العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ

عندما تصبح الصحافة خلف القضبان

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

بدأت الصحافة البحرينية تتنفس أكسجين الحرية بعد سنين من المشي جنب الحائط، إذ كان نقد السلطة وأدائها يعني خيانة للوطن، وإبداء المساءلة تآمرا على كل الإنجازات.

كان الوزير البحريني يفرض على الصحافيين - ولو بطريقة غير مباشرة - ان يتزوجوا الوزارة، وكان يعتبر الصحافي - في حقبة أمن الدولة - موظف علاقات عامة، وكان عليه أن يقرر حتى عطسة الوزير وإلا يجد نفسه مهمشا في اليوم التالي.

كانت محاكمة الصحافيين في السابق أو فصلهم أو تهميشهم من دون أن يجدوا لهم مساحة للتعبير عبر القنوات المرئية أو السمعية أو الكتابية سمة ذلك العصر لما قبل الميثاق الوطني وكانت بعض محاكم التفتيش البحرينية (محكمة أمن الدولة) تقوم بجلد الحرية إذ أممت الصحافة تماما كما أممت في مصر سنة 1961، وذلك بقانون الأمن العام الذي رسمه المستشار البريطاني بلجريف عن (حرية التعبير والكلمة) الى ان جاء قانون أمن الدولة الذي خرج بفضل مرحلة الميثاق من الباب ليعود من الشباك عبر قانون المطبوعات والنشر الجديد الذي لا يعتبر متطورا بالنسبة إلى قانون النشر للعام 1979. وبه بدأت تتكرر مآسي جرجرة الصحافيين، فجرجر الصحفيون البحرينيون على رغم كثرة الوعود بالحريات العريقة والأمنيات التي عبر عنها بعض المسئولين تماما كما جرجر بالأمس مصطفى أمين وعلي أمين في مصر في صحيفة «أخبار اليوم» التي دعت الى إبقاء قلاع الحرية ورفض قانون تأميم الصحافة، وكما حدث لعادل حمودة مع الجنزوري وتوجان الفيصل مع علي أبو الراغب، وكما حدث قديما للموسيقي اليوناني تيودوراكس مع القرارات العسكرية في اليونان وعادت نظرية السلطان العثماني بتحريم طباعة الفكر والدعوة الى تكفير التفكير. ويبقى السؤال هنا: هل ستعود نظرية الحق الإلهي عبر جمعية الصحافيين البحرينية؟ وهل يجب علينا أن نعيش صحافة بطريركية كنسية يدعو إليها الكاردينال الوزير المحترم؟

بعد الميثاق بدأت الحرية توزع كما يوزع الخبز وشعر الناس خصوصا مع بروز تنافس صحافي ان صاحبة الجلالة (الصحافة) بدأت تتحول من سلطة رابعة الى سُلطة رابعة وارتفع السقف - نسبيا - على رغم مراهنة البعض ان هذه الحرية هي «موسمية» كما كانت موسمية في بلدان عربية كثيرة وما قانون الصحافة الجديد إلا دليل على ذلك وإلا فما الحاجة الى تكميم الأفواه في ظل تغيرات إقليمية ترفع شعارات - ولو ظاهريا - ضرورة ترسيخ الديمقراطية؟

لكن على رغم كل ذلك بدأ الناس يشعرون بالتغيير وراح الكتّاب والصحافيون إلا بعض ممن تذبذبوا أملا في الإمساك بكل البيض وفي كل المراحل فراحوا يدوسون على كل مكسب وطني بجلد الناس بحجة ان الناس يعانون من عقدة «البرانويا» والتي تسمى بعقدة الاضطهاد في ثيزفرينية حادة لا تخلو من شوفينية قاتمة تعاني من عقد طائفية وان تسترت بلباس توصيف الحالات والمراحل.

بدأت الصحافة تناقش الوزراء باعتبارهم خادمين للشعب وموظفين لخدمته لتدعوهم إلى النزول الى الناس لا ان ينتظروا ان يصعد إليهم الناس تماما كما يحدث لوزراء الدول المتحضرة، بخلاف وزراء اليوم الذين أصبح جل وقتهم يقضونه في المطار أو توزيع الابتسامات المتنوعة في الصحافة، وراحت ايضا تناقش الفساد المالي والاداري الذي حصل في أكثر من قطاع في وزارة الاسكان وبنك الاسكان ومشكلات القطاع المصرفي، وقضية المناقصات وكيف توزع على المعارف وقضية افلاس صندوق التقاعد والتأمينات وغيرها من الملفات كملف التجنيس، وعملية تضخم بعض الوزارات بالاجانب من باكستانيين ويمنيين وغيرهم... إلا ان كل ذلك بدأ ـ خصوصا لعدم تعود الوزراء ـ يزعج المسئول وبدأ القلق يزداد لتشكل وعي الجمهور لقضايا لم يسمعوا عنها سابقا... فبدأ القانون الجديد يضغط باتجاه يهدد انهيار السقف وباتت الصحافة السائلة كما اسماها هيكل غير مستساغة فتم الضغط عليها بحجب الاعلانات أو حجب المعلومات وراح الوزير الاعلامي يمارس دور البطل عندما بدأ يفتح النار على الصحافة بجرجرتها في المحاكم الجنائية ليعامل الصحافي كما يعامل المجرم تماما في حين أن الصحافي في الدول المتحضرة يحاكم في محاكم مدنية.

القانون الجديد فاق شراسة قوانين دول أميركا اللاتينية اذ يمنع انتقاد رئيس أية دولة توجد بها سفارة في البحرين... بمعنى حتى بوش ليس بامكانك ان تنتقده، لذلك كانت لفظة (العدوان على العراق) تثير حفيظة بعض الوزراء وتزعجهم اثناء العدوان على العراق.

بالقانون وجدت اللجنة المنبثقة عن الميثاق والتي وعدت بقانون متطور نفسها مهمشة فلم يؤخذ برأيها ولا باقتراحاتها وراح تعب اشهر في لحظة واحدة.

ويبقى سؤال ملح: ماذا يريد القانون الجديد للصحافة؟ باجابة شعبية مبسطة نقول: انه يريد ان يصبح الصحافي البحريني متطرفا حكوميا، فالمهم ان تتطرف في صف الحكومة والا فلن تحصل لا على بلح الشام ولا على عنب اليمن ووزارة الاعلام لك بالمرصاد. وحتى تقبل وزاريا يجب ان تسبغ على الوزراء المعجزات وتجعل من كلماتهم وان كانت عادية وغير مهمة نظرية عظيمة وفلسفة جديدة طبعا حتى تضمن الاعلانات ورضا الوزير الذي بدأ يتعاطى الآن وبفضل الحرية بحذر من الصحافة وبشيء من التقدير.

ان الصحافة الحرة هي المتنفس للمجتمع، فمصطفى امين يقول: «عندما تؤمم الصحافة يلجأ الناس الى المنشورات السرية» كما ان الناس تبحث عن صحافة متوازنة لا قائمة على الهتاف والتطبيل وعلى طريقة معلومات «الصحاف» والا فانها لا شك ستعزف عن قراءة الصحف المحلية وتلجأ الى قراءة المحليات من قنوات اخرى.

ذلك ما نريده خدمة للوطنية وللشعب وللدولة وهذه الف باء الديمقراطية حتى لا ينطبق علينا قول محمود السعدني في كتابه (أنا والحمار) وهو يسخر بالديمقراطية العربية: «لدينا ديمقراطية واسعة وبلا حدود في كل شيء الا في السياسة»... الغريب أن الدول العربية تقبل الحرية المطلقة في الجنس والرياضة وكل شيء الا في السياسة!

للأسف بسبب هذا القانون هناك بعض المعارضين من حزم أمتعته بعد ان اصيب باحباط المرحلة ولم يستطع ان يوازن بين وعود ما قبل الميثاق وما بعده.

ختاما نقول: البحرين تنتصر بالحرية وبالصحافة الحرة لا صحافة المباخر وببرلمان قوي وبمجتمع مدني واقعي وبمؤسسات حقوقية ترمي الى المرافعة لا الظهور والرزة وبقضاء بلا محكمات عسكرية أو قوانين طارئة بذلك هل نستطيع ان نهمس في اذن الوزير لنقول: إن قانون الصحافة يخالف الدستور والميثاق، ويخالف جميع مواثيق حقوق الانسان البحريني.

ان تاريخ البحرين النضالي والزاهر يشهد ان المجتمع البحريني قد يعيش بلا خبز لكنه لا يمكن ان يعيش بلا حرية هذا ما قاله تاريخنا من انتفاضة الغواصين الى انتفاضة 5 مارس/آذار الى انطلاقة هيئة الاتحاد الوطني بوحدة وطنية كبرى سنية وشيعية الى الحركات التي تحركت للدفاع عن الحياة النيابية

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً