ما هي محصلة جولة وزير الخارجية الأميركي كولن باول على دول المنطقة، وتحديدا في موضوع تطبيق «خريطة الطريق»؟
اجمالا لم يصدر عن الاطراف المعنية ما يشير إلى تقدم ملموس في الجوانب المتعلقة بالمرحلة الأولى من الخطة. باول من جهته كرر ما سبق أن ذكره في جولته السابقة التي شملت سورية ولبنان، مضيفا اليه بعض التعابير الانشائية المتعلقة بالجانب الفلسطيني. الجانب الفلسطيني ممثلا برئيس الوزراء محمود عباس (أبومازن) كرر ايضا مطالبه المتعلقة بالأمن السياسي وضرورة فك الحصار عن رئيس السلطة ياسر عرفات، شرطا لابد منه لاعطاء صدقية لأية خطوة تريدها واشنطن من الفلسطينيين. ورئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون كرر أيضا ما سبق أن قاله عن الموضوع الأمني مغلبا هذا الملف (الأمني) على كل الملفات، ومعتبرا ان تل ابيب الشريك الوحيد في المنطقة في مكافحة الارهاب.
المحصلة اذن كانت غير مثمرة؛ فباول لم يحدث في جولته أي اختراق سياسي سوى اللقاء اليتيم مع محمود عباس في اريحا، وهو لقاء يشير الى وجود سياسة أميركية بالتمييز بين القيادة التاريخية الفلسطينية الممثلة بعرفات وبين قيادة مستجدة تريد واشنطن تعويمها لأهداف «كيدية» لا وظيفة لها سوى زيادة الشرخ في المؤسسة الفلسطينية واظهارها ضعيفة ومنقسمة امام الرأي العام العربي.
أما شارون فإنه لجأ الى المماطلة وتأجيل ما يمكن ان يقدمه الى زيارته المقبلة الى واشنطن؛ فشارون رفض تقديم اية اشارة تظهر استعداده للتجاوب مع خطة «خريطة الطريق» مفضلا ان يبحث الأمر مع الرئيس الأميركي خلال اللقاء معه في البيت الابيض.
السؤال: ماذا يمكن ان يقدمه شارون لبوش خلال زيارته للعاصمة الأميركية؟ يرجح ان رئيس الحكومة الاسرائيلي سيلجأ من جديد الى المناورة السياسية وتكرار مطالبه الأمنية وحصر المسألة الفلسطينية في اطار ضيق لا يتعدى الجانب الانساني من جهة، مقابل الملف الأمني من جهة اخرى. والملف الأمني يعني قيام محمود عباس بالنيابة عن «اسرائيل» بتجريد المنظمات الفلسطينية من سلاحها واعتقال قياداتها ومطاردة رجال الفصائل المسلحة التي ترفض مبدئيا «خريطة الطريق».
«اسرائيل» في هذا الجانب ترى نفسها في موقع واحد مع الولايات المتحدة. فالاخيرة تغلّب الملف الأمني على كل الملفات وترى ان معركتها الوحيدة في العالم هي مكافحة الارهاب ومطاردته وانه ليست هناك مشكلة اخرى غير هذه المشكلة. و«اسرائيل» ترى نفسها في الموقع الأميركي. وفي رأي شارون ان الملف الأمني يحتل اولوية المشكلات وانه ليست هناك مشكلة اخرى غير هذا الملف. وبهذا المعنى تبدو هناك صعوبات امام واشنطن في اقناع تل ابيب في تغيير رأيها وتبديل عقيدتها الأمنية.
وشارون في المعنى المذكور لا يختلف كثيرا عن بوش والطاقم الحاكم في البيت الابيض. وحين يريد الرئيس الأميركي اقناع شارون بضرورة المبادلة بين الأمن والسياسة وبين الأرض والسلاح فإن رئيس الحكومة الاسرائيلي يملك من القناعات الأمنية والذرائع السياسية للرد على بوش محتجا بسياسة ادارة البيت الابيض نفسها. وهي سياسة لا تختلف في جوهرها على المستوى الدولي عن سياسة شارون على المستوى الفلسطيني وكذلك على مستوى رؤية أميركا للشرق الأوسط ومستقبل دوله.
ولكن تلاقي شارون مع بوش على الرؤية المشتركة للملف الأمني في «الشرق الأوسط» لا يكفي لانتاج تسوية سياسية للقضية الفلسطينية من خلال تطبيق خطة «خريطة الطريق». التلاقي ليس كافيا؛ فاتفاق شارون مع بوش في رؤية مستقبل القضية الفلسطينية من خلال الاستراتيجية الأميركية للشرق الاوسط لا يكفي لدفع دول المنطقة دفعا نحو الاستجابة لشروط شارون تحت ضغط قبضة اميركا العسكرية. فالقبضة الأميركية قد تخيف المنطقة امنيا ولكن الخوف لا ينتج في النهاية سياسة بل سلسلة من الانكفاءات العامة التي لا تشجع دول المنطقة وشعوبها على السير نحو محطة تستقر فيها الاوضاع وتهدأ لمصلحة مشروع يقول بوش انه يريد تنفيذه خلال السنوات العشر المقبلة.
الكلام الأميركي عن الربط الاقتصادي أو التجارة الحرة وغيرها من الفاظ متعلقة بالمروءة والديمقراطية لا معنى له اذا لم ينطلق من فكرة توازن المصالح والعدالة في رؤية الحقوق والاعتدال في مخاطبة شعوب المنطقة.
فالسياسة الأميركية مهما بلغت من الجبروت العسكري لا قيمة انسانية لها اذا اعتمدت اسلوب الارهاب النفسي والتخويف بالضرب في حال تمردت المنطقة على مشروع يراد منه اذلال ثقافة تاريخية كان لها الفضل في ترسيم حدود هوية من الصعب نزعها بالصواريخ والقنابل وتنصيب جنرالات «البنتاغون» حكاما على شعوب المنطقة من الخليج الى «الشرق الأوسط».
اذلال المنطقة لا ينتج سياسة بل يسهم في انتاج مقاومة ممتدة في مختلف مناطق وطوائف ومذاهب وقبائل وعشائر البلاد ودولها المنتشرة من المحيط الى الخليج. فالقوة العسكرية تنجح في كسر جيوش دول المنطقة لا كسر شعوب المنطقة. فكسر شعوب المنطقة يحتاج الى سياسة مختلفة تبدأ باقناع «اسرائيل» بضرورة الاستجابة لرغبة دول المنطقة بقبولها باعتبارها دولة ضمن دول «الشرق الاوسط». وان قبول المنطقة «اسرائيل» دولة عادية من دولها هي فرصة تاريخية على واشنطن استغلالها لتحويلها الى واقع سياسي. والواقع السياسي لا يمكن ان يتحول الى قناعة شعبية اذا لم تبادر واشنطن الى الضغط على تل ابيب واجبارها على القبول بما اتفقت عليه دول المنطقة في قمة بيروت العربية حين طرحت مشروع خطة عربية تنطلق من مبادىء الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي.
أما لجوء واشنطن الى المماطلة ومسايرة التمرد الاسرائيلي لحسابات انتخابية والاكتفاء بالنظر الى قضايا المنطقة بمنظار أمني وقراءة مصالحها وتوازن العلاقات من خلال الرؤية الاسرائيلية... فإن هذه السياسة لن تنال النجاح مهما بالغت واشنطن وافرطت في استخدام قوتها العسكرية. ويصبح الكلام الأميركي عن مشروعات مستقبلية وتحديثية وتنويرية لمنطقة «الشرق الأوسط» مجرد كلام يقال في صحراء لا واحة فيها ولا ناقة ولا جمل.
كلام بوش عن مستقبل «الشرق الأوسط» يشبه الكلام الذي سمعه باول في جولته الاخيرة في المنطقة... ومحصلته المراوحة في المكان نفسه مادامت أميركا تقرأ مصالح الشعوب العربية من خلال خصوصية علاقتها بـ «اسرائيل» وتغليب الملف الأمني على مختلف الملفات الأخرى المتعلقة بالمصالح والحقوق والعدالة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ