فيما عكست الصحف العبرية موقف «إسرائيل» وأجهزتها الأمنية، التي ستعارض نية الحكومة الفلسطينية والجهات الأمنية الفلسطينية الاكتفاء بعقد هدنة مع ما تسميه «التنظيمات الفلسطينية الارهابية» اتفقت المواقف الأميركية مع الإسرائيلية على مطالبة حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابومازن) بالعمل على «وقف العنف» كشرط مسبق للمضي في تنفيذ خريطة الطريق. وانضمت صحف أميركية إلى الموقف الذي يعتبر ان خريطة الطريق تشكل تهديدا سياسيا كبيرا للرئيس الأميركي لأنها تفرض تنازلات من الجانب الإسرائيلي، الشيء الذي ترفضه قاعدة بوش الانتخابية المشكلة من المحافظين الموالين لإسرائيل... بحسب جوناثان رايل في «سي كيو» الأسبوعية (الأميركية) الأمر الذي يجب أن يتجنبه جورج بوش مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الأميركي في أكتوبر/تشرين الثاني 2004. لكن افتتاحية «نيويورك تايمز»، رأت انه على رغم ان الأوضاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا تدعو إلى التفاؤل فإن تصميم إدارة بوش على إنشاء دولة فلسطينية وإحلال حالة تعايش سلمي فلسطينية إسرائيلية إلى جانب سعي الطرفين المعنيين أي الفلسطينيين والإسرائيليين الى العمل بجد لتحقيق الأفضل من الممكن ان تعيد تحريك مسيرة السلام فعليا... واعتبرت على نحو فلسفي نوعا ما في كلامها عن رئيس الوزراء الفلسطيني أبومازن، «ان ضعف هذا الرجل السياسي قد يكون نقطة قوة». موضحة ان أمله الوحيد في البقاء والاستمرار سياسيا يكمن في الوقوف في وجه «الإرهاب».
وقالت «معاريف»، ان الولايات المتحدة نقلت إلى الفلسطينيين رسالة مفادها انه لا يمكن لمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحماس وغيرها من المنظمات الارهابية أن تحل محل العمل الحازم والحقيقي ضد الارهاب، والذي يتضمن الاعتقالات الميدانية وجمع الأسلحة والعمل ضد البنى التحتية. وجاءت الرسالة الاميركية عقب ما نشر من ان أبومازن لا يعتزم المواجهة مع «حماس» ويفضل إجراء مفاوضات مع المنظمة والتوصل إلى وقف متفق عليه للنار. ونقلت الصحيفة العبرية عن مصدر سياسي وصفته بأنه رفيع المستوى ان على الفلسطينيين أن يفهموا انه من دون حرب حقيقية على الارهاب لن يسعنا التقدم. ان عليهم أن يقرروا إلى اين يتجهون، فلا يمكن الامساك بالعصا من الطرفين.
وزعم زئيف شيف في «هآرتس»، ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يناور على أبومازن والأميركيين في المسألة الأمنية من خلال جمعه التنظيمات الخمسة التي كان يديرها تحت اسم «مجلس الأمن القومي» وتسليم سلطتها إلى أقرب مستشاريه... ووصف شيف تنظيم وإدارة الشئون الأمنية في السلطة الفلسطينية بالخرق لـ «خريطة الطريق» إذ من المفترض أن تقلص السلطة منظماتها الأمنية السبعة إلى ثلاثة وأن يدير وزير الداخلية هذه الأجهزة، موضحا انه حتى الساعة لا تزال رئاسة خمسة من الأجهزة المذكورة تحت إمرة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في حين سلم عرفات وزير الداخلية فقط إدارة اثنتين من الأجهزة. وأضاف شيف ان عرفات يناور على رئيس الوزراء محمود عباس (أبومازن) والأميركيين في المسألة الأمنية من خلال جمعه التنظيمات الخمسة التي كان يديرها، تحت اسم واحد هو «مجلس الأمن القومي»، وتسليم سلطتها إلى وزير الداخلية السابق هاني الحسن بدلا من وزير الداخلية الحالي أبومازن (رئيس الوزراء). وشرح شيف ان التدبير المتبع في السلطة لإدارة التنظيمات الأمنية سيعرقل جهود أبومازن لضبط حركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، وبالتالي توقع أن تكون مهمة أبومازن للتخلص مما أسماه «الإرهاب الفلسطيني» صعبة جدا.
بعد طرحه لهذه المشكلة التي زعم أنها تخرق خريطة الطريق، بحث شيف في حلين لدى الجانب الإسرائيلي:
1- اتباع الموقف الذي اتخذه إبان تنفيذ مقررات اتفاق أوسلو أي التغاضي عن الخروقات والمضي قدما بإنجاز تطور ملموس على الأرض، الحل الذي استبعده شيف.
2- الإصرار على تنفيذ بنود خريطة الطريق فورا بحذافيرها.
ورأى جوناثان رايل في «سي كيو» الأسبوعية (الأميركية) ان تزامن نشر الخريطة مع الإعلان عن وقف الحرب ليس صدفة بل محاولة من بوش لقطف ثمار انتصاره في العراق وحل أزمة الشرق الأوسط من أجل إرساء الاستقرار في المنطقة الغنية بالنفط. لكن رايل اعتبر ان خريطة الطريق تشكل تهديدا سياسيا كبيرا للرئيس الأميركي لأنها تفرض تنازلات من الجانب الإسرائيلي إلى جانب التنازلات المتوقعة من الجانب الفلسطيني، الشيء الذي ترفضه قاعدة بوش الانتخابية المشكلة من المحافظين الموالين لإسرائيل، والتي تعتبر الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، اللذين يرعيان تنفيذ خريطة الطريق، حليفين للفلسطينيين. وأوضح رايل، ان اللوبي الإسرائيلي الموجود في الولايات المتحدة يصر على أن ينفذ بوش، مضمون الخطاب الذي ألقاه في يونيو/حزيران الماضي بخصوص «خريطة الطريق» والذي يقول مؤيدو «إسرائيل»، انه خطاب يلبي المطالب الإسرائيلية بتنفيذ الخريطة على مراحل متتالية على أن يقدم الفلسطينيون تنازلاتهم أولا.
ورأى تقرير نشرته «دبكا فايل»، ان لا جدول زمني «واقعي» يمكن أن يشكل إطارا ناحجا لتنفيذ خريطة الطريق موضحا انه في ظل العراقيل الكثيرة، فإن الوضع الصحيح يقضي بأخذ الوقت الكافي من أجل تنفيذ الاتفاق خطوة تلو الأخرى ومرحلة تلو الأخرى. وشرح التقرير انه في المرحلة الأولى يجب على الفلسطينيين إنهاء «العنف والإرهاب» بطريقة غير مشروطة ومن ثم على «إسرائيل»، في المرحلة التالية، الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي دخلتها في مارس/آذار 2000 والمساعدة في دفع الحياة الفلسطينية نحو الاستقرار. ويبرر التقرير الدفع الأميركي نحو تنفيذ سريع لتطبيق خريطة الطريق باقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2004. لافتا إلى ان الإدارة الأميركية وضعت جدولا زمنيا ينتهي بعد سبعة أو ثمانية أشهر تسعى فيه أميركا، إلى إيجاد الخيارات المناسبة للحفاظ على نجاحها العسكري في العراق، وإحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وبالنظر إلى الجدول الزمني هذا، قال التقرير، ان البيت الأبيض يركز على تحقيق هدفين رئيسيين هما إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والعمل على توقيع معاهدة سورية إسرائيلية لأن هذين الأمرين يؤثران كثيرا في الأوضاع الأميركية في المجالات كافة.
لكن «نيويورك تايمز»، أشارت في افتتاحيتها، إلى مسار السلام الجديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي بدأ عند نشر خريطة الطريق المؤلفة من 7 صفحات... ورأت ان الأوضاع الراهنة، تثير التشاؤم أكثر مما هي تدعو إلى التفاؤل. غير انها استدركت فقالت، انه ثمة أملا ما زال يلوح في الأفق لتحسين الأمور. فمع تصميم إدارة بوش، على قيام دولة فلسطينية، وإحلال حالة تعايش سلمي فلسطينية إسرائيلية، إلى جانب سعي الطرفين المعنيين أي الفلسطينيين والإسرائيليين الى العمل بجد لتحقيق الأفضل، من الممكن إعادة تحريك مسيرة السلام فعليا.
وقالت الصحيفة الأميركية، ان خريطة الطريق، عادلة لكلا الطرفين. معتبرة انها بداية، إذ على الفلسطينيين أن يوقفوا أعمال العنف ضد الإسرائيليين فيعززون الخدمات الأمنية. ومن جهة أخرى، على الإسرائيليين تفكيك المستوطنات التي تم بناؤها في السنتين الماضيتين، كما عليهم أن يجمدوا كل نشاطاتهم الاستيطانية، ويتوقفوا عن الهجوم على الممتلكات الفلسطينية وخصوصا المدنية منها. ولاحظت الصحيفة الأميركية، انه على رغم الإطاحة بالنظام العراقي، فإن «إسرائيل»، لا تشعر بالارتياح. معتبرة ان هذا الواقع يجب أن يكون دافعا كبيرا للدولة العبرية يدعوها إلى التمسك بالفرص التي تقدمها خريطة الطريق.
أما فيما يتعلق برئيس الوزراء الفلسطيني أبومازن، فقالت ان ضعف هذا الرجل السياسي قد يكون نقطة قوة. مفسرة ان أمله الوحيد في البقاء والاستمرار سياسيا يكمن في الوقوف في وجه «الإرهاب». وأضافت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، من جهته، قادر على إنهاء النزاع الفلسطينيي الإسرائيلي. وختمت بالقول: «انه غالبا ما يتصرف الناس ضد مصالحهم، ولذلك لابد للأميركيين من أن يحثوا الفلسطينيين والإسرائيليين على القيام بما هو لمصلحتهم». معتبرة ان نجاح أميركا في هذه المهمة، قد يكون إنجازا ودليلا على شجاعة سياسية تفوق تلك التي تحلت بها الولايات المتحدة، عند الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين
العدد 246 - الجمعة 09 مايو 2003م الموافق 07 ربيع الاول 1424هـ