العدد 248 - الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ

الخلافات الأميركية - الإسرائيلية مجرد أحاديث

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك أحاديث تصدر تباعا عن الصحافة الأميركية والاعلام الاسرائيلي عن بداية خلافات بين واشنطن وتل ابيب تتناول الشق المتعلق بالتنازلات التي يجب أن تقدم عليها حكومة ارييل شارون لتطبيق مشروع «خطة خريطة الطريق». وتوقعت تلك الأحاديث المنقولة عن مصادر غير معلومة حصول مواجهات كلامية بين الطرفين في حال اراد وزير الخارجية كولن باول املاء الشروط الاميركية على شارون. إلا أن هذا الأمر لم يحصل - كما ذكرت المصادر - لسبب بسيط وهو أن واشنطن الآن على رغم فوزها العسكري على العراق ليست في موقع يسمح لها بإملاء الشروط الاميركية على «اسرائيل». فشارون يعتبر أن النجاح الاميركي في احتلال العراق وتهديد دول الجوار العربية والمسلمة لبلاد الرافدين نقطة قوة لمصلحة المشروع الاسرائيلي وبالتالي على الدول العربية ان تدفع الثمن السياسي وحدها بينما تل ابيب المستفيدة من الضعف العربي لا تجد نفسها مضطرة إلى المشاركة في الخسارة أو تقديم التنازلات إلى الفلسطينيين أو تنفذ الانسحاب من الجولان مقابل ضمانات أميركية على المستويين الأمني والسياسي.

الى ذلك يرى شارون أن «اسرائيل» بعد ضرب قوة العراق العسكرية ازاحت تهديدا استراتيجيا شكل في مرة من المرات خطرا على أمنها السياسي... والآن تجد نفسها في موقع القوة بعد ان اختل ميزان القوى لمصلحتها من جديد، الأمر الذي عزز من قدراتها المعنوية ووضعها في مجال أوسع للمناورة والتهرب من تنفيذ التزاماتها وتعهداتها سواء على مستوى الاتفاقات المنفردة التي وقعتها مع الطرف الفلسطيني أو على مستوى قرار مجلس الأمن الدولي.

كذلك يراهن شارون على مجموعة تحولات يتوقع لها أن تحصل في أشهر السنة المقبلة في منطقة «الشرق الأوسط» وكلها تصب في مصلحة الأمن السياسي لدولته وربما انعكست الفوائد على تعزيز المصالح الاقتصادية الاسرائيلية في حال اتجهت واشنطن نحو فرض خطوات محددة على الحكومة العراقية الجديدة وتحديدا من ناحية الاعتراف المتبادل بين بغداد وتل ابيب واعادة تشغيل انبوب النفط من الموصل الى حيفا وأخيرا فتح السوق العراقية أمام البضائع الاسرائيلية.

هذه التوقعات التي ينتظرها شارون في الأشهر المقبلة ستنعكس سلبا على محاولات الولايات المتحدة تسويق «خطة خريطة الطريق». فأميركا ترى انها تساعدها على اقناع شارون بضرورة تسهيل مشروعها بينما شارون يرى انها مكاسب خاصة يجب أن تقابلها «اسرائيل» بسلسلة تنازلات قد تمس أمنها الداخلي ومشروعها الخاص في المنطقة. فالمنطق الاسرائيلي في فهم أو استقبال كل الضغوط الأميركية على الدول العربية يختلف عن منطق واشنطن ونظرتها الى مشروع «الشرق الأوسط» الجديد. واشنطن تظن أن تلك الضغوط على الدول العربية وتنازل الاخيرة عن حقوقها ومصالحها قد يخدم عملية «السلام» ويقنع تل ابيب بضرورة التراجع والتنازل عن اراض ليست لها وحقوق تنص القرارات الدولية على اعادتها إلى أصحابها. تل ابيب ترى في تلك الخطوات الاميركية جملة مكاسب تخدم مشروعها التوسعي وتعطيها المزيد من عناصر القوة التي تجعلها في موقع أفضل لرفض كل التنازلات التي تنص عليها قرارات مجلس الأمن.

هناك اذن مفارقات في قراءة مستقبل «الشرق الأوسط» الجديد. والمفارقات تبدأ في اختلاف نظرة أميركا الى تلك الخريطة مع نظرة «اسرائيل». الأولى ترى فيها بداية لفرض مشروعها الدولي العام على منطقة حساسة استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا يمكن أن تنطلق منها لاحقا لنشر مشروعها على مساحة أوسع من خريطة «الشرق الأوسط». الثانية ترى في مستقبل المنطقة المزيد من الضعف للدول العربية والمزيد من القوة لـ «اسرائيل»... وهذا يعني أن تل ابيب يجب أن تستفيد من هذا الخلل لبسط نفوذها وتوسيعه وليس التراجع والتنازل تنفيذا لقرارات دولية لا تعترف بها ولا تريد تطبيقها.

أميركا تنظر الى «الشرق الأوسط» كمحطة لانطلاق قطارها نحو مساحة أوسع، و«اسرائيل» تنظر الى «الشرق الأوسط» وكأنه مجرد سوق محلية لمجالها الحيوي تتصرف به وتتحرك بين دوله بصفتها الدولة الأقوى التي تملي شروطها وليست دولة من دوله تقبل ما تقبل به الدول الاخرى في سياق مشروع اميركي عام تحاول واشنطن فرضه على المنطقة من طريق القوة العسكرية.

إلا أن السؤال إلى أي حد تستطيع واشنطن الضغط على «اسرائيل» في وقت تواجه فيه ادارة البيت الابيض استحقاقات انتخابات الرئاسة في السنة المقبلة؟ وأيضا الى أي حد يستطيع شارون تفهم الحاجات الاميركية وما حدود قدرته على الاستجابة للمطالب التي تريدها واشنطن من تل ابيب لانجاح خطتها العامة في منطقة «الشرق الأوسط»؟

التوقعات تشير إلى احتمالات قليلة وذلك على عكس تلك الاحاديث عن خلافات أميركية - اسرائيلية عن مشروع «خطة خريطة الطريق». وتل ابيب تدرك أن قدرة واشنطن على الضغط عليها محدودة واذا حصلت فهي مشروطة بجملة اعتبارات تبدأ من الداخل الأميركي (الكونغرس، والولايات، والبنتاغون) وتنتهي في سلسلة عقبات لابد من ازالتها في «الشرق الأوسط» قبل أن ينتقل الحديث عن خلافات على «خطة الطريق». وواشنطن تدرك أن الخطة المطروحة للتطبيق سيئة جدا للفلسطينيين وخصوصا في المرحلتين الأولى والثانية لأن بنودها تشير الى ضرورة قيام الطرف الفلسطيني بسلسلة خطوات تراجعية قبل أن تنتقل الخطة في مرحلتها الثالثة الى الجانب الاسرائيلي. وهذا في حال حصوله يكون الجانب الفلسطيني بات في الموقع الأضعف والجانب الاسرائيلي في الموقع الأقوى. والأقوى عادة ليس مضطرا إلى تقديم التنازلات في حال وجد نفسه في موقع يسمح له بفرض شروطه من دون مقاومة تقابله في الطرف الآخر من المعادلة.

«اسرائيل» إذن تراهن على الوقت وترى ان المشروع الأميركي في خطواته الاولى يختصر ضغوطه على الفلسطينيين والدول العربية بينما التنازلات المطلوبة منها مؤجلة الى فترة لاحقة. والفترة اللاحقة قد تكون المزيد من القوة لتل ابيب والمزيد من الضعف للجانب العربي وتحديدا الجانب الفلسطيني الذي يمر بمأزق سياسي قد يتورط خلاله بمعركة اهلية بين حكومة محمود عباس (ابومازن) والمعارضة الشعبية. وهذا الأمر اذا حصل سيتحول الى كارثة سياسية ضد القضية الفلسطينية. وكل ما يضر الجانب الفلسطيني ينفع الجانب الاسرائيلي ويعطيه المزيد من عناصر القوة لرفض التجاوب مع المشروع الأميركي وتسهيل عملية تمرير التنازلات المطلوبة منه في المرحلة الثالثة من «خطة الطريق».

الأحاديث الصحافية عن خلافات أميركية - اسرائيلية هي صحيحة اذا تعلق الأمر بوجهات النظر، ولكنها ليست دقيقة اذا تعلقت بالمسائل الاستراتيجية. فـ «إسرائيل» حليف ثابت لواشنطن وترى نفسها في معسكر المنتصرين على العراق والعرب والفلسطينيين وبالتالي فإنها الشريك الأول في الانتصار وليست شريك الدول العربية في الهزيمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 248 - الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً