعب صباه ومدرسته في الفقه والثقافة والشعر والادب.. بل هو كتب لنشر المعرفة وخدمة الفكر اينما كان مصدره
العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ