... وهكذا نقترب من انتهاء الدورة الاولى من البرلمان بشقيه المنتخب والمعين وينتهي عام شهدنا فيه صعودا وهبوطا ومجالات تتفتح واخرى تنغلق، وتقدم وتأخر، ومرواحة في بعض الاحيان. والسؤال الذي يتردد على ألسنة كثير من الناس: هل نحن في حال احسن مما كنا عليه من قبل؟
الجواب ليس واحدا ولا يمكن ان يكون مختصرا؛ فمن المؤكد اننا من ناحية الحريات السياسية افضل، اذ لا توجد سجون سياسية ولم يتم ايداع احد في السجن بسبب رأيه، على رغم وجود محاولة او محاولتين لفعل ذلك. ومازالت التأكيدات الصادرة من القيادة السياسية بأن الاصلاحات ستستمر وان ما مررنا به ما هو إلا بدايات على الطريق قابلة للتطور.
بدأنا الحياة النيابة تحت اجواء من الشك من اطراف مهمة قاطعت الانتخابات ودخلت جماعات اخرى استفادت كثيرا من الفراغ الذي انتجه غياب قوى اساسية في حركة المجتمع اليوم. فصائل المعارضة التي قاطعت الانتخابات بدأ تأثيرها على الحوادث ينخفض بسبب الانهاك الذي تتعرض له وهي خارج دائرة النفوذ. الآخرون الذين دخلوا لم يلبوا طموحات الشعب إلا القليل منهم وفي مجالات معينة. المنتخبون تمت مساواتهم بالمعينين، بل ان المعينين لهم مميزات افضل في عدة جوانب. وهذا اثقل العملية التشريعية التي ازداد حجمها عن المطلوب. فكدولة صغيرة لسنا بحاجة إلى ثمانين مشرعا، فأربعون يكفون ويزيدون وكان بالامكان انتخاب خمسة وعشرين وتعيين خمسة عشر أو انتخاب عشرين وتعيين عشرين لتحقيق الغرض نفسه ولكن بكلفة اقل.
الكلفة الباهظة للعملية التشريعية تزداد مع الأيام واعضاء المجلس النيابي والشورى وجدوا فرصة سانحة للوصول إلى مستوى معيشة مرتفع جدا. فعدد غير قليل منهم ازداد دخله عشر مرات أو أكثر بصورة فجائية وبمجرد دخوله البرلمان. وهذا الازدياد في الدخل مؤهل لزيادة اكثر، مع ازدياد مطالب اعضاء البرلمان بعلاوات لكل شيء، بما في ذلك علاوة «بشت».
إن مجموع هذه العوامل قلل من فاعلية السلطة التشريعية، ولذلك فلا غرابة من محاولة بعض الهيئات التنفيذية ارجاع الامر إلى ما كانت عليه الاوضاع سابقا. فقانون الصحافة والنشر فرض على الشعب على رغم انه يخالف (مئة في المئة) ما اقترحته لجنة تفعيل الميثاق برئاسة سمو ولي العهد ويخالف ارشادات سمو رئيس الوزراء بتعديله. وحتى مشروع القانون الذي تتداوله الحكومة الآن قامت وزارة الإعلام بطرح رأيها عليه واعادت تأكيد نصوص قمعية. ولا يعلم الا الله نهاية هذا القانون، وفيما اذا كان هناك من النواب من لديه وقت للدفاع عن الحريات العامة والوقوف امام هذا التجاوز لاساسيات الديمقراطية.
ثم ان هناك العمل النقابي الذي حقق طفرة بإعلان الاتحاد العام لعمال البحرين ولكنه تراجع بعد منع موظفي القطاع الحكومي من العمل النقابي ومنع الجمعيات المهنية من التحول إلى نقابات حقيقية.
والاتحاد النسائي لم يتقدم خطوة واحدة منذ السماح له بالتأسيس لعدم اكتمال الاطار القانوني بشكل صحيح. اما الاتحاد الطلابي فمازال من الممنوعات والطلاب اضطروا إلى الدخول في مجلس الطلبة الذي لا يسمح بقيام اتحاد طلابي مستقل يمثل مصالح الطلاب.
ثم ان هناك الإصلاح الاقتصادي بعيد المدى. فلكي تتحول العملية الاصلاحية إلى نهج حياتي لابد من تغيير بعض الامور لكي يدعم الاصلاح الاقتصادي عملية الاصلاح السياسي. ولكي تتحرك العملية الاصلاحية الاقتصادية فإن طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع يجب ان تتغير ايضا.
الحكومة تود ان تقلل وتنهي العجز في الموازنة، وهذا لن يتحقق إلا اذا سلمت قطاعات مهمة إلى القطاع الخاص والقطاع الخاص لن يتحرك بقوة إلا اذا شعر بأن هناك نظاما متطورا للاجراءات يحميه من تسلط مسئول أو تأخير دائرة أو تلاعب شخص ما.
والحكومة ستضطر إلى ان تفرض ضرائب في المستقبل وتصارح المجتمع بأن كثيرا من الرسوم الحالية هي ضرائب فعلا. وقبل ان تأخذ ضرائب فإن الضمان الاجتماعي يجب ان يمدد لحماية المواطنين الذين ليست لهم وظائف، أو الذين لا يكفي دخلهم مصاريف اسبوع واحد بحسب اسعار السوق.
ولكي تستطيع الحكومة المضي في الاصلاح فإن عليها ان تفتح وتشجع الاستثمار الاجنبي، وهذا الاستثمار لن يأتي بكميات كبيرة اكبر مما هي عليه الآن إلا اذا كانت هناك محفزات وشعر المستثمر الاجنبي ان امواله التي يستثمرها في البحرين تستطيع ان تتحرك من دون ضياع في البيروقراطية أو من دون الحاجة إلى إدخال شخص مسئول لا يعمل شيئا ولم يقدم شيئا كشريك في الاستثمار.
ان الاصلاح ينتج عنه تغيير ملموس في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولة والمجتمع وهذا التغيير الملموس بحاجة إلى دعم متواصل من دون عرقلة أو مماطلة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 251 - الأربعاء 14 مايو 2003م الموافق 12 ربيع الاول 1424هـ