العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ

فرق حركة المعتزلة: مقدمة في الحاضر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لماذا الحديث عن فرق حركة المعتزلة في وقتنا وهل هناك من رابط بين زمن في ماضينا وزمن حاضرنا؟

المسألة ليست بحاجة إلى جواب نظري. يكفي أن نقرأ الصحف والمجلات ونتابع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة حتى نتأكد من وجود فضاءات مشحونة بالتوتر السياسي تحيط بنا أو نعيش تداعياتها البعيدة/ القريبة. فالكلام عن الفرق والبدع والجماعات والمجموعات والفصائل والأحزاب لا يقتصر على أبناء ملة واحدة فهو مشهد كوني يتراءى أمامنا وحولنا وأحيانا في بيوتنا وحيث اشحنا نظرنا أو توجهنا.

في العالم العربي هناك الجزائر والمغرب وتونس وليبيا والسودان ومصر والأردن ولبنان وفلسطين واليمن وغيرها من البلدان العربية شهدت وتشهد تحولات متفاوتة على مستوى الوعي الذهني وبنية الثقافة اليومية. ففي البلدان المذكورة وغيرها من الأقطار العربية تطل علينا عشرات الحركات والمدارس المختلفة في تكوينها التاريخي وتركيبها الاجتماعي ولكنها في مجموعها تتجه، ولأسباب سياسية وثقافية متعارضة، إلى استعارة الماضي وتحويله إلى قوة تثوير للحاضر.

ولا يقتصر المشهد الإسلامي على ساحات العالم العربي بل يمتد إلى ما وراء البحر من جهة الشرق فنسمع عن حركات وفصائل ومجموعات في آسيا الجنوبية (اندونيسيا، بورما، الفليبين، ماليزيا، بنغلاديش، وكشمير في الهند) وغيرها من مدارس ومنظمات منتشرة في باكستان وصولا إلى أفغانستان.

والأخيرة فتحت مواجهات دامية هزت أركان العالم (أو على الأقل اتهمت بأنها وراء ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001) استدعت الولايات المتحدة إلى نقل قواتها من أقصى الأطلسي إلى آسيا الوسطى. وتستعد الآن جمهوريات آسيا الوسطى إلى استقبال مرحلة جديدة في تاريخها بعد أن توازنت القوى المحلية في دائرة محاطة بأسلحة الدمار الشامل تملكها الولايات المتحدة القابعة بين جارها الشمالي روسيا وجارها الشرقي الصين. فأميركا تذرعت بضربة سبتمبر، لنشر قواتها على خطوط التوتر الفاصلة بين آسيا الوسطى والصين وروسيا وهي خطوة بالغة الخطورة في حال تحركت المخاوف المشحونة بالمصالح والصراعات الجزئية الضيقة التي غالبا ما تجر الدول الكبرى إلى خوض المعارك.

وعلى المقلب الآخر من العالم نسمع ونشهد ونلاحظ تلك القرارات القانونية الجديدة والخطوات الانقلابية المثيرة للرعب التي باشرتها العواصم الأوروبية مدعومة من واشنطن لمحاصرة «التطرف» أو ما تدّعيه من مخاطر سياسية تهدد أمنها القومي.

وإذا كانت الدول الأوروبية أقل استفزازا من الولايات المتحدة في رؤية الخطر الاستراتيجي المقبل من الشرق إلا أنها الأكثر تضررا من كل خلل يضرب موازين القوى، ما يعطي واشنطن المزيد من الذرائع للتشدد والانغلاق في وقت طمحت أميركا إلى قيادة العالم نحو «عولمة» مشابهة لنمط شخصيتها.

إذن نحن أمام لائحة لا تنتهي من الفرق والآراء والمدارس المتفاوتة في نظرتها بين الاعتدال والتطرف والمسالمة والعنف. وهذه الاتجاهات المشحونة بالتوتر تجد من يلاقيها في منتصف الطريق من حركات ومنظمات «أصولية» متطرفة من مختلف الديانات السماوية والمعتقدات الوثنية او الموروثة من جيل إلى جيل ومن منطقة جغرافية إلى أخرى.

المشهد يتكرر هنا وهناك. والكلام يعاود انتاج نفسه بصيغ مكرورة وأحيانا مكروهة من آسيا الوسطى والشيشان وتركيا إلى البلقان. ومن القطب الشمالي إلى ما وراء الصحراء جنوبا وعبورا إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي (بحر الظلمات - كما وردت تسميته في كتب التراث).

في هذه المسألة لا فرق بين عربي وأعجمي وبين الأبيض والأسود. فالكل سواسية في إنتاج وإعادة إنتاج الفرق والحركات والمدارس التي تبحث عن الأصول كوسيلة للخروج حينا أو الهروب أحيانا من حاضر يرمي بثقله على الإنسان المعاصر الذي لا يقوى على تحمل تبعات «حداثة» فالتة من عقالها وعقلها، تطحن فردية الإنسان باسم حرية لاتزال بعيدة المنال عن الملايين من البشر.

مشهد الفرق إذن ليس قراءة في الماضي بل محاولة التعرف على تاريخ شهد إنتاج مدارس وحركات أحدثت بدورها صدمات ثقافية أوجبت ردود فعل متباينة وسجالات انتهت إلى أزمات سياسية ضربت الخلافة العباسية في طورها الأول وجعلتها تقع في «مطبات» عقائدية استنفرت الغرائز ودفعت القوى إلى التصادم الدموي منهية عصر التسامح والانفتاح ومفتتحة عصر العصبيات والتشاحن القبلي والأقوامي.

وفي هذه الفترة الساخنة أدت فرق حركة المعتزلة دورا خاصا منذ نهاية العصر الأموي (حين ظهرت بداياتها) إلى بداية عصر المتوكل العباسي (حين ظهرت نهاياتها).

وبين البداية والنهاية انتقل فكر الاعتزال من الكلام إلى الفلسفة، ومن القعود عن النشاط السياسي إلى قوة مسيطرة على دولة الخلافة. فاستخدمت الدولة قوتها الايديولوجية لتنفيذ مآربها وتصفية حساباتها مع خصومها والمعارضة... مقابل استخدام المعتزلة قوة الدولة السياسية لفرض مذهبها الخاص عن طريق العنف والاستبداد وقمع الحريات. فانقلبت عقلانية المعتزلة إلى روح استبدادية تقمع كل وجهة نظر معارضة وتلاحق كل مخالف لأفكارها ورؤيتها الخاصة للإسلام. فوقع في عهد سيطرتها الظلم على مختلف أنواع المذاهب الاسلامية، فحاكمت وجلدت وأتلفت كل كتاب لا يقول قولها. فالمعتزلة آنذاك هي صورة مصغرة عن نزعة الأنظمة الكلية وميلها إلى القول بحكم الحزب الواحد في حاضرنا.

وهي تعتبر إلى حدٍ ما المحاولة الأولى في تاريخ الإسلام حين اتخذت هيئة سياسية (ايديولوجية) من أفكارها العامة أدوات قمع. والمعتزلة في هذا المعنى الحديث نجحت في التسلل إلى السلطة من نهاية عهد هارون الرشيد إلى نهاية عهد المعتصم ومارست نفوذها الايديولوجي عن طريق سلطة القوة.

لا يعني الكلام عن التاريخ أن هناك وجه شبه بين فرق حركة الاعتزال والفرق المعاصرة المنتشرة شرقا وغربا. إلا أن الكلام يريد احداث صدمة عند بعض النخب العربية (الحداثية) التي تدّعي القرب من عقلانية المعتزلة وتتناسى دور فرقها في تفكيك التوازن العقلي في المشهد الإسلامي وتحويل «العقل» إلى أداة قتل ووسيلة ارتزاق أحيانا وأسلوب قهر وإلغاء للآخر في كل الأحيان. فالعقل عند المعتزلة يجب ألاّ يغيب عن تاريخ «اللاعقل» في السلطة حين نجحت المعتزلة في الاستيلاء على الدولة واستخدمتها كسلاح ضد المعارضة.

لهذه الأسباب المعاصرة تكمن أهمية الحديث عن فرق حركة المعتزلة في الماضي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً