العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ

المبارك يبحث أسباب غياب النتائج لمؤتمرات نبذ الطائفية

الوسط - محرر الشئون المحلية 

24 أكتوبر 2008

تحدث خطيب جامع الإمام المنتظر بقرية دار كليب الشيخ حميد المبارك في خطبته أمس (الجمعة) عن ما يرتبط بالدعوات بنبذ الطائفية والندوات والمجالس التي تعقد في هذا الاتجاه، وقال المبارك: «يدور سؤال بشأن عدم وجود نتائج حقيقية في واقع الناس للمؤتمرات والدعوات التي بدأت في العالم الإسلامي منذ زمن طويل».

وأضاف «إن أي حركة لكي تكون منتجة يجب أن تبنى على أساس واضح، وذلك من خلال التعرف على الهدف الحقيقي أولا والأدوات الفاعلة ثانيا، والهدف الحقيقي يجب أن يكون واقعيا، لأنه إذا لم يكن واقعيا فسيكون السعي إليه يدور في أجواء خطابية سرعان ما تخبو ويضعف وهجها ويخبو بريقها، يجب أن نعرف ماذا نريد؟ هل المطلوب هو الوحدة الإسلامية أم التقريب بين المذاهب؟ أم التعايش بين أبناء المذاهب؟ فلكل واحد من هذه العناوين دلالات وإيحاءات مختلفة، أما الوحدة الإسلامية فإني تأملت كثيرا في معناها، فلم أعثر على شيء ملموس وواضح فيما هو المقصود منها ، هل المقصود هو تذويب المذاهب فهذا أمر غير ممكن، أم المقصود هو العمل ضمن مشتركات محددة مع الاحتفاظ بالخصوصيات فهذا ليس وحدة بل هو تعاون يكون في أعلى مستوياته تضامنا، وأما التقريب بين المذاهب فأوضح معانيه وضع المقولات المذهبية المختلفة على طاولة البحث ومحاولة التقريب بينها، كما تصنع بعض القنوات الفضائية، وهذا فيما يبدو ليس هدفا عمليا، ليس فقط لأنه لا يؤدي إلى نتيجة بل لأنه يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتشاحن والعصبية، نعم لا بأس أن يطرح أهل المذهب الواحد مقولاتهم للبحث داخليا، وإعادة النظر في بعض مستوياتها، فهذا أمرٌ مطلوب بل هو الاجتهاد الحقيقي، إذ ليس الاجتهاد هو اجترار وتكرار ما قاله السابقون بل البحث الدائم والمستمر فيما قرره السابقون ولكن يجب في هذه المرحلة أن يكون البحث المذهبي في إطار المذهب نفسه، لئلا يجرّ البحث المكشوف إلى مجادلات وتحديات نحن في غنى عنها».

وأضاف المبارك «في هذه المرحلة نحن أحوج مانكون الى تحقيق التعايش بمعنى أن تُحترم الخصوصيات المذهبية فيتحقق لكل أتباع مذهب الفضاء المريح ليقرروا عقائدهم، ويمارسوا شعائرهم من دون مضايقة ومن دون إيذاء أو تهكم أو مصادرة، هذا هو الهدف العملي الذي يجب ان نخطط له جميعا، وفي هذا الإطار ينبغي الاعتناء ببناء الإنسان، وذلك لأن الدين أو المذهب لا يتفاعل في الفضاء، بل يشتغل مع الإنسان ويتأطر بأطره، فالدين أو المذهب كالماء الزلال ولكن لا وجود له خارج إناءه، فهنا يأتي دور الإناء، إن كان نظيفا حافظ الماء على صفائه، وإن كان الإناء قذرا تلوث الماء بقذره، ولذا نجد أن الدين الواحد يأخذ مجريات مختلفة في مجتمعات مختلفة في ثقافاتها وفي أنماط تفكيرها».

وبين المبارك أن «الدين كالآلة الدقيقة التي لا تشتغل لوحدها فحينئذٍ يكون نتاجها تابعا لمؤهلات من يقوم بتشغيلها، و قد كنا البارحة بمعية وفد من بعض الكنائس الأميركية وتجولنا بهم في مدينة المحرق وأريناهم كيف أن المسجد السني إلى جنب المسجد أو المأتم الشيعي، ثم زرنا بعض المجالس هناك من دون تخطيط مسبق، ورأينا كيف أن الشيعة والسنة يجتمعون في مجالس واحدة ويتحادثون كما تتحدث الأسرة الواحدة، وقلنا لهم إذا كنتم تبحثون عن أنموذج للتعايش فهذه المدينة تمثل نموذجا ليس للبحرين فقط بل للعالم كله، فقالوا لنا بالحرف الواحد لا نجد في أميركا ذاتها كهذا الأنموذج الراقي، فلماذا نستصغر إنجازات حضارتنا و التي تكاد تنسى في زحمة الخطاب المتداخل والشحن المتبادل؟».

وأوضح المبارك أن «القرآن الكريم عندما يتحدث عن نفسه يشير إلى حقيقة مهمة، وهي ان القرآن يكون منتجا من خلال الإنسان الذي يفسره ويعمل به، وبالتالي فهو يزيد الذين آمنوا إيمانا، ولكنه ذاته أي القرأن يزيد الذين كفروا كفرا إلى كفرهم، ولقد سألني بعض الأخوة عن قول الإمام علي لابن عباس عندما أرسله لمحاورة الخوارج (لا تجادلهم بالقرآن فإنه حمال وجوه)، فهل يعني ذلك إلغاء الاحتجاج بالقرأن وتحييده في مقام الحوار وباالتالي إلغاء مرجعيته الثقافية؟ فقلت له ان حل السؤال يكون بالتأمل في المقصود الحقيقي لكلام الإمام عليه السلام ، والذي أفهمه هو إنه لا فائدة ترجى من محاورة الخوارج بالقرأن ما داموا يفسرون القرأن تفسيرا مغلوطا وما داموا يفهمونه فهما مقطوعا عن سياقاته الحقيقية، وهذا معنى كلام الإمام علي الآخرعندما سمع قول الخوارج: «لا حكم إلا لله»، قال: «كلمة حق أريد بها باطل».

وأضاف المبارك «لا يكفي أن نشيع كلمة الحق بل ينبغي أن يتدرب الإنسان كيف يستعملها و يوظفها في الحياة وفي علاقاته مع الآخرين، فهذا مجال واسع لتربية الإنسان وتعليم الإنسان كيف يتعامل مع الحقائق، فمن الأمور الهامة في مقام المعاملة الإنصاف، وليس المقصود إنصاف الصديق فحسب بل إنصاف الخصوم والأعداء، فإن الإمام علي في زحمة قتاله مع أهل البصرة رفض أن يوصفوا بالكفر والنفاق، وإنما قال أخواننا بغوا علينا، وقد ذكرت في خطبة سابقة أن من المفيد جدا اعتماد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم، بمعنى اننا لا نجمد في مصاديق الآيات بل نتوسع إلى دلالاتها الكبيرة، فعندما يمدح القرآن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فليس المقصود به خصوص هذه الحالة الضيقة وهي أن تسمع كلاما فتبحث عن أحسنه فهذا مصداق ولكن المقصود الأكثر رحابة هو أن نبحث في الأشياء كلها عن أحسنها، في الأفراد وفي الجماعات، وفي التيارات وفي الأمم وفي الحضارات المختلفة، كل شيء في هذا العالم يمكن أن يكون له وجهان فلماذا لا نحاول الاستفادة من وجوهه الإيجابية؟ وهذا يتصل أيضا بقوله تعالى: «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا». فلا نجمد على هذه الصورة الجزئية في الآية فهي مصداق فحسب، بل نتوسع إلى أفقها الرفيع وهو إننا إذا لاحظنا مساحة من المساحات الموحية بالسلبية لدى فرد او أمة أو حضارة فلا ينبغي أن نتعجل في الحكم بل نحاول أن نبحث عن العناصر الأخرى فربما تكون مفيدة بالنسبة لنا فليس الانسان كائنا أحاديا بل هو وجود مركب ومعقد وله وجوه مختلفة ويشتمل على عناصر متعددة».

ولأضرب مثلا من التراث الأدبي: الكثير منا يعتبر كتاب كليلة ودمنة أدبا أسطوريا من الماضي ومن الترف الثقافي قرائته، ولكن الحقيقة هي ان هذا الكتاب يعد أرقى ما وصلت إليه الحكمة الهندية اذ هو يصف الطبيعة الانسانية وصفا دقيقا، ويتصل ذلك ببعض الروايات التي تقول ان الإنسان يحمل صفات كل الأشياء (وفيك انطوى العالم الأصغر) فلو تاملت في الكائنات الحية لوجدت في الإنسان شبها بجميعها، وقد تغلب صفة في فرد أو جماعة على صفة أخرى، وإلى هذا تشير بعض الروايات التي تتحدث عن مآل الإنسان يوم القيامة وما هي الصورة التي يظهر بها، فليس الإنسان شرا محضا ولا خيرا محضا، و لذلك: لسنا آلهة خير وليس الآخرون آلهة شر، بل نحن جميعا كأفراد و أمم وحضارات كائنات مركبة، فيها الكثير من التلون والتنوع والتعقيد، ينبغي أن يكون تعاملنا مع الانسان على أساس انتقاء خيره وتجنب شره، كما يتحتم ان نتبين ونتثبت في الحكم عليه فلا نكتفي بالوجه السيء فيه مهما كان بارزا وظاهرا، بل نبحث عن وجوهه الحسنة ونحاول أن نتواصل معها، ذلك ما نستفيده من المفاد الواسع والرفيع للآيتين الكريمتين المتقدمتين.

العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً