العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

مطالب باول تشكل استحقاقا حرجا للبنان أسوة بسورية

الصحف العربية:

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

بقيت زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول، للبنان وسورية، محل اهتمام الصحف والمراقبين العرب، وذلك بعد أن جدد دعوته دمشق إلى إدراك «الوضع الاستراتيجي الجديد» في المنطقة معتبرا ان عليها «أن تدرك أن الأمور تغيرت». وقال إن الإدارة ستتابع عن كثب مواقف سورية ورئيسها بشار الأسد. وأضاف: «المسألة ليست ما يقول أو ما قاله لي أو ما يصرح به إنما ما يفعله حقا. سنتابع الأفعال خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة». وإذ لم يحدد باول ماهية العواقب إذا لم تستجب سورية للمطالب الأميركية، ذكر بمطالبة أعضاء في الكونغرس بسن قانون لمحاسبة سورية. وشدد على ان فرض عقوبات جديدة أمر ممكن حاليا بموجب قانون مكافحة الارهاب الأميركي الذي اعتمد بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ونقل نصير الأسعد في «السفير»، عن مصادر دبلوماسية رافقت باول في زيارته لدمشق وبيروت ان أهم «وأخطر» ما تلفت المصادر إليه هو ان باول لا يرى ان ثمة مجالا لـ «سياسة كسب الوقت» أو ان ثمة وقتا ضائعا أو يمكن تضييعه، أي ان يرتبط الالتزام بالاستجابة للمطالب الأميركية بـ «رهان» معين على «مآزق» قد تواجه السياسة الأميركية في هذا الملف أو ذاك، فيتم بناء على هذا «الرهان» افتراض إمكان تصدع «مناخ التصميم والحزم» لدى الإدارة الأميركية، فتخضع المطالب للون من «المراوغة». وتقول في هذا السياق ان هذا كله جعل باول يقدم في دمشق وبيروت مطالب تستهدف ما هو أكبر من تحقيق «تهدئة»، بل تتوخى الوصول إلى ما يشبه «إزالة» عوامل الاعتراض الراهنة والمحتملة على السياسة الأميركية. فيما نقل الأسعد عن أوساط لبنانية، انه إذا كان صحيحا أن يتم توقع مبادرة واشنطن إلى ضغوط إضافية تنفيذا لمطالبها، تحقيقا لـ «الفصل» بينها وبين الصعيد السياسي ونتائجه، فالصحيح أيضا أن يتم توقع عدم تحقق هذا «الفصل». وأكثر من ذلك يبدو الأمر مفتوحا على مشروع حرب إسرائيلية، ذلك انه إذا كان يمكن أن «تعطى» أميركا «تهدئة» قائمة ويمكن تعزيزها، فلا يمكن المجازفة بـ «عطاءات» نهائية، إضافة إلى ان «رهن» الموقف بما تقبله «إسرائيل» سيشكل تشجيعا لها على «التفلّت العسكري».

ونقلت وكالة «رويترز» في تقرير لها، عن محللين عرب يرون ان واشنطن و«إسرائيل» تنسقان جهودهما بغية السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وأشاروا إلى ان التهديدات التي وجهها وزير الخارجية الأميركي باول إلى سورية في الآونة الأخيرة ليست سوى إشارة البدء لما سيحدث مستقبلا. ولفت التقرير إلى ان كثيرين يعتقدون بأن يدي «إسرائيل» تلعب في الخفاء وراء ما وصفه باول بأنه «استراتيجية جديدة» تتسم بالديناميكية بدأت بالإطاحة بصدام حسين وخطوات لتنشيط محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقالوا ان جماعات الضغط اليهودية القوية في الولايات المتحدة تسيطر بصورة كاملة على الرئيس الاميركي بوش كي تكفل ان واشنطن تدرك تمام الإدراك حجم مصالح «إسرائيل» في الشرق الأوسط. ولاحظت «النهار»، انه لم يصدر عن المسئولين اللبنانيين ما يمكن أن يستشف منه أي استخلاصات دقيقة لما طرحه باول، بل كان الكتمان سيد الموقف ما أضفى على الغموض مزيدا من الغموض، وحصر النتائج الرسمية المعلنة بمواقف المسئولين. غير ان المعطيات الإضافية التي توافرت عن الزيارة لدى أوساط مطلعة أشارت إلى ان مرحلة ما بعد الزيارة تشكل استحقاقا جديا وربما حرجا ودقيقا للبنان أسوة بسورية، من حيث تسليط الجانب الأميركي عين الرصد والمراقبة أكثر من السابق في شأن كل الموضوعات والعناوين التي أثارها وزير الخارجية الأميركي. وقالت ان كلام باول في المؤتمر الصحافي يفترض أن يؤخذ في جوهره لأنه شكل المضمون الشامل للنقاط والموضوعات التي تحتويها «اللائحة الأميركية» والتي جال بها باول على كل من دمشق وبيروت. ومع ان المسئولين في البلدين يأملون في أن تشكل هذه الزيارة فاتحة حوار مع الولايات المتحدة، فإن إصرار باول على القول انه «ينتظر أفعالا» من سورية و«ليس أقوالا» يعني ان لبنان معني مباشرة بهذا القول أقله في نقاط أساسية أثارها ويرفضها لبنان عادة وهي تجريد «حزب الله»، من سلاحه ونشر الجيش على الحدود اللبنانية الإسرائيلية فيما يبقى موضوع الوجود السوري في لبنان عرضة للأخذ والرد تبعا لتطور الملف الاميركي السوري. ورأت «تشرين» السورية ان مساعي الأمن والاستقرار والسلام يجب أن توجه نحو «إسرائيل» بالدرجة الأولى، وذلك ليس لأنها مصدر التوتر فحسب، بل لأنها تدفع باستمرار، وفي هذا الوقت بالذات، نحو التصعيد الأمني اللامتناهي. واعتبرت انه إذا كانت الولايات المتحدة جادة في السعي إلى السلام في المنطقة. السلام القائم على قرارات مجلس الأمن الدولي ومبدأ الأرض مقابل السلام، فلن تجد عقبة عربية أمامها. وكتبت «الثورة» السورية، ان سورية تعتبر ان كل المسائل المترتبة على هذا الصراع ستجد طريقها إلى الحل بالتوازي مع القضية المركزية، ومنها المكاتب الإعلامية التي يديرها الفلسطينيون من دمشق لعرض قضيتهم على الرأي العام العالمي، وهذا حق طبيعي لهم بحسب اتفاقات جنيف وقرارات الشرعية الدولية. ولفتت «الوطن» القطرية إلى التصريحات التي أطلقها كولن باول والتي حملت تحذيرا واضحا لدمشق، مفاده أن أفعالها ستكون تحت عدسة مكبرة خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، من دون أن ينسى التلويح بـ «جزرة المكاسب» فيما لو أبدت مثل هذا التعاون، وهي جزرة ستشمل على حد قوله «مصالح السوريين ومسألة مرتفعات الجولان»، فلاحظت الصحيفة القطرية، ان العالم يتغير، لكن الولايات المتحدة لا تتغير. لقد أثبتت سياسة الترغيب والترهيب فشلها الذريع، ومع ذلك تصر واشنطن على اتباعها الآن، في حين أن بمقدورها ولوج درب آخر أكثر سهولة يتمثل في الدفع باتجاه تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي الإسرائيلي. وتحدث عبدالباري عطوان في «القدس العربي» الفلسطينية عما أسماه «تنازلات سورية خطرة»، وقال: «نحن لا نطالب النظام السوري بالانتحار، وإنما بالعقلانية المتماسكة، واستيعاب الدرس العراقي فعلا، ولكن العقلانية التي نطالب بها غير تلك التي يمارسها حاليا وبصورة مرتبكة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية تماما، وتعجل بإطاحته بدلا من أن تؤدي إلى استمراره». وإذ رأى عطوان ان الانحناء قليلا أمام العاصفة الأميركية الهوجاء الحالية مطلوب، ولكن ليس من الحكمة أن تصل درجة الانحناء إلى ملامسة الأرض، والمبالغة في تقديم التنازلات، فالتجربة العراقية أثبتت انه بمجرد أن تبدأ في تقديم أول تنازل تكر السبحة، وتجد نفسك في النهاية وقد فقدت كل شيء: السيادة والكرامة والحكم. ندرك جيدا ان الضغوط والتهديدات ضخمة، مثلما ندرك أيضا انه لا يوجد نظام عربي واحد مساند، فالكل في حال عجز سريري، أو في غرف الإنعاش من شدة الهلع والرعب، بحسب الكاتب الفلسطيني، الذي أضاف ان الوضع السوري مختلف. وإذا كانت واشنطن عاقدة العزم على إطاحة النظام فلن يمنعها احد، ولن تغير رأيها حتى لو تجاوب مع كل مطالبها وإملاءاتها. البديل هو التمسك والصمود، والعمل في الوقت نفسه على تعزيز الجبهة الداخلية من خلال مصالحة ومصارحة وطنية حقيقية، وإطلاق الحريات، واحترام مواطنية ووطنية المواطن السوري. فذهاب النظام العراقي لم يلغ العراق، وذهاب النظام السوري لا يعني نهاية سورية. ورسم غسان تويني صاحب «النهار» البيروتية، «خريطة طريق إلى السيادة والجنوب والحرية». وأوضح على سبيل الشهادة ان القرار 520 لا يذكر القوات السورية بالاسم، لافتا إلى ان العلة ليست في وجود أو عدم وجود الجيش السوري في لبنان. لأن عدم «احترام سيادة لبنان» لا يحتاج، ولم يحتج إلى جيش. وإذ لفت إلى ان المطالب (الأميركية) الموجهة إلى سورية، غالب الظن ستلبى، ولو بعد «الحوار» الذي رفع الوزير الشرع شراعه فجأة، وعاليا، بل عاليا جدا! طلب من الحكم اللبناني تلبية المطلب الوارد صراحة في أول كلام باول وفي آخره كذلك: إرسال الجيش فورا إلى الجنوب، تمهيدا لانتشاره على كامل الأراضي اللبنانية لتصير السيادة اللبنانية في عهدته. لا خضوعا وخنوعا، فذلك يكون منا مجرد ممارسة لحقوقنا، أقدس وأبسط حقوقنا، ولا يحتاج منا إلى خضوع لأحد ولا إلى إذعان! أما عن «المقاومة»، وعن «حزب الله» بالذات، فلا نخال الحكم القائم يعوزه رصيد لديها، ولا تعوزه ثقة متبادلة معها بحيث يدعوها بصراحة إلى أن تودع سلاحها لدى الجيش بمجرد أن ندخل حالة مسالمة أو مهادنة وتستمر في دورها الداخلي حزبا مناضلا وقوة اجتماعية فاعلة. والجيش يعاهدها، بحسب تويني، إذا ما لاح خطر إسرائيلي من جديد، على أن يعيد إليها السلاح، فتكون المقاومة مشتركة. بل أكثر: يدعو الجيش إذ ذاك كل المواطنين إلى أن يصبحوا مقاومين ومسلحين، فلا يحتكر شرف المقاومة فريق دون فريق، ولا يحتكرنَّ الله حزب أو طائفة دون سائر الناس المؤمنين بالله الواحد الأحد بالذات. أما المطلب الثاني لتويني، فكان فتح السجون قائلا: ثم، ثم، يا أيها الحكام، عجلوا في فتح أبواب السجون، وأطلقوا الأحرار، أيا يكن مصير «خريطة الطريق»، لا تنتظروها، لا تراوغوا... خذوا أنتم المبادرة قبل أن تطلب إليكم أميركا والعالم ذلك، لأن هذه السجون ستفتح على كل حال، برضاكم أو غصبا عنكم! وادفنوا آلات (وأجهزة) التهويل والتهديد والقمع والضرب والتعذيب والاغتيال والقتل الجماعي، قبل أن يشهد شاهد من أهلكم... فيفقد العالم آخر احترام لإنسانيتنا، فكيف باحترام سيادتنا واستقلالنا؟... وكيف إذ ذاك لا تستقالون... أو تهربون؟!. أما طلال سلمان في «السفير»، فلفت إلى ان من نظر إلى كولن باول على انه «حامل تهديد»، ورفع عقيرته متباهيا باستنتاجه هذا ليحرض على المعترضين على مشروع الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة، إنما كان «يهين» الوزير الأميركي، ويعظم من شأن موقف سورية ولبنان، في حين انه كان يقصد التشهير بهذا الموقف جلاب المخاطر. مثل هذا «التهديد» لا يحتاج إلى مَنْ يحمله لينقله إلى الغير... فنتائج الاجتياح الأميركي للعراق أخطر من أن يتعامى أحد عن تداعياتها الهائلة، وانعكاساتها غير المحدودة على حاضر منطقتنا العربية ومستقبلها الذي يصعب الآن التكهن بصورته، ثم إن تكليف الجنرال المنتصر في حرب «عاصفة الصحراء» على العراق سنة 1991، والمناطة به الآن حماية النصر العسكري على النظام العراقي 2003، بنقل مثل هذا «التهديد» إلى بلدين صغيرين بالذات، هو «تكريم» لكل من سورية ولبنان وموقفهما المتميز عن مواقف ما أسماه سلمان «القطيع» العربي الذي «ما قال (لا) قط إلا في تشهده»! ورأى سلمان، ان أمر العمليات واضح، إذا على العرب أن يتولوا «حماية» الاحتلال الأميركي للعراق (وما جاوره من الأرض العربية)... وعليهم، أيضا، أن يتولوا «حماية» الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأن يتقبلوا كل التعديلات الإسرائيلية المقترحة على «خريطة الطريق» والتي تجعلها «بوليصة تأمين» للاحتلال وليست بدايات طريق إلى الدولة الفلسطينية العتيدة. لكن سلمان، استدرك ليقر بأن العاصفة أقوى من أن تواجه في عينها مباشرة، اليوم. وبالتالي رأى رئيس تحرير «السفير»، انه ليس خطأ أن يترك للاحتلال الإسرائيلي أمر إفشال «خريطة الطريق». ولا هو خطأ أن يترك للاحتلال الأميركي أمر استيلاد مقاومته الشعبية في العراق. فالاحتلال يستولد مقاومته بالضرورة. وإذا لم تنبت المقاومة في أرضها فلا جدوى من التحريض بالصوت العالي من البعيد. وبعد أن تقول فلسطين كلمتها، والعراق كلمته، يكون حديث آخر، مع كولن باول أو من دونه. ورأى علي حمادة في «النهار»، ان كل البادرات السورية (إغلاق مكاتب فلسطينية في دمشق، الهدوء على الحدود اللبنانية، إجراءات على الحدود مع العراق) لا تشكل سوى رأس «جبل الجليد». انها «طبق أول» ريثما يأتي الطبق الأساسي! وإذ لاحظ حمادة ان السياسة السورية اليوم تتركز على مبدأ استيعاب «صدمة» الحرب على العراق وتداعياتها. وكذلك استيعاب «الطحشة» الأميركية المستغلة للانقلاب الاستراتيجي الكبير في الشرق الأوسط، اعتبر انه من هنا مسارعة اللبنانيين بصوت وزير الخارجية إلى الضرب في جثة النظام العراقي السابق، على رغم انه لاتزال هناك سفارة «صدامية» عاملة في لبنان! وعاد حمادة إلى ما أسماه «الطبق الأساسي»، فسأل عن القضايا العملية الصعبة؟ ماذا عن موضوع «حزب الله»؟ وماذا عن موضوع انتشار الجيش في الجنوب؟ وماذا عن مزارع شبعا؟ وماذا عن قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ هذه هي القضايا الجوهرية التي ينبغي مراقبتها بعناية في الأسابيع القليلة المقبلة، حتى يتسنى لنا تلمس النتائج الفعلية لزيارة باول التي لن تكون الأخيرة إذا ما حصل انعطاف أو «تأقلم» سوري. وخلص حمادة، إلى ان كولن باول جاء بالأمس، مستقويا بالانقلاب الهائل في الوضع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط، جاء ليقول لسورية تحديدا، ان أميركا أزالت هوامش المناورة التقليدية من أمام كل العرب، وسورية لا تشكل استثناء. لكن ما قاله أيضا من بين السطور هو ان أميركا تريد حليفا جديدا في المنطقة، وهو... سورية! والمفتاح هو «التأقلم»

العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً