العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ

هل سيسبقنا الآخرون في علوم الدين الإسلامي أيضا؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لا مفر من تأسيس سياسات تعليمية على نهج متطور ومتناسب مع عصرنا وزماننا. ولقد كان تاريخنا الإسلامي هو الأول الذي أسس مفهوم التعليم المستمر قبل أن تعتمده أميركا واليابان وبريطانيا، فالرسول (ص) هو الذي حث المسلمين على طلب العلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، و«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، و«اطلبوا العلم ولو في الصين».

غير أن العلم الذي كان قد تفوق فيه المسلمون جمد مع الزمن وأصبح غير نافع لهم (ما عدا بعض دراسات الفقه). أما فروع العلم الأخرى لم تتقدم عن الإنجازات الكبرى التي تحققت قبل قرابة الألف عام. ومن ثم جمدت عدة مئات من السنين لتظهر في أوروبا لاحقا. وهكذا أسقطت المدارس والحوزات والجوامع الإسلامية الكبرى دراسات العلوم الأخرى الواحدة بعد الأخرى، وقبل قرابة مئتي عام انحسرت العلوم الطبيعية والفلكية والطبية والرياضية وغيرها، ولم يبقَ من الحوزات والجامعات الإسلامية سوى دراسات الفقه والسيرة والتفسير. وبدا أن «العالِم» لدى المسلمين هو العالِم بعلوم الدين فقط، أما العالِم بعلوم الدنيا فقد انفصل عن المفهوم الذي كان معمولا به في صدر الإسلام. ومع ازدياد هذه الفرقة أصبحت هناك فروقات واضحة بين النهج العلمي الحديث الذي اتبع أسلوب الجامعات القائمة على مؤسسات بحثية ومختبرية ومناهج مقررة بأسلوب متطور، وبين النهج العلمي الديني الذي استمر على اتباع الأسلوب المتوارث منذ مئات السنين. وعلى رغم أن الأسلوب المتوارث منذ مئات السنين حفظ لنا الدين في أجزاء مهمة من حياتنا، إلا أن الفرق بين المنهجين أصبح كبيرا، ما أدى ـ ومازال ـ إلى اختلافات في التفكير المنهجي لدى من تخرج من الجامعات الحديثة دارسا علوم الدنيا، ومن تخرج من الحوزات والمدارس الدينية دارسا علوم الدين.

وكانت هناك محاولات نوعية لدمج المنهجين في الأزهر الشريف بمصر، وفي جامعة الكوفة بالعراق، وفي جامعة الصادق بإيران، وفي الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا، إلا أن هذه التجارب مازالت غير متقدمة إلى الدرجة التي تنافس فيها الجامعات الحديثة.

ومع أن الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا هي الأكثر حداثة من غيرها، إلا أن حتى هذه الجامعة لا يمكن مقارنتها بالجامعات الأوروبية والأميركية التي فتحت دوائر وأقساما كبرى لتدريس الفكر والفقه والتاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى تفسير القران ودراسات الحديث والرجال والسيرة. وهناك حاليا مؤتمرات سنوية في أميركا وأوروبا تعرض فيها البحوث المنتجة سنويا بدرجة الماجستير والدكتوراه وأوراق علمية عن كل شيء يخص المسلمين. وهذه المؤتمرات بدأت تستقطب مفكرين وباحثين وعلماء دين من البلاد الإسلامية الذين اتجهوا إلى تطوير دراساتهم في هذه المؤسسات.

ولقد حضرت عددا من هذه المؤتمرات شخصيا والتقيت عشرات الأشخاص في مؤتمرات يحضرها قرابة الألفي شخص من كل أنحاء العالم وعدد من البلدان الإسلامية، يتطارحون فيها مختلف جوانب الفكر والثقافة والتاريخ والفقه الإسلامي. وبعض هذه المؤتمرات تستقبل أوراق مقدمة من الأزهر وقم، وتناقشها نقاشا علميا متطورا.

هذه الطفرة العلمية في العلوم الدينية الإسلامية في بلاد الغرب تعتبر إدانة لمستوى جامعاتنا. فلم يكتف الغرب بالتفوق علينا في علوم الدنيا، وإنما لديه اليوم من الإمكانات والاستعدادات والطاقات الكبرى الموجهة لدراسة علوم ديننا أيضا. بل ان عددا من كبار مثقفينا وعلمائنا بدأوا ينتظمون في تلك الدراسات، يدرسون فيها ويلقون دروسا، ويجرون بحوثا في مختلف علوم الدين.

وفي الوقت الذي يفرح فيه المسلم للاهتمام المتزايد ولكثرة الكتب والبحوث والمجلات المتخصصة في الشأن الإسلامي الفكري والثقافي والفقهي، إلا أن ما يحز في قلوبنا هو أن هذه الإنتاجات النوعية باللغات الإنجليزية والعربية والألمانية والفرنسية أصبح ثقلها خارج مؤسساتنا الجامعية، سواء كانت تلك المؤسسة جامعة حديثة أم حوزة دينية أم جامعة إسلامية.

البعض يطرح بأن الأميركان والغربيين لا يفهمون ما يجري في بلادنا ويورطون أنفسهم. وربما هذا صحيح وينطبق على عامة الناس، وخصوصا على الشعب الأميركي الذي لا يعرف أين تقع العراق ـ مثلا ـ ولا يدري بما يدور خارج أميركا، إلا أن الصحيح أيضا هو أن المؤسسات الفكرية والبحثية ومعاهد الاستشارات السياسية لديها متخصصون يعلمون أكثر مما يعلم بعضنا عن دينه ودنياه، عن تاريخه وحاضره.

وعلى هذا الأساس فإن الطرح الذي يعتمده البعض لمشكلاتنا تنقصه الحرفية والإمكانات الأكاديمية الداعمة له لعدم توافر استراتيجية واضحة من البلدان الإسلامية ومن الفعاليات والمعنيين بالشأن الإسلامي في اللحاق (هذه المرة) بتدريس علوم الدين على أساس متطور يستجيب لمتطلبات عصرنا من دون الإخلال بالمبادئ الإسلامية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً