العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ

«الشورى»... إنجاز في «الأرقام» وإخفاق في «الشارع»

يدور حولهم في كلّ مناسبة لغط شديد، ورغم أنّهم في الغالب ليسوا من أهل السياسة ولا من مريديها إلاّ أنهم أدخلوا في دهاليزها، فلا تكاد تمر حادثة هنا أو هناك إلاّ وانصبت الأسهم تجاههم، قليل مَنْ يُؤمن بدورهم وبأهميتهم، وكثير مَنْ يهاجمهم بمناسبة أو غير مناسبة، فهم - عند مَنْ ينتقدهم - سبب تراجع الديمقراطية ونكوص الدستور، وهم مسيّرون من أعلى يُؤدون ما يُملى عليهم، هم حائط صد أمام نوّاب الشعب، قرارهم ليس بأيديهم « بصّامون « غير مرضٍ عنهم اجتماعيا وليسوا من « المُؤتمنين « على قضايا الشعب ومصيرهم وأنهم دائما على « خط الموالاة «، لكنهم عند البعض الآخر أصحاب كفاءات و» صمام أمان « للتجربة الديمقراطية ووجودهم مهم في هذه الفترة « الانتقالية « من التحوّل الديمقراطي الذي تشهده المملكة.

40 شوريا يعيّنهم جلالة الملك، رغم مناصبهم الحسّاسة إلاّ أنّ وجودهم في المجلس الوطني جعلهم مثار جدل لا بسبب شخوصهم وتوجّهاتهم وأيديولوجياتهم التي يتبنونها بل بسبب الصلاحيات التي أعطيت لغرفتهم والتي تماثل صلاحيات الغرفة المنتخبة عدا بعضٍ من أدوات الرقابة التي لم تعط لهم.

هم من التجّار والاقتصاديين والأطباء والمهندسين والتكنوقراط ممن لم يدخلوا في سنيّهم اليافعة أتون السياسة ولم ينخرطوا في الجبهات والتيارات ولم تجتذبهم السياسة بوهجها في مراحل عمرهم المختلفة، لكنهم اليوم وبشكل دراماتيكي وجدوا أنفسهم في لب المدفع، وفي قلب موجة عارمة من الانتقادات التي توجّه لهم بسبب الجدل الكبير المثار حول مجلس الشورى منذ العام 2002 وحتى الآنَ.

من جهته قال النائب المزعل: أنا اعتقد أنّ أداء مجلس الشورى يسير وفق ما هو مخطط له، وأنه يقوم بدوره المرسوم تماما في المشروع السياسي الانتقالي التي تمر به البحرين، ولست هنا بوارد توجيه انتقادات لأعضاء مجلس الشورى، بل على العكس من ذلك فأنا أرى أنّ كثيرا من أعضاء مجلس الشورى هم بلا شك أكثر كفاءة من بعض النوّاب المنتخبين، لكن إذا ما قارنا تجربة المجلسين بتجربة برلمان 1973 الذي يُعطي الفرصة للحكومة بأنْ تكون موجودة وممثلة بما لا يُزيد عن ثلث المجلس الوطني، فإنّ نسبة 50 بالمئة الحالية تعتبر تراجعا في المكتسبات والتمثيل الشعبي، وعليه فإمّا أنْ يقلّص عدد أعضاء مجلس الشورى إلى ثلث المجلس الوطني أو أنْ يرفع عدد مجلس النوّاب إلى ما يُساوى ثلثي المجلس لكي نصل إلى نسبة التمثيل الشعبي الموجودة في السابق.

ومع كلّ دور تشريعي يزداد الحديث عن جدوى الدور الذي يلعبه الشوريون في المعترك السياسي في ظل وجود مجلس نيابي منتخب من الشعب، وفي ظل الدورة الطويلة التي يحتاج إليها القانون الواحد؛ ليخرج للنور بعد أن يمرر على ثلاث جهات ( الحكومة والنوّاب والشورى ) قبل أنْ يصدره الملك، ورغم أنّ أعضاء مجلس الشورى يؤكّدون أنّهم لا يعطلون القوانين التي تردهم من مجلس النوّاب إلاّ أنّ وجودهم يسبب « تأخيرا « على الأقل في التشريع بحسب ما يؤكّد ذلك مراقبون.

وبحكم وجودهم في المجلس الوطني الذي يتكّون من غرفتين فإنّ الحديث عن مجلس الشورى وأعضائه دائما ما يكون مقرونا بالحديث عن الغرفة الثانية وأعضائها، وفي الغالب لا تحظى جلسات الشورى بذات الصخب الذي تحظى به جلسات النوّاب أثناء المداولات وربما يعود ذلك للطبيعة المتجانسة التي يتميّز بها الشورى أكثر من النوّاب من جهة، ولطرق النوّاب أبوابا أكثر جرأة من جهة ثانية خصوصا فيما يتعلّق بالجانب الرقابي، غير أنّ الشوريين يؤكّدون دائما أنّ جلساتهم هي صدى « هادئ « لجلسات النوّاب « وأنهم لا يقعون تحت ضغط الشارع ولذلك فهم ليسوا بحاجة للخطابات اللاهبة أو الغليظة، وفي ذلك يقول عضو مجلس الشورى فؤاد الحاجي: عملنا في المجلس يتوقف في الغالب على ما يأتينا من مشروعات قوانين من مجلس النوّاب، حيث يتم تحويل هذه المشروعات إلى اللجان المختصة التي تقوم بدراستها وإبداء الملاحظات عليها، وليس صحيحا ما يُقال إننا نعطل إصدار القوانين فاللجان كانت تعمل باستمرار ولم تتوقف حتى خلال الإجازة الصيفية.

واللافت في هذا الموضوع أنّ أعضاء مجلس الشورى غالبا ما يشكون مع عدم تفاعل الشارع مع ما يطرحونه من ملفات بعكس التفاعل الواسع الذي يبديه الناس والنخب السياسية تجاه الملفات النيابية، وهو ما بدا جليا في الشهر الأخير من عمر الدور الثاني للمجلس الوطني حيث حظي استجوابي الوزيرين بن رجب وعطية الله بالحصة الأوفر من اهتمام الشارع ونخبه وكان مجلس الشورى حينها أشبه بالمعطل والمغيّب عن الساحة العامّة آنذاك.

وفي مناسبات عديدة يقوم أعضاء مجلس النوّاب بانتقاد زملائهم في الشورى، وتدور أغلب الملاحظات والانتقادات بشأن تعطيل هذا المشروع أو ذاك، وكثيرا ما دار الحديث عن قرب انعقاد المجلس الوطني بغرفتيه بسبب إرجاع قانون من القوانين مرتين من الشورى بسبب التعديلات التي يقوم بها على القانون، وكان آخرها مشروع بقانون بشأن تخصيص 40 مليون دينار لعلاوة الغلاء بفتح اعتماد إضافي في الموازنة، حيث اضطر النوّاب لإقرار تعديلات الشورى « على مضض « حتى لا تتأخر العلاوة على مستحقيها، وتسببت هذه الحادثة في توجيه سيل انتقادات نيابية لزملائهم في الشورى، مثال آخر يمكن الحديث عنه في هذا الصدد وهو قانون الاستملاك للمنفعة العامّة الذي كان قاب قوسين أو أدنى ليرى النور، وبهذا الصدد يقول النائب محمد المزعل أن ّهناك مشروعات كبيرة قد تعطلت بسبب عدم إقرار مجلس الشورى قانون الاستملاك رغم التوافق الحاصل عليه بين الحكومة والمجلسين البلدي والنيابي، مطالبا مجلس الشورى بالتعجيل بإقرار القانون؛ لأن ذلك من شأنه أنْ يؤدّي لنقلة نوعية.

وفي الجانب المقابل فإنّ أعضاء مجلس الشورى يعتبرون أنفسهم أمناء على الجانب التشريعي بما يحملونه من مؤهلات وخبرة في مجالاتٍ عدّة، وأنهم ببعدهم عن ضغط الناخبين والشارع أكثر قدرة على اتخاذ القرار الهادئ المتزن، ويعتبر جميعهم أنفسهم « صمامات أمان « للمجتمع البحريني في وجه التقلبات والأزمات التي تصيب المجتمع بما في ذلك الاصطفاف الطائفي، وهنا يقول الحاجي: في عملنا في المجلس إننا على يقين أننا بمثابة صمام أمان للمجتمع ، فالنوّاب الذين تم انتخابهم من قبل الناس مباشرة لهم من الصلاحيات أكثر مما أقره الدستور لنا، فرغم تساوينا في التشريع معهم إلاّ أنّ أدواتهم الرقابية تزيد على ما لدينا، فليس لنا إلاّ السؤال ومتابعته، أمّا النواب فلديهم حق الاستجواب وتشكيل لجان التحقيق وهذا ما قد يكسب عملهم زخما إعلاميا وشعبيا أكثر مما نحظى به نحن ، لكننا ندرك أنّ الدور الذي نقوم به دور مهم بسبب الخبرة والعمل المجتمعي الذي نتميز به.

وعودة إلى جدلية العلاقة بين الشوريين والنوّاب والشارع، فإنّ طبيعة هذه العلاقة لم تتغير منذ بدء المجلس الوطني في دورته الأولى في العام 2002 ثم في الدورة الثانية في 2006، فالدور المنوط بأعضاء مجلس الشورى في التشريع بعدد مماثل لأعضاء المجلس النيابي وتركيبة المجلس نفسها وتوجهات وانتماءات أعضائه كانت دائما مثار نقد الشارع وأعضاء المجلس النيابي ، ولعل غياب « النفس المعارض « جعل كلمات مثل: « بصّامين « و « مُوالين « تطلق عليهم في مناسبات عديدة ، وفي المقابل فإنّ الشوريين يوجّهون انتقاداتهم للنوّاب بأنهم حماسيون وانفعاليون وأنّ الشارع هو مَنْ يحركهم وأنّ استخدامهم لأدواتهم الرقابية ينطلق من منطلقات وأجندة خاصة أكثر من كونها منطلقات احترافية، ويقول الحاجي : لابدّ أن يكون هناك اتزان في العمل الرقابي في البرلمان فكثرة استدعاء المسئولين والوزراء يعطل عمل الوزراء وبالتالي يعطل مصالح المواطنين.

ويدرك أعضاء مجلس الشورى أنّ وجودهم في المجلس قد يعرضهم شعبيا لسيل من الانتقادات بسبب النظرة المجتمعية التي ترى في وجودهم عبئا ماليا وسياسيا، فبحسب الموازنة العامة للعامين الماضيين، رصدت موازنة فعلية لكل عام بمقدار 5.616.000 دينار و 5.962.000 على التوالي، خصص منها 800 ألفا لعام 2007 و 850 ألفا لعام 2008 لرواتب القوى العاملة.

ومن الجدير ذكره أنّ أعضاء مجلس الشورى يستلمون مكافآت توازي مكافآت أعضاء المجلس النيابي، وتقدر هذه المكافآت سنويا بحوالي 1.560.000 دينار؛ أي ما يزيد على 6 ملايين ومئتي ألف دينار في الأربع سنوات بأكملها .

أمّا في الجانب السياسي فإنّ الحديث عن نكوص في الحريات والتمثيل الشعبي غالبا ما يقترن عن النخب السياسية بالحديث عن مجلس الشورى ووجوده وهو ما يستدعي سخطا مجتمعيا متزايدا على الأعضاء فيه .

وفي لغة الأرقام أيضا وفي ما يتعلّق بما أنجزه الشوريون فبحسب الإحصاءات قد أنهى مجلس الشورى خلال دور الانعقاد الثاني ثلثي مشروعات القوانين وأحالها للحكومة بمعدل 29 مشروعا من إجمالي 44 أحالها إليه مجلس النوّاب في ذات الدور، بينما مازالت 53 بالمئة من مشروعات القوانين في أدراج مجلس النوّاب من الدور الماضي من إجمالي 94 مشروعا.

وكان أعضاء المجلس قد تقدموا في دور الانعقاد الماضي بـحوالي 32 اقتراحا بقانون، 13 منها أحيلت إلى الحكومة لصياغتها في صورة مشروع قانون، 6 تتعلق باستحداث قوانين جديدة (التأمين الصحي على غير البحرينيين، قواعد التسجيل والسلامة الخاصة بالسفن الصغيرة، مكافحة الغش التجاري، البيئة، الصحة العامّة، حماية المستهلك، الإعلام المرئي والمسموع.

وبحسب الإحصاءات أيضا فإنّ أعضاء مجلس الشورى رفضوا 4 اقتراحات بقوانين من بينها تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، وحفظ الوثائق العامّة، بينما طلب مقدمو 7 اقتراحات سحبها، ومثلها محل نظر في اللجان، فيما أرجئ النظر في الاقتراح بقانون الخاص بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون بشأن الأحداث.

العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً