العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ

من يصنع السياسة الخارجية في واشنطن؟

الصراع بين باول ورامسفيلد

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

أصبحت العلاقات المشحونة والمتوترة على الدوام، بين وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وزميله وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، من صفات السياسة الخارجية الأميركية. إذ يدور صراع وراء الكواليس منذ وقت بين العسكري السابق باول وأبرز صقور الادارة رامسفليد، وأصبح كل منهما يعبر عن موقف مستقل كليا عن الآخر ويرى البعض أن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت فقط كي يحدث الصدام المحتمل بينهما فيما من المتوقع أن تكتب الغلبة في النهاية لرامسفيلد الذي يعمل بسياسة تحظى برضى بوش. غير أن العرب ومعهم الاتحاد الأوروبي وسائر دول العالم، يأملون أن يحسم هذا الصراع لصالح باول الذي يحاول وفقا لاعتقاد بعض المراقبين إعادة الثقة بصدقية الولايات المتحدة التي تعرضت إلى شكوك كبيرة بسبب أسلوبها في شن حرب غير مشروعة على العراق والإهانة الكبيرة التي ألحقتها بهيئة الأمم المتحدة.

يدور آخر خلاف بين الوزيرين حول معسكر الاعتقال في غوانتنامو في كوبا. قبل أسبوعين بعث باول كتابا إلى وزارة الدفاع في واشنطن يطلب البت بصورة عاجلة بمصير المعتقلين داخل هذا المعسكر الذي لا يخضع للقوانين الأميركية لأنه يقع خارج أراضي الولايات المتحدة. ويقول الأميركيون أنه لا يخضع لاتفاق جنيف بشأن أسرى الحرب، ويبلغ عدد المعتقلين 660 شخصا ينتمون إلى 42 دولة تعتبرهم الولايات المتحدة أعداء للدولة وكان العدد الأكبر منهم تم نقله من أفغانستان إلى قاعدة غوانتنامو إذ كانوا يقاتلون في صفوف الطالبان وتنظيم (القاعدة)، كما أن بينهم بعض الأشخاص الذين نقلوا من ألمانيا وباكستان ودول أخرى ولم يخضع أي منهم إلى محاكمة حتى اليوم لإثبات انتمائه لـ (القاعدة) كما لم توجه لهم اتهامات محددة. وتنتقد منظمات حقوق الإنسان الأميركية والدولية منذ وقت ما يجري داخل هذا المعتقل من معاملة غير إنسانية للمحتجزين، منذ إنشاء هذا المعسكر في يناير/ كانون الثاني العام 2002 تم إخلاء سبيل 22 شخصا.

يرى باول أن الاستمرار باحتجاز المعتقلين في معسكر غوانتنامو الموحش يعرقل الجهود التي يبذلها لإعادة بناء ما يسمى التحالف المناهض للإرهاب الدولي وأن بعض البلدان المشاركة في هذا التحالف، ترغب في أن يجري البت بمصير مواطنين تابعين لها يقبعون منذ وقت في غوانتنامو. من جانبه، وعد رامسفيلد أنه سيجري الحديث بشأن إخلاء سبيل مواطنين من بريطانيا وروسيا وأسبانيا وباكستان، حالما يتم التأكد من أنهم لم يعودوا يشكلون خطرا على أمن الولايات المتحدة وحلفائها. يرد رامسفيلد على المنتقدين الذين يشيرون إلى أنه مرت فترة طويلة من دون البت في مصير المحتجزين، بقوله إن عملية جمع المعلومات بشأن المحتجزين تحتاج إلى وقت طويل لأن السلطات الأميركية تعمل على جمع هذه المعلومات من أجهزة أمنية متعددة قبل السعي إلى دراستها.

في حال تم إخلاء سبيل عدد من معتقلي غوانتنامو في القريب، يكون باول قد حقق نصرا متواضعا على رامسفيلد لكن الخلاف الكبير بينهما يتعلق بموقف القوة العظمى تجاه نزاع «الشرق الأوسط» وكذلك تجاه إيران وكوريا الشمالية. وكذلك تجاه الدول الأوروبية وتجاه وضع سياسة خارجية وأمنية أميركية جديدة قائمة على الظروف الجديدة التي نشأت بسبب حرب العراق. يقول البعض في واشنطن إن الرئيس بوش يسمع ما يقوله الوزيران ويبني قراراته وفقا لما يرتئيه لكن رامسفيلد يريد أن يكون تأييده له واضحا.

يشعر رامسفليد وسائر الصقور في وزارة الدفاع ، بعد الانتصار العسكري على العراق، أنهم عززوا موقفهم في واشنطن واستعدوا لجولة تحدٍ جديدة. قبل أسبوعين هاجم رئيس البرلمان السابق نيوت غنغريتش وزارة الخارجية الأميركية بشدة في كلمة ألقاها بمقر مؤسسة (أميركان أنتربرايز) المقربة من إدارة بوش. قال غنغريتش إن السياسة الخارجية الأميركية واجهت الفشل قبل اندلاع الحرب، ولم تفلح في إقناع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي ولا في تركيا بأسباب الحرب. وأضاف قوله: بعد الانتصار العسكري نواجه خطر مواصلة هذه السياسة الفاشلة بسفر باول إلى دمشق. واعتبر مستشارون في وزارة الدفاع أن سفر باول إلى دمشق جاء في وقت مبكر جدا لأنه باعتقادهم لم تصدر عن دمشق غير وعود لكن وزارة الخارجية ترى على العكس أن باول نجح في دفع الرئيس بشار الأسد إلى اتخاذ خطوة إغلاق مكاتب فصائل فلسطينية تصفها الولايات المتحدة بأنها متطرفة ووقف أشكال الدعم لها من قبل الحكومة السورية.

أثارت حدة انتقادات غنغريتش التي تميزت بحدة ليست عادية، بعض التخمينات في واشنطن وعكست شكوكه بأن باول هو الرجل المناسب في منصب وزير الخارجية. بيد أن غنغريتش لا يتقلد منذ استقالته من منصبه العام 1999 منصبا سياسيا في واشنطن لكنه ينتمي إلى المجلس السياسي الاستشاري التابع لوزارة الدفاع الأميركية كما هو صاحب وزن مؤثر عند المحافظين في الحزب الجمهوري ويرتبط بصلة وثيقة جدا مع رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني. رد رامسفيلد على أسئلة الصحافيين عن العنف الذي تميزت به كلمة غنغريتش بأنه لم يطلع عليها.

لكن أوجه الخلاف بين باول ورامسفيلد موجودة على الطاولة. فيما يتعلق بالأزمة العراقية، ساندت وزارة الدفاع الأميركية منذ البداية المجلس الوطني العراقي المعارض الذي يتزعمه أحمد الجلبي، معتبرة المجلس وسيلة بيدها لتشكيل حكم مؤقت في العراق يعمل وفقا لرغبات واشنطن. على عكس وزارة الدفاع لم تأخذ وزارة الخارجية الأميركية المجلس الوطني العراقي على محمل الجد في الوقت نفسه مولت وزارة الدفاع تنظيم الجلبي وساعدته في تشكيل ميليشيا عسكرية صغيرة. كما يقف كل من الوزيرين، باول ورامسفيلد على ضفة أخرى بشأن كيفية التعامل في المستقبل مع هيئة الأمم المتحدة. يؤيد رامسفيلد خطوة من شأنها أن تحدث صداما جديدا مع الهيئة الدولية ويطالب بأن يسعى السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، جون نيغروبونتي، داخل مجلس الأمن الدولي إلى صدور قرار يلغي كل قرارات العقوبات ضد العراق دفعة واحدة ويفسح المجال أمام الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب للبدء في إعادة تعمير العراق، فيما يؤيد باول سياسة الخطوة تلو الأخرى والتنسيق بهذا الشأن مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي كي لا ينشأ خلاف جديد مع روسيا وفرنسا.

كذلك هناك خلاف بين باول ورامسفليد عن خطة السلام المقترحة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي والتي أقرتها اللجنة الرباعية الدولية(الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) وصدر عنها ما يعرف باسم «خطة الطريق» وتقضي بقيام دولة فلسطينية في العام 2005. ينظر رامسفيلد بريبة إلى «خطة الطريق» ويؤيد مساندة أميركية للحكومة الإسرائيلية ودعم جهودها في القضاء على ما يصفه رامسفيلد بالإرهاب الفلسطيني. أما بخصوص النزاع مع كوريا الشمالية فإن رامسفيلد يعارض وساطة الصين في المحادثات الجارية بين واشنطن وبيونغ يانغ ويؤيد تعاون الولايات المتحدة مع الصين هدف تغيير النظام في كوريا الشمالية.

تعكس الخلافات الضارية بين باول ورامسفيلد، عمل أهم وزارتين في إدارة بوش وتعامل الموظفين مع الوزيرين. فيما يرى موظفو وزارة الخارجية في باول شخصية براغماتية وينظرون باحترام له فإن العاملين في وزارة الدفاع ينقسمون إلى متطرفين موالين يشاركون رامسفيلد تطلعاته في تغيير العالم باستخدام الآلة العسكرية الأميركية وهناك فريق في وزارته، يعمل تحت رحمة رامسفيلد لكنه يشعر بالخوف تجاه هذه السياسات الغوغائية

العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً