بعدما أضرمت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية بكثافة نيرانهما الصاروخية حريق العراق الضخم، الذي قوض بجميع أركان الدولة العراقية، وحوّل آلاتها ومعداتها العسكرية وجميع مخزونها الثقافي من آثار وعلوم إلى رماد. تقدم الغزاة في غياب السلطة المحلية لكي يستولوا على الغنيمة الكبرى التي تقبع تحت الأرض، متصورين أن الطريق باتت لهم سالكة، إلا أنهم فوجئوا بنار من تحت الرماد تحرق أرجلهم. هذه النار لم تكن من فعل الشعب العراقي المحطم، أو إحدى الدول العربية المرعوبة من أميركا أو الجامعة العربية المهمشة، إنما كانت بفعل الدول الغربية المناوئة للتسلط الأميركي وحب السيطرة لدى الساسة الأميركان والانجليز، الذين كلما واجهوا مشكلة اقتصادية أو أزمة سياسية في بلدهم، اختلقوا الكذب، وأصروا عليه وصدروا بالقوة العسكرية الجبارة التي يمتلكونها مشكلاتهم إلى البلدان الأخرى مهما كانت النتائج ومهما جلبوا من دمار، المهم أن تحل مشكلاتهم.
إن هاجس الانهيار الاقتصادي كان همهما الأول، وكانت الدولتان، أميركا وبريطانيا اللتان حولت عيونهما وهما تراقبان الأموال العربية والإسلامية، تتحسسان الفرص للإجهاز عليها بأي شكل من الأشكال. مرة من خلال دفع هذه الدول إلى الاقتتال وتزويدها بالسلاح وإطالة أمد الحرب بينها من أجل تغذية اقتصادهما، وتدوير مصانعهما الحربية علاوة على تجربة أسلحتهما على أرض الواقع بثمن مدفوع. ومرة أخرى عن طريق تجميد أموال وأرصدة بعض الدول. وأخرى بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول بتجميد الأرصدة الشخصية للمؤسسات والأفراد.
كل ذلك النهب من الدول الضعيفة بجانب الحياة الفاخرة التي يعيشها الشعب الاميركي والانجليزي على حساب الدول الأخرى لم يكفِ، فكلما نظر أولئك المتسلطون إلى بعضهم بعضا قالوا هل من مزيد.
كذبوا وصدقهم العرب حتى أطاحوا بالدولة الإسلامية، ثم كذبوا وصدقهم العرب حتى حلت بنا نكبة فلسطين، ثم كذبوا وصدقهم العرب حتى احتلوا أفغانستان، ثم كذبوا وصدقهم العرب إلى أن احتلوا العراق. والآن وبعد أن صدق زعماء العرب وخصوصا المعارضين من العراقيين بالداخل والخارج أكاذيب أميركا وبريطانيا، وفضلوا أن يتجرع الشعب العراقي سموم الدمار من أجل قتل أو التخلص من الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأعضاء حزب البعث، هل يجوز بعد أن غابت السلطة طمس هوية هذا الشعب؟ وهل نكتفي نحن بإرسال المساعدات الطبية والعينية والأغذية في حين يقوم الغزاة بأعمال النهب والقتل، أم انه من الواجب على الأمة العربية والإسلامية أن تضع يدها في أيدي أولئك الشرفاء من الساسة الغربيين الذين يعرفون أميركا وبريطانيا جيدا، ولا يهابونهما في شيء، وينأون بأنفسهم عن مشاركتهما في جريمتهما بعد أن اتضح زيف ذرائعهما حتى لا تحل اللعنة بالعالم وتتكرر المأساة الهتلرية. بالأمس وقف وزير الدفاع البريطاني جيف هون ليقول إن الكشف عن أية اسلحة دمار شامل بالعراق سيكتسب صدقية إذا تحقق منه جهاز مستقل بعيدا عن مجلس الأمن لأن أميركا ليست متحمسة لفريق بلكيس والبرادعي اللذين يمثلان المجلس ولا شك هنا أن السبب واضح من رائحته العفنة من الجانب البريطاني. وفي الأسبوع الماضي أطلقت أميركا قرارها بإنشاء محكمة خاصة للنظر في الجرائم التي ارتكبت في العراق وهي بلاشك جرائم كبيرة وكثيرة وبشعة. والسؤال هنا مَنْ سيحاكم من؟ ومن المتهم؟ هل هو صدام حسين الذي صنعته أميركا ثم ارتدت عليه كما فعلت مع بن لادن؟ أم ان أميركا وبريطانيا اللتين خدعتا العالم بأسره وخرجتا عن الشريعة الدولية وجوعتا شعب العراق مدة اثنتي عشر عاما ثم أجهزت عليه لتسرق نفطه هما المفترض أن تحاكما دوليا؟
إن نار الكذب التي اشعلتها اميركا منذ حوادث 11 سبتمبر بهدف السيطرة على العالم الإسلامي أولا وثروات العرب ثانيا ستمتد لتحرق العالم بأسره إن لم يسارع الشرفاء في اخمادها
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ