ربما لعقد مقبل سيظل الفكر العربي يعيد إنتاج نفسه وبمشهدية ساذجة، ينسى معها ماقاله... ناقضا حضوره ومدلا على غيابه.
(2)
مالم يحطم ذلك الفكر آلياته الصدئة، فسيعمد ذاتيا إلى خلق الحواجز والمعوقات التي تحول دون إطلالته ووقوفه على مواضع الخلل في طريقة التفكير والأساليب المفترض بها أن تجلي تلك الطريقة وتقدمها إلى العالم في صورتها الرزينة والقلقة في آن معا.
(3)
الأزمة والشح يكمنان في النظر... فيما التنظير يعيش عصر الوفرة... ألا يدل ذلك على عمى قائم؟ وتلمس للطرق المعبدة في أنفاق تؤدي إلى مواجهة قطيع من الثيران الهائجة... فيما العتمة مستحكمة؟.
(4)
العلمانيون يقصون الإسلاميين... والإسلاميون يقصون العلمانيين... والمعارضة تقصي السلطة... والسلطة تقصي المعارضة... والرقيب يقصي الكاتب... والكاتب يقصي الرقيب... والمواطن يقصي الغربة... والغربة تقصي المواطن... والتفكير يقصي الحجْر... والحجْر يقصي التفكير... الكل يقصي الكل... هل أصبحنا أمة شغلها الشاغل الإقصاء؟... هل نستطيع التحدث عن «منتج» حصري لنا دون أمم الأرض؟.
(5)
كيف يتسنى لأمة إنتاج فكر مؤثر وفاعل في ظل هكذا واقع وفي ظل هكذا تركيبة ذهنية ونفسية ومجتمعية وسياسية كالتي نحن عليها؟... ألا يعمل كل ذلك على القفز على الواقع في الصميم من مشكلاته وعقده ومآزقه تلمسا لفضاء وعالم مصطنع؟ وعلى ضوء ذلك ألا يكون الفكر الذي ينتج عن ذلك الفضاء والعالم هو الآخر مصطنعا؟.
(6)
فكر يدعي الإنعتاق من أغلال انتجتها وطرقْتها السلطة... فيما هو ينتج سلطته الداعمة - بوعي ودون وعي - لممارسة تتراكم مع الزمن عبر مزيد من الإجترار وبث لاستنتاجات لن تتمكن من تجميل وتزويق البشاعات والقبح المستشري، في الوقت الذي ستظل فيه عاجزة عن تبشيع وتقبيح ما يُظن انه جميل.
(7)
الكيانات تهزم وتهشم من الداخل، فيما فكرنا منشغل بالخارج بكل عرائه ووحشته دونما إعمال تفكير وجاد نظر في الأسباب التي أدت إلى استشراء ذلك العراء وتلك الوحشة.
(8)
ثمة أخلاقيات غائبة أو مغيبة تتحكم في نسبة الصدقية في التصدي للإشكالات التي تعاني منها المجتمعات العربية، تلك الأخلاقيات تحضر حسب الضرورة، ولأن حضورها غالبا ما يكون طارئا أو مؤقتا أو مفتعلا، سيكون مفعول ومردود ذلك الفكر هو الآخر طارئا ومؤقتا ومفتعلا.
(9)
أن لا تستجوب ذلك الفكر... أن لا تستثيره أولا تشير اليه بإصبع الإتهام... أن لا ترفضه، يعني ذلك أنه نجح في تفريخ نماذج تُقبل على النص وهي مشحونة بالهيبة ومحصنة بموهبة الإستماع والتلقي فحسب.
(10)
وهنا يحق للسلطة... أية سلطة أن تشرب نخب انتصارها حين تتيح للنخبة هامشا تتحرك فيه، لتجد النخبة نفسها في نهاية المطاف في غابة من المتاهات التي لا تعد بمخارج.
(11)
فكر يكثر من «إن» التوكيد، يعمد إلى حرمانك من الحق في الشك... ويقصي حقك في القلق
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 251 - الأربعاء 14 مايو 2003م الموافق 12 ربيع الاول 1424هـ