يبدأ وزير الخارجية الأميركية كولن باول زيارته لمنطقة «الشرق الأوسط»، وهي الثانية في أقل من أسبوعين للبحث مع المسئولين في مصر وفلسطين و«إسرائيل» في تفاصيل ما أطلق عليه مشروع «خريطة الطريق».
والسؤال: هل يأتي باول للاستماع إلى وجهات النظر، أم إنه جاء لإملاء الشروط على الأطراف المعنية بخطة «السلام» التي طرحتها اللجنة الرباعية المؤلفة من أميركا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والأمم المتحدة؟
يرجح أن واشنطن الآن هي في موقع مختلف، وترى نفسها تتمتع بدور خاص يعطيها أفضلية على غيرها في تقديم تفسيرها «الإسرائيلي» بخريطة الطريق التي جاءت بنودها وتحديدا المرحلة الأولى من مشروع الخطة لمصلحة حكومة أرييل شارون. لذلك يتوقع أن يمارس الجانب الأميركي ضغوطه على السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف المعني أكثر من بقية الأطراف في التجاوب أو تطبيق بنود المرحلة الأولى من الخطة. وهذه مشكلة حقيقة ستواجهها السلطة الفلسطينية باعتبار أن مشروع الخطة ينقسم إلى ثلاث مراحل. الأولى تقضي بأن يقوم الجانب الفلسطيني بتقديم التنازلات وعلى رأسها وقف الانتفاضة ومنع العمليات ضد قوات الاحتلال... بعدها تأتي المرحلة الثانية، وهي بدورها تقضي بالمزيد من التنازلات الفلسطينية على مختلف المستويات السيادية والأمنية مقابل تراجعات من الجانب الإسرائيلي. وأخيرا تأتي المرحلة الثالثة بعد سنتين حين يبدأ الجانب الإسرائيلي (افتراضيا) بتقديم التنازلات من جهته إلى السلطة الفلسطينية (إذا بقيت هناك سلطة) وصولا إلى قيام ما يشبه «دويلة» منزوعة السلاح ومحاصرة، وهي أقرب إلى نوع من الحكم الذاتي المعرض للاحتلال في أية لحظة.
منطق «خريطة الطريق» أصلا غير عادل. فالمشروع لا يبدأ كصفقة واحدة متبادلة، بل ينطلق من سلسلة مراحل يبدأ تطبيقها تدريجيا خطوة خطوة مقسمة على فترات زمنية تنتهي في مجموعها في العام 2005.
إلا أن الفترة الأولى هي فترة التنازلات الفلسطينية من حيث أن الطرف الفلسطيني عليه أن يقدم كل شيء وتحديدا سلاحه الوحيد (الانتفاضة) مقابل ضمانات واهية من الجانب الإسرائيلي بعدم التدخل في الشئون الداخلية. بعدها تأتي الفترة الثانية ويفترض أن تشهد تنازلات متبادلة كل خطوة فلسطينية تقابل خطوة إسرائيلية. وأخيرا تأتي الثالثة ويتوقع أن تكون خلالها السلطة الفلسطينية وصلت إلى الدرجة صفر، فتبدأ «إسرائيل» خطواتها ودورها في تقديم «التنازلات» لتنتهي المعادلة بانتصار لها وهزيمة للمشروع الفلسطيني، إذ يشترط «اتفاق السلام» النهائي تقديم تنازلات صعبة في مختلف الجوانب، وتحديدا قضية «القدس» وقضية عودة اللاجئين، وقضية السيادة وعلاقات «الدويلة» مع محيطها العربي.
«خريطة الطريق» إذا كارثية، ومع ذلك لا خيار أمام السلطة الفلسطينية سوى قبولها كما هي من دون تعديلات. وتعتبر أية محاولة فلسطينية لتعديلها مخالفة سياسية لمشروع السلاح وللاتفاقات الدولية التي تم إخراجها في صيغة الخطة المتفق عليها بين أطراف اللجنة الرباعية. واللجنة الرباعية كما يظهر من خلال الموازين الدولية وتوازن القوى الذي أنتجته تداعيات الحرب على العراق تشير إلى غلبة شبه كلية لمصلحة الجانب الأميركي. فاللجنة رباعية إلا أن اللاعب الوحيد الفاعل والقادر على التحرك هو الولايات المتحدة... لذلك يرجح أن زيارة باول للمنطقة هي للاستماع إلى ملاحظات «إسرائيل» ووجهة نظرها وتحديدا في الأمور المتعلقة بها في المرحلتين الثانية والثالثة من الخطة، بينما ستكون زيارته لمدينة رام الله هي لتوجيه الأوامر وإملاء الشروط الأميركية على الجانب الفلسطيني وتحديدا في الأمور المتعلقة بالتنازلات الفلسطينية المتعلقة بالمرحلة الأولى من الخطة.
إذا زيارة باول للمنطقة ليست للحوار واستطلاع آراء قادة المنطقة، وإنما هي خطوة أميركية في برنامج عمل يقضي بأن تنفيذ السلطة الفلسطينية ما هو مطلوب منها في المرحلة الأولى من الخطة، مقابل وعود أميركية بأن واشنطن ستمارس الضغط على «إسرائيل» لتنفيذ بعض ما هو مطلوب منها في المرحلة الثانية وصولا إلى المرحلة الثالثة. ويحتمل أن تكون الضغوط الأميركية على شارون قليلة وضعيفة لأكثر من سبب. وأبرز الأسباب هي أن «إسرائيل» اليوم وبعد ضرب العراق واحتلاله أميركيا تجد نفسها في موقع القوي وتستطيع من خلال دورها الخاص أن تمارس نفوذها على واشنطن، مستفيدة من تأثير أنصارها في الكونغرس على إدارة البيت الأبيض.
وإدارة البيت الأبيض ـ وهذا سبب إضافي ـ ستجد نفسها بعد سنة من الآن منشغلة بمعركة تجديد الرئاسة لجورج بوش الذي سيكون في موقع لا يسمح له بممارسة الضغوط على تل أبيب، وهو بحاجة ماسة إلى مسايرة اللوبي المؤيد للتوجهات الصهيونية في مراكز القرار الأميركي.
المنطقة إذا أمام سلسلة مفارقات كلها تخدم «إسرائيل» وتصب في النهاية في محصلة المشروع الأميركي الذي ينطلق من «الشرق الأوسط» كمنطقة اختبار لتعيد صوغ علاقاتها الإقليمية... وبعدها تبدأ واشنطن في ممارسة ضغوطها على أطراف اللجنة الرباعية، وهي: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي للتنازل عن حصصها أو بيعها مقابل ضمانات سياسية أميركية بإعطاء «دور ما» للأطراف الثلاثة.
الولايات المتحدة لا تعتبر نفسها مساوية أو متساوية في حصتها ونسبة نفوذها مع الأطراف الثلاثة (لها الربع ولكل طرف الربع)، بل هي تملك وحدها نصف أوراق اللعبة، بينما النصف الآخر يوزع على الأطراف الثلاثة كرقباء أولا ثم كشركاء ثانيا. فالنصيب الأول من الخطة هو حصة أميركا والشريك الإسرائيلي، وهي تساوي النصف زائد واحد، والنصف الآخر ناقص واحد هي من نصيب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والأمم المتحدة إضافة إلى الشركاء العرب. هذا إذا أحسنت السلطة الفلسطينية التعامل مع زيارة باول. وإذا لم تحسن فالمصيبة أكبر.
يبدأ وزير الخارجية الأميركي زيارته إلا أنها في شقيها الفلسطيني والإسرائيلي تكمن مفارقة القوة التي ظهرت بعد احتلال العراق. ففي الشق الفلسطيني هناك الأوامر والإملاءات، وفي الشق الإسرائيلي هناك الاستطلاع والاستماع والحوار... حوار الشركاء في الانتصار على مجموع الدول العربية في «الشرق الأوسط»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 246 - الجمعة 09 مايو 2003م الموافق 07 ربيع الاول 1424هـ