العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ

المرأة والمكان في روايتي «حبى» لرجاء عالم و«مزون» لفوزية الشويش

المنامة - منيرة الفاضل 

تحديث: 12 مايو 2017

لقد تم تمثيل المرأة في ثقافتنا العربية كفضاء خاص، تتكاثف خصوصيتها إلى حد «العورة»، الوجود الذي لابد ان تحكمه قوانين صارمة تحجبه عن الأعين. في المقابل تحتل الكلمة المكان العام، الفضاء المكشوف للآخرين، المتداول من قبل الجميع، عبر الكلمة تتشكل خطابات القوة والهيمنة كمحور للتشكيل الأيدلوجي في المجتمع. بهذا نجد أن المرأة واللغة لا تتبديان كهدف للسيطرة وحسب وإنما أيضا كأدوات يتم من خلالها توجيه وضبط المجتمع بأكمله. إن مشاركة المرأة في العملية الإبداعية وفي المؤسسة الأدبية والثقافية لم يتح لها فقط تقديم ذاتها ككيان مستقل خارج حدود «الخاص» في حضور «يكشف» عن نفسه، حتى ولو كان ذلك عن طريق الكتابة، وإنما أيضا اتاح لها التعامل مع اللغة وتطويعها - على رغم الملابسات الكثيرة المتعلقة باللغة كمنتج ذكوري - وقد خلق هذا معضلة ثقافية وتحديا كبيرا للإدعاء الذي يطرحه مركز القوة من خلال الصيحات المتكررة التي تصل إلينا والتي تنادي بالمحافظة على اللغة العربية والمحافظة على المرأة في وجه التحديات الثقافية سواء كانت داخلية او خارجية. المعضلة تأتي في العلاقة المتضاربة التي أسسها الموروث الاجتماعي والثقافي بين المرأة كمكان خاص واللغة كمكان عام من جهة، وبين الكتابات المعاصرة للمرأة في الخليج والتي عملت على كسر هذه الفواصل وطرح ما هو خاص في تجربتها الشخصية «للنشر» في نطاق «العام» من جهة أخرى.

لقد أصبح واضحا أن المرأة الكاتبة في الخليج أصبحت معنية بتغيير أو على الأقل بالتأثير في الخطاب الثقافي في المنطقة، مثلها في ذلك مثل الكاتبات العربيات في المشرق والمغرب العربي، وهي لا يغيب عنها أن علاقتها باللغة يشوبها التعقيد لأسباب ثقافية وتاريخية، ولكنها تعي أيضا أن هذه الأسباب متغيرة وغير ثابتة.

في هذا الإطار تأتي روايتا «حبى» للكاتبة السعودية رجاء عالم، و«مزون» للكاتبة الكويتية فوزية الشويش، نموذجين على توجه الكاتبة الخليجية، من خلال إبداعها الأدبي، لان تسجل اختلافا يضيف إلى اللغة والثقافة بعدا إنسانيا جديدا. في محاولتهما إعادة صوغ تاريخ الزمان والحوادث كي تقدما إلينا قراءة مختلفة، من وجهة نظر أنثوية، لتاريخ المكان وتفاعلات الحوادث، لمفهوم الذاكرة والتباس الأزمنة، للغيبي والدنيوي، وللوجود المتداخل في ذاته للمرأة والرجل. وسأستعرض هنا أهم الأفكار التي تناولتها الورقة:

يقدم التضاد الثنائي المتمثل في الفضاء الداخلي/الخارجي افتراضات عدة للظواهر المجازية للمكان نذكر منها: التصوف، الجنون، الانزياح اللغوي، النفي، والتمييز الجنسي. غالبا ما تتم مقارنة الفضاء السيكولوجي أو الداخلي المتبدي عن الذات بالمرأة «كآخر»، في استجابة لفضاء خارجي أو ذي هيمنة ذكورية.

تبدأ الكاتبتان رجاء عالم وفوزية الشويش من محيط المكان المألوف الذي حافظ على تقسيم فضاء المرأة، إلا أنهما عمدتا إلى ممارسة سلطتهما على هذا الفضاء، ومحاولة تعريف فضاء المرأة بشكل يسائل المفاهيم السائدة، في إعادة تأويل النموذج الذكوري للوطن، الجسد، المنفى، الرغبة، لإعادة قراءتها من وجهة نظر نسوية. وقد كان ذلك ممكنا من خلال طرح تعددية الفضاء الداخلي والخارجي، تشابكهما وتفاعلهما مع بعضهما بعضا. هذا الهدم للنموذج الذكوري يحدث في نقطة التلاقي بين العوالم الروحانية والطبيعية، ويذكرنا هنا بالتقويض الذي عملت عليه الباحثة الفرنسية جوليا كريستيفا للتضاد الثنائي المرأة/الرجل باستخدام الفكر الصوفي البوذي.

إن تعدد الحكايات والتأويلات عن حبى مثلا هو ما يجعل منها عصية على المعرفة الكاملة وبهذا يصعب إخضاعها لخطاب تأويلي واحد يدعي حقيقتها. لهذا يمكننا أن ننظر إلى فنائها بعد لقائها مع طاسين على انه موت رمزي، تولد بعده أنثى أخرى مغايرة في فهمها ومعرفتها. هذا التعدد نشهده أيضا في تشابه الأسماء إلى حد الالتباس في «مزون»، بين الشخصية الرئيسية مزون ووالدتها زوينة، وجدتها زيانة، وكأننا هنا أمام وجود واحد ممتد في تجربته التي تتراوح بين التحدي والاستكانة، عارضا احتمالاته المختلفة في ولادات متعددة جعلت من المرأة موضوعا للجدل إلى درجة الإبهام أو الغموض بحيث يصبح صعبا السيطرة أو الهيمنة عليها.

هذه الولادة الجديدة أو الوعي المغاير في الروايتين يتم التمهيد له بالطريقة التي تتعامل بها الكاتبتان بمفهوم وماهية حدود الفضاء الخاص للمرأة، فحبى وان ظلت سجينة مروتها، إلا أن سفرها إلى طاسين يفتح أمامها أبواب التعرف إلى ذاتها. إلا أن أهم ما تتوصل إليه حبى هو قدرتها على التجسد خارج مروتها متى ما شاءت، هذا التجسد هو مفتاح حريتها بعيدا عن فضاء المروة الذي ظل مصكوكا عليها منذ ولادتها. تعمل رجاء عالم عبر خطاب روائي محبوك على خلخلة النسق الرمزي باستخدام أدواته ذاتها في خطاب مضاد، ومن خلال «تأنيث الأصول»، إذ يصبح الموروث مادة للحفر والمساءلة وإعادة الكتابة.

قد يؤكد تصوير المكان عزلة المرأة في المحيط المكاني للقصة، إلا أن محتوى هذه العزلة قد تم تحويله بشكل لافت عبر الحلم وحرية التنقل التي يتيحها. فالمحيط المكاني لحبى، مثلا، يؤكد أنها في داخل مروتها، وأنها تتماشى مع مفهوم الفضاء الخاص في ما يتعلق بالحجب والفصل. لكن روحها تجول من خلال «الحلم» و«السفر». فقد تم تمثيلها على أنها محجوبة لكن فقط بصريا، إما كروح/ أو هالة فإنها مكشوفة؛ فهي تخاطب مريديها، تسمعهم، وتخط حروفها على أجسادهم. ربما لهذا يصبح السفر كما تطرح الباحثة صديقة عربي «المجاز الأكثر شيوعا بين النساء الكاتبات في استخدامه لتحدي الفصل الاجتماعي والمكاني. بالإضافة إلى ذلك لا يعتبر السفر فقط قفزة فوق المكان بل هو قفزة أيضا فوق الزمان (الماضي والمستقبل معا)».

حين غادرت مزون عمان إلى كويت الثمانينات اللاهثة نحو التغيير المندفعة كالسهم نحو المستقبل، كانت تفتح حياتها لتشكيل وعيها المقبل وترتيب وصوغ حياتها المقبلة، فهي كحبى تكشف عن الجانب المطموس في الكيان الأنثوي، من ولع بالمعرفة وبما يتفتق عنه العالم الذي تلجه لأول مرة من أبعاد ظلت مخفية عليها أو مبعدة عنها. تبدو هذه المرحلة مهمة في التكوين الشخصي لحبى ومزون قبل أن تلتقي كل منهما بالرجل وتنصهر فيه، في زواج مكلل بالموت، وكأنه كان يتوجب عليهما اخذ هذه التجربة الإنسانية إلى ابعد مداها حتى يتسنى لهما الوعي العميق بالكينونة الخاصة المستقلة لكل واحدة منهن، ومن ثم تمثل هذه الذات وتجسدها في الحياة العامة. الذات الأنثوية المتماهية في تعددها وغموضها ورغباتها المنداحة في جغرافيا المكان بأكمله تاركة إياه في شراسة التوهج والتوق، فقط حين تبدأ المرأة في تغيير منظورها، تتكشف لها ديناميكية القمع في الهوية الاجتماعية المفروضة، وتصبح الرغبة في تطوير ذات حقيقية ملحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً