العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ

المتغيرات السياسية في المنطقة والتجربة البحرينية

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

شهدت منطقة «الشرق الأوسط» من افغانستان إلى العراق متغيرات سياسية دراماتيكية وغير متوقعة، طرأت فجأة على أنظمة حكم بلدان هذه المنطقة. والسبب معروف الا وهو رغبة مخططي السياسة الاميركية في تغيير وجه الخريطة لدول المنطقة، وتطويعها لخدمة المصالح الاميركية. إذا من أهم مفاجآت التغيير تلك سقوط نظام صدام حسين، وتصويت الشعب القطري على مشروع الدستور القطري وممارسة الحياة الديمقراطية الجزئية، بالاضافة إلى استقلالية القرار السعودي الذي نتج عنه رحيل القوات الاميركية من المملكة، إلى الانفتاح السياسي الذي تشهده البحرين حاليا، على رغم انقسام الشارع ما بين جمعيات مقاطعة وجمعيات مشاركة على رغم انقسام الشارع ما بين جمعيات مقاطعة وجمعيات مشاركة في الانتخابات، لم يفسد للود قضية، لا بين المعارضة والحكومة ولا بين الجمعيات السياسية المعارضة والجمعيات السياسية المشاركة في الانتخابات. المصالحة الوطنية بين الاطياف السياسية والطوائف الدينية دليل على طيب نية الشعب البحريني المسالم بطبعه، وانسجام واضح بينه وبين حكامه يشكل سمفونية هارمونية واحدة. وما دمنا نسير على مبدأ لا نحيد عنه، الا وهو احترام كل طرف بما في ذلك السلطة التنفيذية للرأي الآخر فإن هذه البلد وأهلها وحكامها بخير، وهذا هو بيت القصيد.

من هنا لابد من الوقوف عند التجربة الديمقراطية البحرينية، وتقييمها بموضوعية وحياد تام. التجربة الديمقراطية البحرينية لا تخلو من المعوقات وخصوصا في مجال العمل النيابي، لهذا يجب تفريغها من مضمونها، بمناقشة جوهر القضية ومحاولة إيجاد الحلول بحسب تحليلات كل مجتهد، وعندما تستوقفنا مسائل معقدة من لب القضية نذكر منها على سبيل المثال: البطالة، الفساد، النهوض بالخدمات الاساسية، توفير الاسكان، تحسين الرواتب لمواجهة الغلاء والتضخم الاقتصادي، وبناء الهياكل التحتية الاساسية للمملكة، والعادلة الاجتماعية، وحرية الرأي. هذه القضايا الجوهرية التي تمس المواطن العادي يجب ان يكون للمجالس التشريعية المنتخبة دور في النهوض بها وإصلاح الهياكل التحتية الاساسية للمملكة. وعليه يجب تفعيل دور اعضاء المجلس النيابي المنتخب على رغم محدودية مجال المناورة في المجلس النيابي، حتى يتمكن المجلس من تقديم مشروعات قرارات فاعلة ونافذة وليست حبرا على ورق، لإعادة بناء ثقة الجماهير في اعضائه المنتخبين التي اهتزت بسبب فشلهم في تحقيق الحد الادنى من المطالب الشعبية عبر قبة البرلمان.

نحن نتحسس نبض الشارع البحريني ونداءات ومطالب الجماهير البحرينية المتعطشة للمزيد من الديمقراطية ورفع مستواها المعيشي وتوفير الخبز لعوائهم والاجيال المقبلة. في ضوء تلك الحقائق، أصبحت هناك خيارات مطروحة على الساحة لتفعيل دور اعضاء المجلس النيابي المنتخب، وتطوير التجربة الديمقراطية البحرينية حتى لا نقع فريسة للمطامع الاميركية في ثرواتنا الطبيعية، برؤية قانونية تأخذ في الاعتبار المساحات الواسعة من فضاء الثوابت والمرجعيات الدستورية لممارسات ثلاث ملكيات دستورية مشابهة (الاردن والمغرب وماليزيا). هذه المرجعيات قد يستند عليها نواب المجلس المنتخب لتصحيح الممارسة الديمقراطية في البحرين. ليس هناك مجالا للشك في ان صاحب الجلالة الملك أذهل العرب والعالم بمنظوره السياسي الحضاري، وقوة منطق خطابه السياسي، وقدرته على استقطاب الاطياف السياسية البحرينية للعمل الديمقراطي الجماعي، على رغم انه وضع رؤية سياسية لشكل الهيكل السياسي بخصوصيات بحرينية بحتة، بممارسة ديمقراطية بحجم محدود لحرية العمل السياسي وهذه سمة الديمقراطية الخليجية والعربية، قد يفوق في مساحته ومعياره حجم فضاء الحريات القائمة في الدول الديمقراطية الاخرى.

وبنظرة سريعة على دستور 2002، لابد من الاعتراف بأن الباب الثالث (الحقوق والواجبات) من الدستور، كفلت جميع بنوده الحريات الاساسية للمواطنين والهيئات المدنية وفصلت السلطات الثلاث. ولتفعيل هذا الباب في المجلس النيابي، هناك مجال لتحديثه عن طريق وضع قائمة بمطالب نيابية تضع حدود لصلاحيات السلطات الثلاث، بحيث يمكن مراقبتها من قبل اعضاء المجلس وفقا للائحة يقرها المجلسان، وخصوصا ان السلطة التنفيذية ستتجاوب مع محتويات اللائحة التي تضاعف صلاحيات المجلس نظرا لعدم خروجها عن الاطار العام لدستور 2002م.

دستور 2002م المعدل، ينص على ان نظام الحكم ملكي وراثي دستوري، كما ورد في الفصل الثاني من الميثاق (نظام الحكم) الفقرة الاولى (مطبق في الاردن والمغرب وماليزيا). في الحقيقة لم يعترض اي طيف سياسي في البحرين على هذا التعديل لهذا تم تفعيله من دون نقاش.

اما فيما يتعلق والتصويت داخل المجلسين فإننا نعلم جيدا ان اقرار أي مشروع قانون لم يعتمد بنسبة ثلثي اعضاء المجلسين التشريعيين كما هو معمول به في الملكيات الدستورية المشابهة (الاردن والمغرب وماليزيا)، بل بنسبة 41/39 اي بفارق صوت واحد لصالح المجلس النيابي، لهذا فإن وضع خطوط توجيهية لعملية التصويت، تكون اساسا لقاعدة تعطي قوة لتصويت المجلس النيابي، ستتغلب على معضلة نسبة التصويت المتدنية. مثال على ذلك، ان هناك ملكيات دستورية أجرت تعديلات محدودة على دساتيرها بتصويت ثلثي اعضاء المجلس المنتخب. ولو ان نسبة المجلس البحريني المنتخب ضعيفة جدا إلا انه يمكن الاخذ بسابقة العام 1993 عندما صوت ديوان راكيات الماليزي (مجلس النواب المنتخب) بثلثي الاعضاء لإلغاء حق السلطان الدستوري في الحصانة القضائية. كذلك عدل الدستور الاردني في 1974 و1976، وفي المغرب عدلت المادة (49) في 1995 لانشاء نظام برلماني ذي مجلسين الاول استشاري معين والآخر نيابي.

ولتفعيل الفصل الخامس (الحياة النيابية)، والباب الخاص بـ (السلطة التشريعية) يتقدم النواب المنتخبون بمقترحاتهم لتعديل اللائحة الداخلية لعمل المجلسين وفقا لدستور 2002م، بحيث تفعل صلاحية مجلس النواب، ويحد الاعضاء من صلاحية مجلس الشورى، لكون تلك الصلاحيات هي سبب الخلاف بين المعارضة والحكومة بالمناقشة القانونية.

السلطة التنفيذية

ينص دستور 2002 على ان الملك رأس الدولة، ومن صلاحياته الموافقة على القوانين، ويرشد الحكومة فيما يتعلق وإعلان او فرض القوانين المحلية والانظمة، وممارسات الهيئة القضائية بمرسوم ملكي، بما في ذلك إجراء انتخابات برلمانية، وتدشين أو تأجيل أو تجميد عمل المجلس التشريعي الاصغر (النواب)، ضمن الحدود التي وضعها الدستور. لهذا فإن النواب المنتخبين يستطيعون المطالبة بما يأتي: رفع توصية للملك لاصدار مراسيم ملكية بقوانين لتعيين لجنة الخدمة المدنية بقوانين ونظم جديدة منصفة للجميع، ورئيس واعضاء مجلس ديوان المحاسبة والرقابة أكثر شفافية، ومحكمة الجنح الادارية أكثر عدالة، ولجنة الانتخابات التي تقسم البلاد إلى دوائر انتخابية تأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية.

دستور 2002 اعطى الملك سلطات واسعة لتعيين رئيس الوزراء، والوزراء وفقا لتوصية مقدمة من رئيس الوزراء. الاعضاء المنتخبون يمكنهم البرلمان بموجب الصلاحية المعطاة لهم من الدستور، تقديم قائمة بأسماء الوزراء للمجلس النيابي لمناقشة اهلية أولئك الوزراء في تعيينهم لتلك المناصب، قبل إصدار مرسوم ملكي بتعيينهم. الدستور نص صراحة على ان مجلس الوزراء يجب ان يكون موافقا عليه من قبل مجلسي البرلمان خلال جلسة التصويت بالثقة.

ويترك للملك بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة، صلاحية إعلان الحرب أو السلام، وتوقيع المعاهدات والاتفاقات. كذلك بموجب الفصل الاول من الدستور (الملك)، اعطى الملك سلطة تعيين أو اقالة او قبول استقالة رئيس الوزراء أو الوزراء وفقا لتوصية مقدمة من رئيس الوزراء.

مجلس الوزراء، الذارع الاعلى للدولة، يجب ان يقدم سياساته وخطة عمله للبرلمان للموافقة عليها من قبل المجلس التشريعي الاصغر (النيابي) للبرلمان في ظرف شهر ن الفترة الافتراضية. التصويت بعدم الثقة يجبر مجلس الوزراء أو الوزير الذي لا يحظى بثقة المجلس على الاستقالة.

يترأس رئيس الوزراء مجلس الوزراء، واللجان القانونية والحكام الاداريون للدولة ومجالس البلديات. ولكن مجلسي البرلمان يمكنهما تحديد صلاحيات المجالس البلدية والمحافظين التابعين لوزارة الداخلية، وتحديد العلاقة بينهما نظرا لتشابك صلاحيات الهيئتين المعنيتين (مطبق في الاردن وماليزيا والمغرب).

المملكة مقسمة إلى خمس محافظات وفقا لنظام المحافظات، كل محافظة يرأسها محافظ (مطبق في كل من الاردن والمغرب، ما عدا ماليزيا لكونها ملكية دستورية فيدرالية ينتخب فيها ملك من كل ولاية بالتناوب بين ملوك الولايات الماليزية). المحافظات تلتزم بتعليمات وأنظمة الحكومة المركزية، وتشرف عليها الحكومة المركزية عن طريق وزير الداخلية.

أما المجالس البلدية فأنها تنتخب من قبل سكان المناطق المحلية لمدة 4 سنوات كما حدث أخيرا في انتخابات البحرين للمجالس البلدية في 2002. على النواب في المجلس توضيح فقرة في حال نشوب النزاعات القانونية في المجالس البلدية التي ليست واضحة، هل يستطيع المحافظ في حال عدم توافر النصاب القانوني تعيين لجنة بلدية لمدة سنتين قابلة للتمديد للنظر في الامور مؤقتا إلى حين حل النزاع القانوني كما هو معمول به في بعض المملكات الدستورية المشابهة؟

السلطة التشريعية

البرلمان البحريني بحسب الدستور الجديد مكون من مجلسين: الاول معين (مجلس الشورى) والآخر منتخب (المجلس النيابي). يتساوى عدد الاعضاء في كلا المجلسين: 40 عضوا لمجلس الشورى، و40 عضوا للمجلس النيابي. المجلسان متساويان في الصلاحية، وربما ان مجلس الشورى ليس له صوت، بمعنى ان اعضاء المجلس النيابي يتفوقون على مجلس الشورى بصوت واحد، فان مجال المناورة محدود ولكن اعضاء المجلس النيابي ربما يجدون ثغرات قانونية يمررون فيها قوانين في صالح الشعب بفارق صوت واحد اذا كان هناك تكاتف بين أعضاء المجلس النيابي. يعين الملك بموجب دستور 2002 اعضاء مجلس الشورى (في الاردن مجلس الاعيان، وفي المغرب مجلس المستشارين، وفي ماليزيا ديوان نيغارا «المجلس الاستشاري»).

المجلس النيابي منتخب بالاقتراع المباشر، كل من يبلغ من العمر 21 سنة (وفي المغرب والاردن حدد العمر بـ 21 سنة) ويحبذ لو عدل العمر في البحرين بـ 18 سنة اسوة ببلدان العالم الديمقراطية.

يبقى على المجلس التشريعي اقتراح تشكيل وحدة داخل المجلس تعنى بشئون المرأة.

المؤسسات السياسية والمدنية

الباب الثاني (المقومات الاساسية للمجتمع) من دستور 2002، والفصل الاول (المقومات الاساسية للمجتمع) من ميثاق العمل الوطني، جميع نصوصهما كفلت لمؤسسات المجتمع المدني العمل بحرية تامة، ويبقى ان يفعل النواب المنتخبون هذا الباب بتقديم مشروعات قوانين تضمن استمرار حرية عمل المؤسسات السياسية المدنية، وهذه الحرية يجب ان تشمل الايمان بمبدأ حرية تكوين وتأسيس الاحزاب أو الكتل أو التجمعات السياسية، كما هو معمول به في الملكيات الدستورية المشابهة (الاردن والمغرب وماليزيا). كما يجب السماح لمؤسسات المجتمع المدني بالمساهمة في تنشيط الحياة السياسية والانشطة الاجتماعية أو المدنية، بما في ذلك حق تكوين جمعيات ونقابات للحرف المهنية مثل: المحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم...، للعب دور مهم في الحياة السياسية البحرينية، كحرية مناقشة الموضوعات السياسية في المنتديات الشعبية.

السلطة القضائية

الباب الثالث من دستور 2002م (السلطات) ضمنت استقلالية السلطة القضائية، وفصلها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بحيث يعين الملك الهيئة القضائية بمرسوم ملكي. والنظام القضائي البحريني يستند في عمله على مصدرين أساسيين للقوانين:

القانون الشرعي الاسلامي (السني والجعفري) والقانون المدني، المختص في المنازعات المدنية، سواء كانت ذات طبيعة إجرامية أو إدارية مدنية، لحل النزاعات بين الناس أو بين الناس والدولة. والمحاكم البحرينية يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات:

1) المحاكم المنتظمة وهي : المحكمة العليا المختصة في الجنح والجنايات التي يرتكبها اعضاء الحكومة اثناء ممارستهم لمهماتهم، ومحاكم المرحلة الاولى، ومحاكم الاستئناف.

2) المحاكم الدينية: محاكم شريعة (سنية وجعفرية).

3) المحاكم الخاصة: المحاكم المدنية، محاكم الجنح، والمحكمة العسكرية.

وربما يتحدث مجلس أعلى للقضاء بمرسوم ملكي. لهذا على النواب تفعيل مبدأ فصل السلطات، واستقلالية القضاء بتقديم مشروع قانون يسمح بمقاضاة الهيئات أو الوزارات الحكومية والمسئولين فيها ومثولهم أمام القضاء عملا بمبدأ الشفافية في العمل الديمقراطي.

هذا التصور وضعته بعد دراسة متعمقة لثلاث ملكيات دستورية، بغرض تفعيل دور اعضاء المجلس النيابي المنتخب لهيكلة دستور 2002، لتطوير الممارسة الديمقراطية، والحصول على قبول شعبي لبناء الثقة بين الشعب والحكومة، وبذلك يمكن كسب ثقة الشعب في النظام الديمقراطي البحريني برمته.

تفعيل دور الاعضاء سيساهم في دفع الانفتاح السياسي، وممارسة الحريات العامة وحرية العمل السياسي بفضل شعلة الحرية التي حملها عظمة الملك وانار بها الطريق

العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً